بقلم: حسين فرحان
(ما أجمل شوارعهم، هل رأيتها ؟)..
لطالما تكررت هذه العبارة على ألسنة العراقيين وهم يستذكرون تفاصيل رحلة علاجية أو سياحية الى بلدان شرق الارض أو غربها، والذي يدعوهم الى تكرارها سحابة تراب تعصف في وجوههم وتخنقهم أو حفر تجعلهم يهربون منها بمركباتهم ذات اليمين وذات الشمال أو مياه آسنة تجبرهم على انتقاء مواضع خطواتهم بحذر شديد خوف الانزلاق في مستنقعات اختلطت فيها مياه الامطار بمياه الصرف الصحي.
- الحديث عن شوارعنا -.. وهو حديث يستحق إسهابا وتفصيلا ويستحق لوحده أن تزلزل الأرض تحت أقدام كل من صيرته الاقدار مسؤولا وهو لايستحق ان يرعى زوجا من الظأن أو الماعز، وإن تخلينا ولو للحظة عن سوء الظن بواحد منهم ألزمتنا رؤيتنا لشوارعنا البائسة أن نرجع لسوء ظننا بهؤلاء ويأسنا من صلاحهم، فما هم إلا نتاج اجتماعات المحاصصة التي لا تضع على كراسي المسؤولية سوى من به داء الجشع ومرض الطمع وصفات اللصوصية وعلة الحقد على الناس ومحاولات تعويض عقد النقص المتراكمة لديه فأن حال جلهم لايترك لك مجالا للشك بأنها البطون التي جاعت ثم شبعت.
تحدثت مع أحد الاخوة ممن لديه حرقة في قلبه على هذا البلد الذي عصفت به أعاصير الهموم، وكان مهندسا في مجال البناء والانشاءات، سألته: هل تظن أن تبليط شوارعنا بهذه الصعوبة بحيث يترك هذا الشعب يسير بخطى متعرجة ويحلم بمسار جميل له او لمركبته ؟ هل أن القضية بحاجة الى مليارات تنهك اقتصاد البلد ؟ هل القضية بحاجة الى عقود مع شركات كبرى لشراء المواد والمعدات وعقود أخرى للتنفيذ ؟ هل الأمر بهذا التعقيد بحيث يهمل طيلة هذه السنوات ؟
ابتسم صاحبي المهندس ابتسامةلم تخلو من الاسى وانبرى يتحدث معي بلغة الارقام التي طالما عهدته وهو يتحدث بها فكان ما زودني به من معلومات دافعا للمزيد من بغض هؤلاء المتصدين قبل أوان النضج.
أخبرني أن علة التعطيل علة نفعية فمشاريع الاكساء تمنح للمقاولين وبأسعار خيالية من أجل أن يخرج المسؤول وحزبه بأعلى نسبة ربح ممكنة وإلا فأن الدوائر المسؤولة عن إكساء الشوارع لديها مايلي:
١- آليات حديثة ومن أرقى المناشيء العالمية ولاتحتاج سوى الوقود.. لكنها تقبع في كراجات الدوائر المعنية حتى لاتزاحم آليات المقاولين.. (كريدرات، حادلات مطاطية وستيل، فارشات، شفلات ).
٢- مواد العمل: وهي عبارة عن خليط متوفر في كل مقالع العراق في بدرة والنباعي وكربلاء وغيرها وهي كالتالي: (ركام خشن وهو الحصى المكسر) و (ركام ناعم وهو الرمل الخشن) والمادة الفعالة الكيمياوية (الزفت السائل مع مادة الفلر وهي مادة اسمنتية تعمل على ربط الخليط).
هذا الخليط ينتج في معامل الاسفلت ويصل الى موقع العمل بكلفة تقدر بثلاثين الف دينار عراقي فقط للطن الواحد!!!.
طلبت منه أن يعيد هذا الرقم على مسامعي فقد حسبت أنه أراد أن يقول ٣٠ مليون لكنه أكد لي أن كلفة الطن الواحد هي ٣٠ الف دينار لاغير.
ولمعرفة ما يغطيه هذا الطن الواحد من مساحة ينبغي ملاحظة أن شوارع المدن التالفة لاتحتاج الى ما تحتاجه الشوارع الرئيسية المنشأة حديثا فهذه تحتاج الى فرش طبقة سبيس وتراب وعمليات حدل وإكساء بسمك من ١٠ الى ١٥ سم.
وبما أن مأساتنا الكبرى هي شوارعنا الداخلية المتضررة وما زلنا في محل الابتلاء بضررها فلنتحدث عن تكاليف اعادتها للحياة:
هذه الشوارع (المتضررة) لا تحتاج الى فرش سبيس وتراب وحدل هي فقط بحاجة الى عمليات قشط بنسبة ٥ سم وإعادة إكساء بنسبة ٥ سم وهذا يعني أن الطن الواحد من المواد المتوفرة محليا والذي يبلغ ٣٠ الف دينار فقط يكفي لتبليط ٩ امتار مربعة تضاف له كلفة عمل تصل في أحلك الظروف الى ٥ آلاف دينار وهذا يعني أن كلفة المتر المربع الواحد ستبلغ اربعة آلاف دينار تقريبا ولكن بشرط أن تنزل الآليات العراقية الى الشارع وأن يعمل الموظف العراقي والعامل مكتفيا بما يتقاضاه من راتب في نهاية الشهر وأن يكف المسؤول الفاسد عن احتضان المقاولين الذين أصبحوا موردا هاما من موارد تمويل الاحزاب.
ملاحظة في الجانب الفني ايضا اخبرني بها صاحبي المهندس أن المعدات الحديثة التي تملأ كراجات الدوائر قادرة على انجاز ٢٠٠٠ متر مربع في اليوم الواحد!!!
هذه واحدة من همومنا التي ينبغي الاشارة اليها حتى نكف عن حسد باقي الدول على ماتطأه اقدام شعوبها من شوارع انشأتها غيرة أبنائها ومهنية المسؤول فيها ولم تخضع للمحاصصة المقيتة التي قتلت كل شيء.
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً