- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الفتح وسائرون نحو كتلة جديدة لتزعم المشهد السياسي
بقلم: فرهاد علاء الدين
المشهد السياسي العراقي كعادته مليء بالازمات في حين نرى أن النخبة السياسية تعتاش على هذه الازمات بشكل مفرط بل ادمنت عليها. السنوات الماضية كانت سياسة ادارة الازمات هي السائدة و كانت الحلول في اكثر الاحيان تآتي من خلق ازمة جديدة و كبيرة لتحل محل الازمة القائمة حتى يتم نسيان الازمة الاولى لتتجه الانظار نحو الازمة الجديدة، ولكن من الملفت للنظر ان الازمات السياسية باتت قليلة و مبعثرة و لا تدوم حتى تخمد و يتم حلها. ولعل احد اهم الاسباب هو التعاون و التفاهم الغير مسبوق بين الرئاسات الثلاث فرئيس الجمهورية في اتصال دائم مع رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب، كما أنه على اتصال مع الكتل السياسية لحل المشاكل كما حصل مع مبادرته لحل الخلاف الذي حصل بين تيار الحكمة و حركة عصائب اهل الحق. كما ان رئيس مجلس الوزراء لا يتعاطى مع الامور و المشاكل اليومية التي تشغل الطبقة السياسية، لقد تعمد الابتعاد عما يدور في مجالس الكتل السياسية و تركهم لحال سبيلهم و فسح المجال لهم في التعاطي مع الاحداث.
هذا الهدوء الغير مسبوق يعترضه البطئ في اكمال الكابينة الوزارية وعجز الكتل السياسية على اختيار المرشحين لمناصب وزارات الداخلية و الدفاع و العدل، وتأخر اعادة هيكلة الحكومة كما جاء في البرنامج الحكومي لانهاء ادارة المناصب بالوكالة و تعين رؤساء الهيئات المستقلة و وكلاء الوزراء و المدراء العامون و غيرها من مناصب.
لا يخفى على احد بان هناك توجس و ترقب لما قد يحمله الصيف القادم من مشاكل تكون شرارتها الكهرباء و النقص في الخدمات حيث ان المشاريع التي كان من المفترض ان يتم اطلاقها لازالت قيد التأخير و لا احد يعلم الاسباب الحقيقية من وراء ها ولكن التكهنات كلها تتجه الى اصرار البعض في الاستمرار بالروتين و الفساد و المحاصصة المعرقلة لتفعيل المشاريع. كما ان التحديات القادمة من جراء ما قد يحدث في المنطقة برمتها و خصوصا ما يتعلق بالصراع الايراني الامريكي و عودة داعش للمناطق النائية في الجزيرة و حزام كركوك و غيرها من مناطق تضع قادة البلد امام تحديات كبيرة بعكس مانراه اليوم من استمرار السجال على النمط التقليدي المأزوم الذي لايجدي نفعا.
نهاية كتلتي الاصلاح و البناء ؟!!
الجدل الدائر بين كتلتي الاصلاح والبناء و غياب التنسيق داخل الكتلتين و عدم تمكنهما من اتخاذ القرار المناسب حيال الكثير من القضايا المهمة ادت الى شلل في آلية اتخاذ القرار و عليه لم تتمكن الكتلتلين من حسم الكثير من الملفات المهمة.
النواة و القوة الدافعة داخل كتلة الاصلاح هي كتلة سائرون و نواة كتلة البناء هي كتلة الفتح، فبادر الحكماء داخل الكتلتين الى اتفاق بينهم للمضي بالعملية السياسية و لعب دور المحرك الاساسي داخل البرلمان، سبق و ان اتفقت هاتين الكتلتين على ازاحة حزب الدعوة من رئاسة مجلس الوزراء و تكليفهم المشترك لرئيس مجلس وزراء جديد بعيد عن الاحزاب الحالية.
