- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
المركز الدستوري لوزيرة التربية- معالجةٌ موضوعيةٌ دستوريةٌ -
د.حسن الياسري
بدءاً لا بدَّ من التنويه بأنّ القصد من هذه السطور هو بيان الرأي الدستوريِّ المتعلِّق بوضع المرشَّحة لوزارة التربية التي صوَّت عليها مجلس النُّوَّاب - السيِّدة الحيالي -، وإيضاح مركزها الدستوريِّ في حالة الرغبة باستبدالها.. وليس مرادنا تقييمها أو نقدها أو بيان أحقيَّـتها بالوزارة من عدمه، وما شابه ذلك من أمورٍ سياسيَّـةٍ..
وفي هذا السياق يُلاحَظُ أنَّ النقاش قد ازداد مُؤخَّراً حول وضع هذه المرشَّحة دستورياً، بعد نشر بعض المعلومات -التي راجت في وسائل الإعلام - عنها. ويمكن حصر هذا النقاش بأربعة أقوالٍ سيقت بصدد الموضوع من أطرافٍ شتَّى:
فمن قائلٍ أول يطالب بإقالتها من قبل رئيس الحكومة، ومن ثانٍ يطالب بإقالتها عبر التصويت في البرلمان، وثالثٍ يطالب بإعادة التصويت عليها؛ كون هذا الطرف يطعن بشرعيَّـة انتخابها في الجلسة التي شهدت التصويت عليها، ورابعٍ يطالب رئيس الحكومة بقبول استقالتها التي قيل إنها قدَّمتها ووضعتها تحت تصرُّف الأخير..
ولئن كانت نيَّة الأطراف المعنيَّـة - وبالخصوص البرلمان ورئيس الوزراء - مُتَّجهةً لإيجاد بديلٍ عنها، وبغية بيان الرأي الدستوريِّ بكلِّ تجرُّدٍ؛ فإنَّ بالإمكان القول بعدم صحَّة أو دقَّـة الأقوال الأربعة المتقدِّمة جميعها!!
وبيان ذلك أنَّ المؤمأ إليها لمّا تؤدِّ اليمين الدستوريَّـة في مجلس النُّوَّاب بعد؛ وما دامت كذلك فمُؤدَّى هذا أنَّها لم تكتسب صفة (الوزير) بعد، حتَّى وإنْ حازت ثقة المجلس؛ ذلك أنّ الدستور يُوجِبُ على مرشَّحي الوزارة المعروضين من قبل رئيس مجلس الوزراء أداء اليمين الدستوريَّـة أمام أعضاء المجلس..
إنَّ القيمة الدستوريَّة لهذه اليمين تكمن في قدرتها على تغيير المركز القانونيِّ للمُرشَّح للوزارة، من كونه مُرشَّحاً حاز ثقة المجلس، إلى وزيرٍ حاز ثقة الأخير، والفرق بين الاثنين كبيرٌ. فالأول - الذي لم يُؤدِّ اليمين - لا يكتسب صفة (الوزير) ولا يُعدُّ وزيراً، بينما الثاني - الذي أدَّاها - يكتسبها ويُعَدُّ وزيراً من تأريخ أداء اليمين، وليس من تأريخ نيل الثقة.. وبالمحصلة لا تترتَّب أيَّـة آثارٍ دستوريَّـةٍ على الأول، بما فيها الحقوق والامتيازات والالتزامات، في حين تترتَّب تلك الآثار جميعها على الثاني.. ومن تلك الآثار قدرة المرشَّح على تقديم الاستقالة، إذ تنتفي هذه القدرة عن الأول؛ لكونه لـمَّا يصبح وزيراً بعد، بخلاف الثاني الذي يحوزها، أي يكون بوسعه تقديم الاستقالة؛ وبناءً على ذلك يسقط أحد الأقوال الأربعة المهمَّة المتقدمة، وهو المتمثِّل بقيام المرشَّحة بتقديم استقالتها ووضعها تحت تصرُّف رئيس الوزراء - كما أُعلِنَ عن ذلك في وسائل الإعلام -؛ لأنَّها لا تملك حقَّ تقديم الإستقالة الآن!!!
ومن هنا يتجلَّى أنَّ اليمين الدستوريَّة ليست إجراءً شكلياً مجرداً، بل هي إجراءٌ موضوعيٌّ، يمثِّلُ إيذاناً بالمباشرة بالعمل والمهمَّات الدستوريَّـة والقانونيَّـة، وإنَّ الآثار القانونيَّـة لتترتَّب على العمل منذ المباشرة، وبدون المباشرة لا آثار قانونيَّـةً، وبدون اليمين لا مباشرة. وإذا أردنا تقريب الصورة قانونياً نستطيع القول إنَّ اليمين الدستوريَّـة هي بمثابة الشرط الواقف، ومعنى ذلك أنَّ المرشَّح الحائز ثقة البرلمان يكون مركزه الدستوريُّ قبل أداء اليمين غير مُؤكَّدٍ، ومُعلَّقٍ على شرطٍ واقفٍ هو أداء اليمين، فإذا أدى اليمين تأكدّ المركز وترتبت الآثار، وإنْ تخلّفت اليمين سقط المركز وانتفى الموضوع.
وتأسيساً على ما تقدَّم يمكن الركون إلى الدستور؛ لنستنبط منه مُقترحاً يُؤسَّس عليه، ويتَّفق مع الفقه الدستوريِّ، وهو في غاية السهولة، نضعه بين يدي الأطراف المعنيَّـة، ولا سيما البرلمان ورئيس الوزراء، وهو:
يقوم رئيس الوزراء بترشيح اسمٍ جديدٍ بوصفه مُرشَّحاً جديداً لوزارة التربية، ويطلب من البرلمان التصويت عليه، على أن تكون الغاية من التصويت هنا هي أنْ يحلَّ الأخير محلَّ المرشَّحة السابقة محلّ النقاش، ودون حاجةٍ لإقالة الأخيرة أو التصويت على إقالتها، بل كلُّ ما في الأمر أنْ يُعرِبَ رئيس الوزراء عن استبدالها ما دامت لم تؤدِّ اليمين الدستوريَّـة، ويطلب التصويت على المرشَّح الجديد مباشرةً.. وإنَّ من الـمُحبَّذ أن يكون المرشَّح الجديد موجوداً في الجلسة ؛ ليتسنى له أداء اليمين الدستوريَّـة بعد نيله الثقة مباشرةً..
ولعلَّ أمراً يمكن أن يحدث في الجلسة، وهو عدم قدرة المرشَّح الجديد لوزارة التربية على نيل ثقة البرلمان لسببٍ أو لآخر، وفي هذه الحالة أقترح أن يطلب رئيس الوزراء إعادة التصويت على المرشَّحة السابقة - محل النقاش -، على أن يكون الغرض من التصويت هنا مُقتصراً على حجب الثقة عنها، وليس لإقالتها؛ فالإقالة والإستقالة لا محلَّ لها دستورياً في هذا المقام بحسب تقديري؛ للأسباب المذكورة آنفاً.
أقرأ ايضاً
- التكتيكات الإيرانيّة تُربِك منظومة الدفاعات الصهيو-أميركيّة
- مراقبة المكالمات في الأجهزة النقالة بين حماية الأمن الشخصي والضرورة الإجرائية - الجزء الأول
- شهر محرم نقطة الشروع إلى التحرر - الجزء الثاني