بقلم: عبود مزهر الكرخي
قبل فترة وجيزة قررت أن اشتري حاسبة لابتوب بدل التي لدي والتي استهلكت وعفا عليها الزمان وبحكم شيوع بيع الأغراض المستعملة قررت شراء النوع من هذه الحاسبات والتي تسمى عندنا بالعراقي(البالات)والظاهر أنه اصبح في العراق كل شيء من المواد يباع منها الجديد يقابله النوع المستعمل أي البالات وقد قررت الولوج في عالم البالات وشراء هذا النوع ونتيجة لوجود الإعلانات التي على الفيس بوك والتي لا عد لها ولا حصر ورؤيتي لها قررت الذهاب إلى احدى الشركات والتفاوض معهم لشراء نوع من هذه الحاسبات البالات.
الحقيقة زرت احدى الشركات المختصة بهذا المجال وكان يساورني الشك في الحصول على جهاز نظيف والذي اريده ولكن لاحظت هناك تعامل رائع وراقي من قبل شباب طموحين في هذه الشركة واسلوبهم المميز وتفانيهم في خدمة الزبون جعلني اراجع كل حساباتي وقررت شراء نوع من هذه الأجهزة المستعملة ومن هنا بدأت اتعرف على هؤلاء الشباب والذين كان منهم مصطفى ونبيل ويوجد عمر ونذير وهم شباب يعملون كخلية النحل بهمة ونشاط لا يفتر، ومن خلال هذا التعارف طرحوا همومهم وعقبة رئيسية يكاد يلتقي عليها أغلب الشباب العراقيين عليها في بلدنا وهي مشكلة البطالة في العراق والتي وصلت إلى أرقام مخيفة ورهيبة حيث وصلت نسبة البطالة إلى 35% في العراق لتشكل مشكلة كبيرة ومهمة تواجه العراق وشعبه والتي اخذت ملامحها تكبر بصورة كبيرة وبعد السقوط مباشرة لتصبح ككرة الثلج التي تنحدر من قمة الجبل لتكبر مع شدة انحدارها لتسقط في الهاوية ليسقط معها البلد في هذه الهاوية.
ولنأتي إلى مصطفى والذي طرح همه بكلمات بسيطة ومتواضعة عرفت معها مقدار الهم والشجى الذي يعتريه مع باقي رفاقه حيث قال لي انه تخرج من السادس العلمي عام(2011) وبدرجة جيدة جداً حيث كان معدله (88) وقدم للقبول إلى الجامعة والتي في هذه السنة تم إعادة القبول المركزي ثلاث مرات نتيجة تخبط وفشل في هذه الوزارة في عمل خطة القبول المركزي وهي معروفة بهذا الفشل حالها حال اغلب الوزارات الأخرى المهم أنه خرج قبوله في كلية الهندسة الحضرية ولكنه نتيجة معرفته بمشكلة التعيين العويصة في العراق والتي يبدو انه لا يوجد حل لها في الأمد القريب قرر التحول عنها والذهاب إلى كلية أوطأ منها بالنسبة للمعدل الخاص به والذهاب إلى كيلة التقنية الطبية وحسب الخطة في كربلاء ليتم قبوله في قسم الصحة والبيئة ليضمن له الحصول على عمل ووظيفة في حالة تخرجه لأن كما هو معلوم ان وزارة الصحة هي من الوزارات الخدمية والتي لم تشملها خطة التقشف الاقتصادي وهذا ليس بفضل الحكومة والدولة بل جاء بتوصيات من قبل صندوق النقد الدولي في ضرورة توفير وظائف لهذه الوزارة المهمة وقد داوم هذا الشاب في هذه الكلية وتحمل الغربة والسكن في محافظة كربلاء وهو من اهل بغداد ليكمل تعليمه الجامعي وليصبح شاب ورجل يعتمد عليه البلد وكذلك الأهل وبعد هذه المعاناة التي لا يعرفها إلا من عاش فيها تخرج من الكلية وبتقدير عالي طرق أبواب وزارة الصحة وحتى باقي الوزارات من اجل التعيين لأنه اختصاصه وحسب ما ذكره ينفع في كل المجالات لأنه يختص بالبيئة وصحة الإنسان ولكن وجد كل الابواب قد أقفلت بوجهه بحجة التقشف وعدم