بقلم: سالم مشكور
بعد شهر من تكليفه "تنبّه" بعض السياسيين الى ان الرئيس المكلف "لا تتوفر فيه الشروط المطلوبة" لتولي هذا الموقع. رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي يقول إن المكلف لا جذور له في العراق وليس لديه شي يخسره.
حاول شرح فكرته لكنه لم ينجح. هو يعتبر ان الدافع للانجاز والاخلاص في العمل هو وجود أخوة وأولاد عمّ وعائلة للسياسي في العراق. لو يطلع على تجارب الدول الاخرى لرأى كم من مسؤول مهاجر متجنس لا أخ معه ولا ابن عم تبوّأ منصباً وأخلص في عمله، وكم من مبعوث اممي يخلص في خدمة بلد أحبه أو لمجرد ارضاع ضميره باداء واجبه، فكيف نستكثر على ابن البلد الذي اضطرته الظروف السياسية الى الهجرة؟.
الاخلاص في العمل يرتبط بالاخلاق والضمير والتربية العائلية وليس بمصلحة شخصية أو مصلحة أهل وأقارب، والاخلاص يتوفر في المتدين الحقيقي لان الدين يؤكد على هذه الخصال بشدة ويضعها في مصاف العبادة وكسب الثواب عند الله.
لا تربطني بالرئيس المكلّف علاقة شخصية، وقد انتقدته وسأنتقد ما لا أراه صحيحا في أدائه فيما لو حصل على ثقة البرلمان، لكنني أعلم أنه متديّن حقيقي في السلوك والفكر والممارسة وليس في العبادات فقط كما هو حال الكثيرين، وبالتالي فإن عنصر الاخلاص في العمل والنزاهة ونظافة اليد متوفرة في شخصه .
أتكلم هنا عن النزاهة وليس الكفاءة فهذه مرتبطة بعوامل أخرى ولا يمكن اثباتها الا بالتجربة.
يمكن النظر الى توصيف الحلبوسي للرئيس المكلف بأنه "ليس له ما يخاف عليه"، من زاوية إيجابية، فالنزيه المتحرر من المصالح المادية والمعنوية (عبادة المنصب)، سيكون قويّاً قادراً على مواجهة ضغوط أصحاب المصالح التي تعرقل عمله، وإذا ما اجتمع ذلك مع الاخلاص والكفاءة فسيحقق الشيء الكثير.
التركيز على مواصفاة رئيس الوزراء وأفراد حكومته يساهم في اعطاء صورة خاطئة لأساس المشكلة في العراق. النزاهة مطلوبة ومعها الكفاءة فهل كانتا غائبتين عن كل الذين تقلدوا المناصب العليا ولم يستطيعوا تقديم انجاز كبير؟.
المشكلة تكمن في المنظومة (system) السياسية والقانونية والإدارية والقضائية والتي تجعل أكثر الوزراء نزاهة وكفاءة عاجزاً عن فعل شيء.
المنظومة التي يستطيع في ظلها موظف صغير عرقلة مشروع خدمي مهمّ دون أن يطاله اي عقاب، والتي تسرق في ظلها المليارات دون ملاحقة سرّاقها، والتي يعفي فيها القضاء أصحاب النفوذ من كل ارتكاباتهم الارهابية أو المالية، والمكبلة بالمحاصصة والتوافقية المقيتة، كيف يمكن للوزير أو حتى رئيس الوزراء أن ينجح في ظلّها؟.
في هكذا منظومة، من يستطيع العمل هو النزيه المخلص الذي لا يملك مصالح ولا يطمع بالتجديد له ولا يهمه- بل يسعده- أن يقال من منصبه في أية لحظة لانه يجد في ذلك راحة له وبراءة لذمته.