علي فضل الله الزبيدي
داعش ذلك الجيل الإرهابي المتطرف، كان نتاج لحركات سلفية وجهادية سبقته
متسلسلة ومتتابعة، وكان ما يميز تلك الحركات إنها كلما تلاشت أنتجت حركة
أشد ضراوة وتعسف، ويزداد مستوى تأثير تلك الحركات جغرافيا" مع الزمن، كأن
تلاشيها سبات وسباتها منتج مع تقادم الأيام وتبدل التسميات، إستمكنت تلك
الحركات الإرهابية لتصل عبر داعش لمصافي قيام الدولة، دولة-الأمة بمعناها
السياسي لأن داعش أصبحت تمتلك جغرافية واضحة ومحددة كانت قابلة للتمدد،
وبنية إقتصادية هائلة، فذلك التنظيم المتطرف أرسى نفوذه على أهم بقاع
الأرض، العراق وسوريا، فكان حزيران عام 2014، عام إنتقال الإرهاب الحركي
إلى مشروع الدولة السياسية.
وفعلا أعلن وقتها زعيم داعش المكنى بأبي بكر البغدادي، الدولة
اللاإسلامية للعراق والشام، دولة كانت تمتلك هيكلية تنظيمية عالية
التنظيم، محكومة بالدواوين والولايات من حيث التقسيم الإداري، وتمتلك
دولتهم المزعومة وقتها إقتصاد هائل، قائم على مشارب كثيرة ومتعددة،
كالسيولة النقدية التي تحصل عليها التنظيم من المصارف التي وقعت في
قبضته، والجزية التي فرضها على غير المسلمين بل صادرت فيما بعد ممتلكاتهم
المنقولة وغير المنقولة، وتجارة النفط التي كانت من أهم الروافد، والذي
يباع لبعض الدول الإقليمية، وكذلك الأتوات وتجارة البشر ثم تجارة الأثار
التي كانت تدر أرباح هائلة وموارد متعددة أخرى، ليتحول من الدعم الخفي
إلى الدعم المكشوف، أو ما يسمى بالتمويل الذاتي.
بالإضافة لكل تلك المقومات والثروات التي تملكها داعش، كان هنالك الصوت
والصورة المرعبة المغرية، التي سخرها التنظيم لماكنة حربه من أجل الهيمنة
والنفوذ، عبر إعلام موجه ومؤثر، فكانت إمكانياته كبيرة وهائلة التأثير
على النفس البشرية، سخرت للترغيب تارة من أجل كسب المقاتلين رجال ونساء
وحتى الأطفال كخزين بشري أسترتيجي، ومن كل أقطاب المعمورة، فكانت مواقع
التواصل الإجتماعي من أهم تلك الوسائل، بالأضافة إلى إصدارات داعش
المقروءة والمسموعة والمطبوعة، مع تبني بعض القنوات الفضائية لبعض نشاطات
المجاميع الإرهابية لنشر سمومه، وتارة أخرى يبث مشاهد الرعب من قتل وذبح
وتفجير، لهز الحالة المعنوية لكل من يواجهه.
كان الموعد العراق والمواجهة الحقيقية لداعش عبر فتوى الجهاد الكفائي،
التي أصدرها السيد السيستاني، والتي دعا فيها المتطوعين لسد النقص
والإنكسار في المؤسسة العسكرية العراقية، ليكون العراق هو المتحمل
لمواجهة الإرهاب الداعشي نيابة عن العالم، كون الإرهاب أخذ يهدد الأمن
والسلم الدولي، وأستمرت المواجهة العسكرية قرابة الأربع سنوات ليعلن
العراق الأنتصار العسكري على داعش عام 2017، ولكن الحرب الأمنية لم
تنتهي، ولا زالت المواجهة مستمرة، وما حصل في الأيام السابقة من خروقات
أمنية لداعش في مناطق متفرقة، رافقها تهويل إعلامي من بعض الجهات
المغرضة، يراد منها إعادة الروح لجسد الإرهاب الداعشي الذي يعاني
الإحتضار، وذلك مستبعد على الأقل للمستوى القريب من الزمن، رغم ذلك لا بد
أن تدرس هذه الخروقات وتعالج.
والعلاج الناجع هو أن نعود لجذر المشكلة، وأن نعتبر من تنامي الإرهاب في
العقود الماضية، وكيف إننا لاحظنا إنه كلما تلاشت حركة إرهابية، أعقبتها
حركة أبشع وأكثر تطرف ودموية، على إن داعش خسر أكبر مرتكزين له، وهو
الماكنة الإعلامية التي قاربت على التصفير، من خلال غلق عدد كبير من
مواقعه الألكترونية على مواقع التواصل الإجتماعي، وتحطم البنى التحتية
والإقتصادية في العرق وسوريا التي مثلت عمقه الإسترتيجي، إلا إننا وكل
العالم يجب أن نتجه للمعالجة الفكرية التي كانت الأساس في إنتشار هذا
الفكر المنحرف، كما وإن الفقر والجهل والتهميش، هي البيئة الخصبة التي
تنمو وتتنامى فيها بذرة الإرهاب.
عليه نحتاج إلى تحرك سريع من قبل الحكومة العراقية، من أجل وضع
إستراتيجية لمواجهة الفكر المتطرف، يشرف على تلك المهمة فريق متخصص من
أساتذة في التخطيط وعلم النفس والإجتماع والإقتصاد، ومتخصصون من القيادات
الأمنية، على أن تكون هنالك لجان ساندة من مؤسسات الدولة، تعمل على تطبيق
تلك الأستراتيجية، ولا يكون ذلك بمعزل عن المجتمع الدولي بل مدعوم بتحرك
دبلوماسي بهذا الخصوص من وزارة الخارجية، لأننا بحاجة للدعم المالي
واللوجستي من الدول الصديقة والمنظمات الأممية، للمضي في كبح جماح
الإرهاب وتجذراته، وفي المجمل فإن السلطات الثلاث تحتاج لغرفة عمليات
مشتركة، كي توفر الدعم الحقيقي لرئيس مجلس الوزراء، بإعتباره واضع
السياسات الأمنية وصاحب الإختصاص الدستوري بهذا الصدد، ولا يكون ذلك إلا
من خلال التعاون والمراجعة الدائمة من قبل الجميع، كي لا نفقد المكتسب
ونمضي نحو النجاح.