عقد الكتلتين مجموعة من الاجتماعات بعيدا عن اضواء الاعلام و اتفقوا على آلية جديدة للقرار و فيما بعد تم الاعلان عن عقد اجتماع موسع للكتلتين في ١١ شباط ٢٠١٩ برئاسة نصار الربيعي، رئيس الهيئة السياسية للتيار الصدري و هادي العامري رئيس كتلة الفتح و تم اعلان اتفاق شامل وقد صرح هادي العامري “شكلنا لجنة مشتركة تناقش مع الشركاء استكمال الكابينة الوزارية والدرجات الخاصة وباقي المؤسسات وحسم موضوع مجالس المحافظات والتعاون على تقديم الخدمات لابناء الشعب”، مشددا على اننا “لم نطرح اسماء للوزارات ولكن سنحسمها بالجلسات الاولى للبرلمان” ان اعلان كتلتي فتح و سائرون عن اتفاقهما و “دعوتهما للشركاء” لاستكمال الكابينة الوزارية دليل على عزمهم كقوتين اساسيتين في المشهد السياسي الراهن لاخذ زمام المبادرة و السيطرة على القرار السياسي، مع الاخذ بعين الاعتبار “الشركاء” مثل تيار الحكمة و دولة القانون.
يبدو للمراقبين ان المشهد السياسي الان يختلف عما كان عليه و اتفاق سائرون – فتح هو بمثابة التحالف الوطني بلباس جديد و بلاعبين اقل، و ان الكتلتين الكبيرتين سوف تعملان على اتخاذ القرارات الاساسية بالتعاون والتنسيق مع القوى الاخرى من السنة و الكورد لاكمال المشهد.
المقربون من القرار السياسي الشيعي لايخفون اصابة القيادات داخل كتلتي الاصلاح و البناء بخيبة امل جراء الخلافات العميقة التي تعصف بالقوى الصغيرة المنضوية داخل الكتلتين، و خصوصا الكتل السنية حيث ان انتماءاتهم لازالت مطاطية وينتقلون من كتلة لأخرى وفقا لحساباتهم ومصالحهم و لهذا السبب ليس بامكان قيادات الاصلاح و البناء منفردين اتخاذ القرارات المهمة لعدم ضمان وجود الاعداد و هذا ما نراه في اجتماعات مجلس النواب حيث انه ليس بامكان اي من الكتلتين اكمال النصاب بدون الاخر.
يرى المراقبون بان نهاية كتلتي الاصلاح و البناء باتت وشيكة و قد نرى تكوين كتلة كبيرة جديدة في الاشهر القادمة و تكون نواتها سائرون – فتح مجتمعين و ينضم اليهم بعض القوى الاساسية مثل تيار الحكمة و دولة القانون و كتلة واحدة من السنة و كتلة كوردية، و هناك من يرى بان الكتلة الاكبر لن يتم تشكيلها و سيستمر الحال على ماهو عليه مع اتفاق ضمني بين سائرون و الفتح بوجود كتلتي الاصلاح و البناء على اساس شكلي.
التحديات القادمة
هناك تحديات كبيرة امام الكتل السياسية بشكل عام، الصيف القادم سيكون لاهبا و متوترا و ليس في الافق من حلول جذرية لمشاكل الخدمات و البنى التحتية و مشاريع العمران و معالجة البطالة، وسط صعوبة معالجة هذه المشاكل التي تحتاج الى سنوات وليس اشهر.
الحرب مع داعش في سوريا ستلقي بظلالها على العراق من خلال تسرب المقاتلين الهاربين من سوريا الى العراق وظهور تواجدهم مرة اخرى و هناك تقارير مؤكدة تشير الى تسلل الاف من مقاتلي داعش عبر الحدود السورية العراقية، كما ان موضوع انسحاب قوى التحالف الدولي من العراق او عدمه ستكون احدى التحديات الكبيرة امام القيادات السياسية العراقية وعليهم اتخاذ القرار بتواجدهم من عدمه في المرحلة القادمة.
الحراك الامريكي لتضييق النطاق حول ايران و تشديد الحصار عليها سيضع العراق امام تحديات كبيرة في الوقت العراق ليس بحاجة الى ازمة اخرى لا ناقة فيها و لا جمل لان الصراع الامريكي الايراني يمتد الى سوريا و لبنان و اليمن و الخليج و ليس العراق طرفا فيها بشكل مباشر.
كلتة الفتح سائرون عليها التعامل مع هذه التحديات بحنكة و حكمة، وبوادر هذه التحديات بدأت بالظهور و سوف تشتد وتيرتها في الاسابيع والاشهر القادمة و ستكون هذه القوى امام امتحان صعب يجب اجتيازه بنجاح و الا سيكون الصيف القادم لاهب و حارق.
أقرأ ايضاً
- التعويض عن التوقيف.. خطوة نحو تطور التشريع الإجرائي
- صفقات القرون في زمن الانحطاط السياسي
- ثورة الحسين (ع) في كربلاء.. ابعادها الدينية والسياسية والانسانية والاعلامية والقيادة والتضحية والفداء والخلود