بقلم: حسين فرحان
الساعة تشير الى الحادية عشر ليلا، غادر الغرفة متوجها الى صحن داره الصغيرة، أشعل سيجارته وجلس القرفصاء قرب الباب، سألته زوجته: ليش كاعد هنا الجو بارد.. أجابها: أحس نفسي مختنك.. باجر موعد المقابلة مع المسؤول وبلكت ينظر لحالنا..
الزوجة: الله كريم منا لباجر.. كوم ياعيني لاتتمرض.
أجابها: يمكن فلوسي متكفي كروة حتى أوصل خلي أروح لمحمد أبو الأسواق بلكت يدايني ويضيفهن على الحساب.
الساعة الواحدة صباحا..
المسؤول لزوجته: ألف مرة قلت لك لاتسأليني ليش تأخرت.. انت ناسية آني مسؤول وعندي التزامات،.. رن هاتفه فانتحى جانبا وهو يهمس همسا ويسير بخطوات بطيئة في حديقة الدار الواسعة.
جاسم.. عاد إلى منزله وهو يتمتم شاكرا ربه أن هدى محمد صاحب الاسواق لتسليفه ١٠ آلاف دينار.
انقضى الليل ولم تغمض عين جاسم فقد كان مشغولا بترتيب أفضل سيناريو وحوار ليضعه بين يدي السيد المسؤول.
انقضى الليل ولم تغمض عين المسؤول فقد طالت فترة المكالمة ونامت الزوجة وقد سئمت انتظار عودة المسؤول الى فراشه.
الساعة الثامنة صباحا.. كان جاسم أول الوافدين الى الاستعلامات وقد أكد الموعد على موظف الاستعلامات مرارا وتكرارا وصار يمازحه لابقصد المزاح والضحك ولكن لتنطبع صورته في مخيلة الموظف فلا يبخسه حقه أو يلغي تسلسله في طابور المقابلات فهو صاحب الرقم ١ بامتياز.
كان جاسم يؤكد على الموظف أسبقيته كلما احتاج الى تدخين سيجارة في الساحة المقابلة للاستعلامات فتكرر مروره من خلال جهاز التفتيش الذي كان يصدر صوت الانذار في كل مرة يخترقه فيها جاسم الذي كان يبتسم ويتمتم قائلا: (عليمن تأشر، على باكيت الجكاير لو على العشرة الاف مال محمد ابو الاسواق).
الساعة التاسعة والنصف صباحا.. الاستعلامات تكتض بالمراجعين.. جاسم يشعر بالملل..
المسؤول مجهول الحال.. الناس يتسائلون: معقولة أخذ إجازة ؟ احتمال عنده اجتماع ؟ يجوز مريض.. يجوز سافر.. تحولت قاعة الاستعلامات الى ديوان يعج ويضج بالتساؤلات والافتراضات.. كان موظف الاستعلامات مشغولا بشرب الشاي وتسجيل أسماء الوافدين ولم ينبس ببنت شفة فقد اعتاد هذا السيناريو اليومي فتعامل معه بصمت وهدوء وتعاطف يومي مع التسلسل رقم ١.
الساعة العاشرة والنصف.. يدخل المسؤول.. يعم الصمت وانتظار جديد للإذن بالدخول.. نصف ساعة أخرى تمر يدخل فيها ثلاثة من الموظفين وهم يحملون أكداس من الورق ويخرجون بنصف كميتها..
صوت قادم من خلف باب المسؤول: جاسم جاسم.. ليقفز جاسم من مكانه وقد كاد أن يخرج قلبه من صدره: نعم.. نعم آني جاسم..
يدخل.. ويغلق الباب خلفه.. يجلس أمام السيد المسؤول بعد أن أذن له بالجلوس..
كان المسؤول ينظر في شاشة الحاسوب ويده على لوحة المفاتيح.. لم يكن جاسم يعلم بالمحتوى الذي يشاهده المسؤول فهو لايرى سوى ظهر الشاشة.. كان ينتظر الإذن بالكلام وهو يعصر كفيه ببعضهما.. أخيرا نطق المسؤول: تفضل إبني جاسم تكلم.. انطلق جاسم في عالم روائي مؤثر حفظه عن ظهر قلب في تلك الليلة الطويلة.. استرسل واستغرق في السرد.. اظهر كل مايمتلكه من انفعالات.. ومايزال السيد المسؤول يكمل حواريته الطويلة (حوارية الحديقة) على الحاسوب ويظهر بين فترة وأخرى اهتمامه بسيناريو جاسم.
انتهى اللقاء.. طلب المسؤول منه أن يدون رقم هاتفه في ورقة اعطاها له.. وأخبره بأن الموظف المختص سيتصل به في وقت لاحق.
خرج جاسم وملؤه السعادة لهذه المقابلة.. ودع موظف الاستعلامات وشرطي التفتيش وعاد الى داره ليخبر زوجته بمجريات اللقاء التاريخي.
مضى شهر وجاسم ينتظر في بيته..
مضى شهر والمسؤول في بيروت..
مضت ثلاثة أشهر وفاتورة جاسم عند محمد (أبو الاسواق) تزداد طولا..
مضت ثلاثة أشهر والمسؤول قد قضى منها شهر في دبي وإسبوع في تركيا.. وما تبقى قضاه في رحلة علاجية..
جاسم ينتظر.. جاسم يشعر بالقلق..
جاسم يتأزم..
أيتها العصفورة.. أخبري السيد المسؤول أن جاسم ليس على مايرام فهلا اتصلت به.
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً