- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
الليرة والروبل والتومان .. و اردوغان و بوتين و روحاني
بقلم | د. عماد عبد اللطيف سالم
يدورُ حديثٌ كثير عن استخدام العملات المحليّة في التبادل التجاري(كبديلٍ عن الدولار)، في بلدان تتعرّض لعقوبات اقتصادية(شاملة أو جزئيّة)، أو لضغوط اقتصاديّة (متعددة الأشكال والأبعاد) من الولايات المتحدة الأمريكية.
لا يتمّ تطبيق هذا الاجراء بهذه البساطة. واذا كان الأمر يتعلّق بـ ايران وتركيا وروسيا(والصين الى حدٍّ ما)، فإنّهُ قد يكونُ(أو يُفضي)لما يأتي:
- تستوردُ تركيا وايران من روسيا احتياجات مُحدّدة(تقنيات وأسلحة متطوّرة، مصادر طاقة، صناعات ثقيلة، قمح، لحوم..)، وتدفعان قيمة الاستيرادات بالليرة والتومان.
- سيؤدي ذلك (أنْ حدَث)، الى ظهور عجز في الميزان التجاري لـ ايران وتركيا، مقابل فائض في الميزان التجاري لروسيا، بسبب طبيعة وحجم وقيمة الصادرات والاستيرادات بين تركيا وايران (بلدان العجز)، لصالح روسيا (بلد الفائض). وينطبق هذا بطبيعة الحال على الصين، وعلى "اليوان" الصيني مقابل الليرة والتومان، لتشابه نمط التبادلات التجارية بين هذين البلدين من جانب، وبين روسيا والصين من جانب آخر.
- ماذا ستفعل روسيا بالفائض من أرصدة الليرة والتومان لديها ؟ هل ستتفّق مع ايران وتركيا على الاحتفاظ بهما كأرصدة نقدية لديها حاليّا ؟ هل سيتم تحويل هذه الارصدة الى أرصدة دولارية لاحقاً؟ كيف ستتم هذه "التسوية"، وبموجب أيّ سعر صرفٍ لاحقٍ للعملات الثلاث سيتمّ ذلك؟ سعر الصرف الرسمي ؟ أم سعر السوق الموازي؟.
- في الجانب الآخر من معادلة التبادل هذه، ستقوم ايران بتصدير النفط والغاز والمشتقات النفطية الى تركيا (اضافةً الى الفستق والبطيخ، والنحاس والزنك والالمنيوم..)، وتستلم قيمة الصادرات بالليرة.
- ماذا ستفعل ايران بفائض الليرة لديها؟ ماذا ستستورد به من تركيا غير الموز والحبوب والتبغ والقطن والخشب والورق، وبعض المعدّات الصناعية ؟
- لو كان الأمر يتعلّق بالحكومات، لكان أكثر بساطة. ولكن ماذا عن القطاع الخاص في البلدان الثلاثة؟ كيف سيستلم هذا القطاع استحقاقاته ؟ وكيف سيسدّد التزاماته(وبالذات الى المموّلين، ومصدّري مستلزمات الانتاج الأجانب، ومعظمهم من الأوربيين والأمريكان)، اذا لم يكن في حوزته سوى عملات محليّة غير قابلة للتحويل على الصعيد الدولي؟.
- في تشرين الثاني/نوفمبر/ من هذا العام ستفرض الولايات المتحدة عقوبات قاسية، وصارمة،على تصدير النفط الايراني. لو التزمَتْ تركيا بهذه العقوبات، وذهبت لاستيراد النفط من العراق والسعودية، والغاز من قطر، ماذا ستكون قيمة وحجم بقيّة صادرات ايران الى تركيا في حينه ؟ وماذا ستكون قيمة وحجم استيرادات تركيا منها (خاصةً وان تركيا تحصل حاليّاً على %44.6 من امداداتها النفطية، و 17% من صادراتها من الغاز من ايران وحدها)؟.
- هل سيذهب الروس للسياحة في تركيا وايران، وجيوبهم مليئة بالليرة والتومان؟ وكم سيصبح سعر صرف الليرة والتومان مقابل الدولار، لو قام السياح الروس بالإنفاق بهذه الطريقة؟
- اذا لم تلتزم تركيا وروسيا بالعقوبات على ايران، وخضعا نتيجة ذلك لعقوبات امريكية اضافية، ما الذي سيكون عليه سعر صرف الليرة والروبل مقابل الدولار فيما لو تمّ ذلك؟
- لنفترض أن تركيا ستحصل على النفط والغاز من روسيا وايران مقابل خصم معين على سعر السوق. ماذا سيحصل اذا ارتفع سعر النفط عن معدّلاته الحاليّة، خاصّةً وأنّ كل زيادة بمقدار 10 دولارات في اسعار النفط العالمية سترفع من معدلات التضخّم في تركيا بنسبة 0.5%، وستعمل على تخفيض النمو الاقتصادي بنسبة 0.3 % ؟
عزيزي بوتين.. عزيزي روحاني.. عزيزي أردوغان.
تحيّة طيّبة.
وبعد..
- اذا كان ترامب أحمقاً(كما تعتقد)، فلا تكن أكثر حماقةً منه.
- اذا كان ترامب يستخدم لغة القوة، ولا يفهمُ لغةً غيرها، لا تُجاريه.. فهو الان أقوى منكَ بكثير، شاءَ من شاء، وأبى من أبى.
- اذا كنت تريد ليرة و تومان و روبل (و يوان صيني)، يحظونَ بالاحترام، فاحتَرِمْ الدولار الأمريكي، واقبَل به كعملة احتياطي رئيسة في التعاملات الدولية، إلى أن يمُرّ الاعصار، وتهدأ العاصفة، و.. يقضي اللهُ أمراً كان مفعولا.
- لا تجعل القضية "شخصيّةً" أكثر ممّا يجب، و"إعلاميّةً" أكثر ممّا يجب، و "شعبويّةً" أكثر مما يجب. هذا سيجعل ترامب مُتفوّقاً عليك. اجعَل القضيّةَ "وطنيّةً" أكثر مما يجب، وستنزَع عن ترامب أهمَّ مصادر القوة في خطابهِ الشعبويّ.
- اذا كنتَ تُريدُ استقراراً وسلاماً ونموّاً وتنميّة، فعليكَ أنْ تتحسّب لموجة الزلازل القادمة. أنتَ تقعُ(لسوء حظّكَ و حظّنا) على خطّ الزلازل النَشِط. والزلازلُ عادةً لا يُمكن التنبؤُ بدرجةِ شدّتها، ولا بوقتِ حدوثها.. خاصّةً في عهد ترامب.
- اذا كان ترامب رئيساً لا يحترِم تعهدّاته، وانساناً غير مُحتَرَم، وشخصاً لا يستحّقُ الاحترام.. فاحتَرِمْ أنتَ نفسَك، ولا تُلقي بنفسِكَ وبنا في التَهْلُكة.