- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
دجلة و أليسو والمصالح الوطنيّةُ والفرات
بقلم | د. عماد عبداللطيف سالم
نهرُ دجلة على وشك الجفاف.
والفراتُ كذلك.
لماذا نبدو – كعراقيّين، مصدومون بذلك ؟
هل هذه مُفاجأة ؟
سدود تركيا، كما سدود ايران، كما سدّ النهضة في اثيوبيّاً، هي جزء من منظومة الدفاع عن المصالح الوطنيّة، والأمن القومي لهذه البلدان.
كلّ شيءٍ حول هذه السدود، وطاقاتها الخَزْنيّة، وما يتعلّقُ بحجم الاطلاقات المائيّة الى دول "المَصَبّ" بعد استكمال بناءها، معروفٌ ومُعلَنٌ منذ عقود، وعقود عديدة.
لا أسرار في ذلك، ولا "مؤامرات".. فلماذا نملأُ العالمَ بالعويل، بدلاً من غَمْرِ أرضنا بالماء ؟
سمعتُ و قرأتُ قبل أربعينَ عاماً (كما سمعَ وقرأ غيري) أنّنا سنكونُ مُضطَرّين "مستقبلاً" لمقايضة كلّ برميلِ نفطٍ ببرميل ماء.. بل ومقايضة كلّ قطرةِ ماءٍ بقطرةِ دَمٍ..
لذا فإنّ "معاهدة الماء مقابل النفط" قادمةٌ لا محالة، فإنْ لم "يعجبنا" ذلك، فالدمُ سيكونُ مقابل الماء، وهذه هي المُعاهدةُ – المُعادَلَةُ الحتميّة القادمة، التي ستأتي قريباً، وقريباً جدّاً، وأقربُ ممّا نتصوَرُ ونعتقِدُ بكثير.
لا مصالح سياديّة "وطنية"عليا لدينا.. و لَمْ نُشيّد سدّاً واحداً منذ أربعينً عاماً.. ونهدرُ ماء النهرينِ لعقودٍ طويلةٍ في البحر.. فلماذا نملأُ العالمَ بالعويل، بدلاً من غَمْرِ أرضنا بالماء ؟
نحنُ نُجيدُ "تحاصُصَ" السلطة والثروة والمناصب والنفوذ.. و يقتلُ بعضنا بعضاً من أجلها، ونتمزّقُ ونتفَرّقُ و ننقَسِم، و نتشظّى.. ولكنّنا لا نعرفُ كيف ندافعُ بشرَفٍ عن ذرّة ترابٍ واحدةٍ، ولا عن قطرةِ ماءٍ، في أرض السواد العظيم.
نحنُ لا ننظرُ الى ما هو أبعدُ من أنوف مصالحنا، ومناصبنا، ومساوماتنا حول تقاسُم الريع.. ونأتي الآنَ لنخدعَ الناس بأنّ "الدولة" العراقيّة ستجتمعُ، بقضّها و قضيضها و "قوارضها" لمناقشة هذه الفجيعة.
هل هذه أوّل فجيعة ؟ هل هذه أوّل نكبة ؟ هل هذه أوَل نكسة ؟ هل هذه أوّل هزيمة، هل هذا أوّل انحطاط ؟ هل هذا هو اوّل عطَشٍ وأوّلُ جوع ؟؟
لا طبعاً.
ولكنّنا كـ "أُمّةٍ" ميّتَةٍ، لا نُجيدُ سوى التدليس، وننسى انّ هناك تاريخ، ونتجاهلُ أنّ لهذا العالم ذاكرةٌ لا تغفِرُ، و لا تُجامِل، ولا يمكن طمسها في رمال صحراءنا الكبرى، التي خلقناها بأيدينا، وغَفْلَتنا، وقلّة حيلتنا، و هواننا على الدول والناس.
دولةٌ لا نفط فيها، وفيها الكثير من مصادر الماء. دولة تُعاني من تداعياتٍ ظروفٍ جيوسياسيّة غير مؤاتيّة، ويتعرضُ اقتصادها لضغوطٍ شديدة.. و تتراجعُ قيمة عملتها يوماً بعد آخر.. ويستهلكُ الكثير من مواردها الماليّة، استيراد الطاقة من الخارج.. فما الذي تتوقَعّون منها ان تفعل ؟
ستمارِسُ الضغط خدمةٍ لمصالحها الوطنيّة و القوميّة العليا. فهل هذا عيبٌ.. أم عار ؟
ستجلسون معها (زراعةً وخارجيّةً وموارد مائيّة)، وستقولُ لكم: النفط مقابل الماء، أيّها "الأصدقاء" الأعزّاء!!!!
و ستقبلون.
ستقبلون حتماً.
وليس مُهمّاً كيف سيحصلُ ذلك.. وليستْ مهمّةً التفاصيل.
و قديماً قال اهلنا "القدماء" جدّاً: الذي لا يعرِف تدابيره.. ستأكلُ حُنطتهُ شعيره.
و أهلنا قالوا ذلك، لأنهم كان يمتلِكون حنطةً وشعيراً، يُقايِضون بها صروف الزمان.
أمّا نحنُ.. الديموقراطيّونَ – التعدّديّون – الاتّحاديّون.. فلا حنطة لدينا، ولا شعيرً.. ولا عُشبَ..
ولا حتّى ماء.