حسن الهاشمي
كلّ ذكر يسعى إلى أن يكون رجلاً يشار إليه بالعلم والفضيلة والنخوة والشجاعة، فتلك صفة الكمال لكلّ ذكر وسرّ سعادته، وكذلك كامّ وأخت وبنت وزوجة ترجو أن تجدَ إلى جانبها ذلك الرجل الذي تفخر به وتعتمد عليه وتحتمي بظلّه، والأب أيضا ينتظر اللحظات والسنين ليرى زرعه كيف أثمر ويرى تعبه وكدّه أين ذهب، وينتظر أولاده ليرى أيهم يكون رجلاً موضع فخره وعزّه وسنده الذي يعتمد عليه، وكذلك كلّ مجتمعوأمّة تعتمد على شبابها الرجال منهم، لبناء مجتمعهم والارتقاء به علمياً وفكريا، وما أحوج المجتمعات إلى رجال المواقف (وهو اعم من الرجل والمرأة) عند الأزمات فتشتد الحاجة لوجود اولئك الذين بهم تبنى الأوطان وترتقي الشعوب وتزدهر الحضارات.
والسؤال الذي يطرح هنا بقوة هل عندنا رجال قد تصدوا للعملية السياسية بعيد السقوط عام 2003م لحد هذه اللحظة؟! وبمعنى اخر هل الذينتصدوا للعملية السياسية قد انتشلوا العباد والبلاد من وضعهم المأساوي الى وضع افضل؟! وهل تحققت طموحات المواطنين في العيش الرغيد بعد ان امضوا عقودا متمادية من الزمن الأغبر تحت سياط الديكتاتورية والظلم الذي احرق الاخضر واليابس على حد سواء؟! واخيرا وليس اخرا هلان ولاء السياسيين لأحزابهم وقومياتهم وطوائفهم أم ولاءهم لوطنهم وشعبهم وقيمهم الخالدة؟!
مع بالغ الاسف ان الاجابات عن تلك الاسئلة وغيرها هي مخيبة للآمال ومحبطة للشعور ومقززة للطموح، حيث ان كل حزب في العراق الجديدبما لديهم فرحون، لا خدمات ولا تنمية ولا تطور بل بالعكس تماما فان العراق اخذ بالتراجع القهقري منذ تسلط الأحزاب على مقاليد الحكم، فانه وبفضل سياساتهم الأحادية النفعية وبفضل انحيازهم التام لأحزابهم وقومياتهم ومذاهبهم بعيدا عن الانحياز للوطن والشعب، فقد تبوؤاالمراكز الدنيا في التطور والتنمية والايجابية في جميع الملفات، في حين تصدروا المراكز العليا في الفساد والطائفية والسلبية في جميع مناحي الحياة، في مشهد مروع هو الاشنع على وجه البسيطة لم يشهد له التاريخ المعاصر والمنصرم له مثيلا في الفساد والتبعية والتخلف والانهيار.
وحين تسحق طاحونة الفقر والفساد بالأمة والبلاد، وحين يكون الولاء للحزب بدلا عن الوطن، وللطائفة بدلا عن الأمة، وللمنافع الخاصةبدلا عن العامة، فإننا بحاجة إلى عناصر اصلاحية حقة تثبّت الجماهير على المنهج القويم وتحمي الوطن من الانتكاسات، ففي الأزمات تكتشف معادن الرجال، فيظهر كلّ رجل عن معدنه الخالص، وفي حالة الأزمات يتبين الرجال الذين يقفون على منهج الاصلاح بأقدام راسخة وخطى واثقة،عن كل تلك الابواق التي تعزف على وتر الفساد والعنصرية والطائفية وطالما مزقت البلاد شر ممزق وارجعتنا الى الوراء عشرات بل مئات السنين.
فالرجولة مطلب يسعى إلى التحلّي بخصائصها أصحاب الهمم، ويسمو بمعانيها الرجال الجادون، وهي صفة أساسية، فالمتصدون إذا فقدوا أخلاقالرجولة صاروا أشباه الرجال، وحين تضيع قيم الرجولة بسوء تصرفات السياسيين أنفسهم يحلُّ بالبيت الضياع وبالمجتمع العطب والخراب، وبالأمة الضعف والهوان، إذ تضيع العدالة وتضعف الغَيرة فتتسع رقعة الفساد المالي والاداري فيعم الفقر وتُنتهك الحرمات وتُستباح الأوطان.
فالرجولة إذا حلت وتفشت بالوطن فلا خوف عليه ولا هم يحزنون، فالرجولة تعني:
1ـ حب الوطن والتفاني في الدفاع عنه.
2ـ حب الدين والعقيدة والمقدسات ومسارعة الخطى في الذود عنها.
3ـ حب الخدمة واسداء النفع لبني الجلدة والسعي الجاد على التطور والازدهار للوطن.
4ـ حب القيم والمثل العليا في المجتمع ومجاهدة الإعداء في النيل والانتقاص منها.
5ـ كل من يبيع وطنه وعقيدته ومقدساته ومثله العليا للأجنبي لأي مبرر كان، فهو مشكوك في رجولته وشموخه وكبريائه.
6ـ الخونة والمفسدون الذين يرجحون مصالحهم الحزبية والقومية والمذهبية على المصلحة العامة التي تحفظ الدين والتراب والعرض والناموس،هم بالحقيقة رجال بالشارب واللحية وخشونة الكلام، ومخنثون وأشباه رجال بما يطفح من سلوكهم الشائن من خيانة وتآمر ودسائس لتراب الوطن الذين يعيشون فيه ولتلك المقدسات التي تصون عرضهم وكيانهم ومجدهم التليد.
كثيرة هي المشاكل التي تعصف بنا وهي تراوح مكانها دونما حل، وليس اقلها انعدام الخدمات، وقطار الأرامل واليتامى والمعوزين، وانتهاكسيادة الوطن من دول الجوار وغيرها، والتدخل بشؤوننا الداخلية لكل من هب ودب، والقائمة تطول وتطول والكل يعلم مدياتها وتأثيراتها السلبية على الجميع دون استثناء، اقولها وبضرس قاطع ان معظم الذين تصدوا للعمل السياسي وآلت اليه الأمور بما نعيشه الآن من فقر وانتهاك وفساد،فان مصيرهم لا محالة الخزي والعار والشنار، لأنهم ومن خلال تجردهم عن الرجولة الحقة، عرضوا أوطان وأعراض ومقدسات وخيرات الآخرين للنهب والانتهاك والضياع، فلا خيانة اتعس من هكذا خيانات ولا نكوص أمض من هكذا هزائم وتخاذل وانتكاسات.
أقرأ ايضاً
- هل ماتت العروبه لديهم !!!
- هل يستحق المحكوم ظلما تعويضًا في القانون العراقي؟
- هل سيكون الردّ إيرانيّاً فقط ؟