بقلم: حسين فرحان
اعتدت ركوب الحافلة برفقة أحد الاصحاب والتحدث معه بمواضيع شتى كأي عراقيين اثنين، نتناول تلك الهموم العامة ونمني النفس بأيجاد حلول افتراضية نقضي في الحديث بها وقت الزحام.
ذات يوم تناولنا موضوعا سياسيا واحتدم الجدال بيننا وكان صاحبي ثرثارا ويحاول دائما رفع صوته وإشراك الآخرين في نقاشاته مما يجعلني في موقف لا أحسد عليه حيث تتسع دائرة الجدل بلا مبرر، فوجه سؤاله لرجل عجوز يجلس في المقعد المقابل لنا، كان العجوز قد ناهز السبعين عاما ولم يفاجأ بسؤال صاحبي البسيط (شتكول حجي ؟).
انبرى الرجل للجواب دون أن تتغير ملامحه فقد كان هادئا لدرجة غريبة. في هذه الاثناء رن هاتفه، فأشار لنا بيده أن ننتظره حتى ينهي مكالمته، مد يده الى جيب سترته الفضفاضة وأخرج هاتفا نقالا من الطراز القديم ولم يكن فيه غطاء خلفيا للبطارية، سحب نظارته الى أرنبة أنفه ليقرأ اسم المتصل واستغرق بعض الوقت ونحن ننتظره بفضول، تمتم ببعض الكلمات وأنهى مكالمته، ثم أعاد الهاتف الى جيبه وأرجع نظارته الى وضعها السابق ورمقني بنظرة موجها كلامه لي قائلا: يابني أنا ولدت في هذا الوطن وسأموت فيه وعنواني هو عابر سبيل، قضيت عمري اسدد أيجار سقف في وطني لكي لا أنام على أرصفة وطني فلا تسألني شيئا عن وطني.
ثم مد يده مرة أخرى الى جيبه وأخرج هاتفه ومعه غطاء البطارية وانشغل بتركيبه.
سادت لحظات صمت لم أعهدها من قبل وأنا برفقة صاحبي الثرثار، توقفت الحافلة وأنا أنظر من النافذة فلاحت لي صورة شيخ كبير عجوز يحمل بندقيته وقد لف حول عنقه علم العراق استشهد دفاعا عن وطنه ضمن صفوف الحشد الشعبي.
أقرأ ايضاً
- أسطورة الشعب المختار والوطن الموعود
- مواقف المرؤة والوطنية بين عائلة ال عصاد وسالم الخيون
- العمامة الشهيدة نصراً للعقيدة والوطن