وجود اعتماد للوظائف إلى أخر هذه الكلام الذي نعرفه والذي يقال لكل من يسلك مجال التعيين بدون أي وساطات او طرق ملتوية أخرى كالرشوة وكذلك الانتماء إلى احدى الأحزاب والكتل والتي يبدو أن كل وزارة ومؤسسة بالدولة تصبح ملك للحزب الذي ينتمي إليها المسؤول أو الوزير الذي في ذلك المفصل أو الوزارة بالدولة وكأنها ملك صرف أو بستان يتصرف بهذا المفصل من الدولة حسب ما يحلو له وكل من يريد التعيين يجب أن ينتمي إلى الحزب الذي ينتمي إليه الوزير او مسؤول الدائرة وكأنا رجعنا إلى الحقبة الظلامية في زمن الصنم هدام في ضرورة الانتماء إلى البعث المقبور قبل التفكير بالتعيين فما أشبه الأمس باليوم بل هو أتعس وأقسى بحكم وجود قرابة الوزير أو الحبربش الذي من حوله والذي يمشون معاملات التعيين بالرشوة والتعامل بالدولار من اجل التعيين وهذه هي قمة المهازل التي تجري في وطننا الحبيب. ونفس الشيء ينطبق على زميله نبيل وهو شاب متدين ومتمسك به وخريج احدى الكليات العملية والذي في النهاية كان حاله كحال صديقه مصطفى وحال البقية في الشركة زملائهم عمر ونذير ليطرقوا بعد ذلك العمل التجاري في الشركات التجارية في القطاع الخاص وهي شركات قائمة على كف عفريت سرعان ما تتعرض لأقل هزة اقتصادية تجدها تغلق أبوابها ولتضاف اعداد من البطالة إلى جيوش البطالة التي عندنا في العراق مضاف إليها أنهم يعملون في مهن لا تمثل تخصصهم الحقيقي والذي تعبوا وسهروا من نيل الشهادة العلمية من اجل ذلك.
واكتب مقالي هذا والذي حال الكثير من الشباب العراقيين والذي وصل بحاملي الشهادات العليا أن يفترشوا الارصفة ويبيعوا على البسطيات كما يقال عندنا في العراق وهذه هي الكارثة الاقتصادية الكبرى في بلدنا لأنه لا يتم استغلال الطاقات الشابة والعلمية في العراق والتي اني متأكد بأنها مبدعة وخلاقة لأن العراق هو بلد المبدعين والكفاءات العالية والتي لا يوجد منها في كل العالم وهذا باعتراف الأعداء قبل الأصدقاء ونحن كما كنا نقرأ ونتعلم المقولة المعروفة التي تقول(أن الشباب عماد البلد)وهم القادة التي يبنون البلد وهذا ما قاله رئيس الوزراء السيد العبادي في تصريحه الأخير(ان الشباب هم من حرر نينوى وباقي المناطق) ولكن ان أنوه على ملاحظة وأقولها للدكتور العبادي أن ليس الشباب فقط يتم استخدامهم فقط في محرقة الحروب والقتال وهم أهلاً لها ولكن يجب العمل على استغلال هذه الطاقات والزنود في بناء العراق وتطويره من خلال خبراتهم العلمية والمهنية وهم أهلاً لها وهذا ما يشاركني فيه كل العراقيين في أن الشباب هم أمل العراق الموعود في بناء الوطن ووصوله إلى اعلى مراتب الرقي والتقدم بعيداً عن كل اشكال وألوان الطائفية والمذهبية والحزبية والعرقية بل يكون المعيار الوحيد في كل التعيينات هو الولاء للعراق وشعبه فقط لا غير. ورب سائل أو متحذلق من الذين يدعون الفهم ويدعي أنه محلل اقتصادي سيقول أن الدولة لا تستطيع استيعاب كل هؤلاء الجيوش الضخمة من الخريجين والشباب! لكن أقول له أن هناك قطاعات كثيرة معطلة في العراق وأهمها القطاع الخاص والذي يمثل لدينا قاعدة صناعية لو تم تفعيلها ليتم خلق قاعدة صناعية ضخمة في العراق تنافس بمنتوجاتها العديد من الدول في العالم وكذلك القطاع الزراعي والصناعات المرتبطة به فكل ذلك سيكون عامل مهم في توظيف كل الطاقات الشبابية والعلمية في تلك القطاعات لنجد أن البلد سوف يكون بحاجة على خريجين اكثر واكثر من اجل سد متطلبات عملية النمو الاقتصادي في العراق مضاف القطاعات الأخرى التي لم يتم ذكرها كالسياحي والتجاري وغيرها. وفي شأن يتعلق بأوضاع الخريجين، أكدت المرجعية الدينية في خطبتها بتاريخ 7 /تموز /2017 على هذه الظاهرة الخطيرة حيث قال الصافي ممثل المرجعية "لدينا مجموعة كبيرة من خرجي المعاهد والكليات ويطالبون بإيجاد فرصة لشغل مواقع مهمة لإدارة بلدهم"، لافتا الى أن "هؤلاء الإخوة يجب أن يكون هناك متلقي لهم يوفر لهم الفرص المناسبة". وحذر الصافي من أن "الفراغ والبطالة من الأمور الخطيرة، والإنسان يشعر بانتكاسة نفسية وتعب شديد نتيجة عدم العمل، الذي يعد الوضع الطبيعي للإنسان"، مشدداً على أن "الدولة لا بد أن تكون مسؤولة عن أبنائها وتسعى لإيجاد حل، والحل ممكن هو يحتاج لخطوات ومعالجة جدية". وأكد أن "هذا أمر له مخاطر وسلبيات كثيرة وهذه المسألة لا بد أن تعالج من قبل الجهات المسؤولة، وتوفير فرصة مناسبة لهم ليخدموا البلد".
وكان معتمد المرجع الديني علي السيستاني في محافظة كربلاء أحمد الصافي أكد، الجمعة (11 أيار 2012)، من أن ظاهرة البطالة بدأت تدفع الشباب إلى سلوكيات وممارسات خطيرة تهدد بناء المجتمع، وفيما حذر من انعكاس حالة البطالة على مجمل الأوضاع الاجتماعية في البلاد، طالب الحكومة بتوفير فرص عمل للخريجين.
ولهذا ندعو الحكومة وبمختلف مرافقها العمل على مكافحة هذه الظاهرة الخطية والاستفادة من عقول وطاقات شبابنا وندعو جيوش المستشارين الموجودين في الرئاسات الثلاثة العمل على وضع الخطط الكفيلة أجل مكافحة هذه الافة الخطيرة على البلد وعلى المستشارين والذين ليس فقط عملهم استلام الرواتب الضخمة والجلوس وراء مكاتبهم الفخمة والانيقة وكذلك البقية في الحكومة والبرلمان وباقي الدولة بل العمل من أجل العمل على رفع معاناة اخوانهم وابنائهم من العراقيين والعراقيات والنهوض من كبوة هذا البلد ورفع المحن والويلات عنه والتي هذه الظاهرة أحدى الأدوات المهمة في خراب البلد ومن كل النواحي.
وفي الختام أن قضاء حوائج الناس هي أحدى نعم الله وهذا ما اشار إليه سيدي ومولاي الأمام الحسين(ع) حيث يقول الأمام الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ (عليه السَّلام): "اعْلَمُوا أَنَّ حَوَائِجَ النَّاسِ إِلَيْكُمْ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ فَلَا تَمَلُّوا النِّعَمَ فَتَتَحَوَّلَ إِلَى غَيْرِكُم".*
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* بحار الأنوار (الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار (عليهم السلام)): 75 / 127، للعلامة الشيخ محمد باقر المجلسي، المولود بإصفهان سنة: 1037، و المتوفى بها سنة: 1110 هجرية، طبعة مؤسسة الوفاء، بيروت / لبنان، سنة: 1414 هجرية. أعلام الدين ص298.
أقرأ ايضاً
- في ذكرى ولادة الحبيب المصطفى(صل الله عليه وآله)
- كيف تتم معاقبة خيرة الخريجين وفي اهم وأصعب التخصصات ؟ ولماذا ؟
- بين يدي مصطفى جمال الدين