- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
هل تصلح حكومة الأغلبية ما أفسده التوافق؟
حجم النص
عباس الصباغ لم يعد سرا ان الصيغة التوافقية لإدارة العملية السياسية لمابعد التغيير النيساني، كانت اسوأ وصفة حكوماتية جاهزة ضمن ما يسمى بالديمقراطية التمثيلية، التي اتفق جميع الفرقاء السياسيين ـ دون استثناء ـ على الاخذ بها بحجة انها افضل صيغة حكوماتية لاستيعاب التنوع العرقطائفي والاثني والمناطقي فضلا عن الحزبي في العراق وهي “الحل” الافضل والبديل للتشتت السياسي والتشرذم المكوناتي والانقسام المجتمعي ولرفع الحيف والإقصاء عن الهويات الصغيرة والفرعية ولمنع نشوب حرب اهلية او إحياء نزعات الانفصال ولكي يشارك الجميع في ادارة الحكومة وذلك حسب نظرية الفيلسوف (ليبهارت) الذي نظّر لهذه الصيغة مشترطا ثلاثة اشتراطات تأسيسية لنجاحها وهي: (1 - وجود حكومة إئتلافية واسعة، تشمل الأحزاب الصغيرة الى جانب حزب الأغلبية. 2 - التمثيل النسبي لمختلف الأحزاب المشاركة في الائتلاف في الحقائب الوزارية، وأيضاً في المواقع القيادية في الدولة. 3 - حق الفيتو المتبادل للأكثريات والأقليات علي حد سواء، بغرض منع احتكار السلطة من جانب الأكثرية) وتستند نظرية الديمقراطية التوافقية لـ (ليبهارت) إلى أن شدة الانقسامات المجتمعية تحمل تهديداً حقيقياً لاستمرارية الدولة؛ ومن ثم يبقى التوافق أملاً مشروعاً يضمن خلق وتحييد أرضية مشتركة، في ظلها يتحقّق الاستقرار السياسي، لكنّ الفرقاء السياسيين الذين استمرأوا فكرة التوافقية والاستئثار بغنيمة السلطة، استغلوا تلك الاشتراطات اسوأ استغلال، ومضوا لأكثر من 14 سنة وحتى الان في ادارة الحكومة وبسلطاتها الثلاث ضمن النهج التوافقي التشاركي والذي وصل الى ادق جزئيات الحكومة وتفرعاتها ، وضمن الاسلوب البرلماني لإدارة الدولة وليس الاسلوب الرئاسي الاصلح للعراق، فهما نهجان (التوافقية والبرلماني) اثبتا فشلهما الذريع في ارساء معالم الحد الادنى لدولة مدنية عصرية (دولة المواطنة والمواطنية الحقة) ودولة الحقوق والواجبات المنتظمة في سلك العقد الاجتماعي وفق نظرية جان جاك روسو، كما اثبتتا فشلهما في اقناع المواطن العراقي بجدوى التغيير الذي كان يطمح منه بسقوف مقبولة من الرفاهية والتمدّن والعيش الرغيد في دولة مصانة تقاد بحكم رشيد وتقدّم له ابسط متطلبات العيش الآمن والرغيد وهي استحقاقات تاريخية تحسب له، وكل ذلك لم يتحقق!!. وحصل العكس، فقد ساهمت التوافقية التي اختيرت بالإجماع من قبل المجتمع السياسي، في ترسيخ التشرذم المجتمعي للمجتمع الاهلي بدلا من استيعاب التناقضات التي تعتور النسيج السيوسولوجي العراقي، كما ادت الى تجذير النزعة الطائفية التي كشفت عن وجهها القبيح كما حصل عام 2006 غداة تفجير مرقد الامامين العسكريين، واقتصاديا فقد ساهمت التوافقية في استشراء الفساد في جميع مفاصل الدولة العراقية وهياكلها وتفشي ظاهرة المحسوبية والمنسوبية والاتيان بعناصر غير كفوءة او نزيهة لشغل مناصب حكومية لوزارات ومؤسسات وهيئات وحتى سفارات صارت (طابو صرف) لهذه الجهة السياسية او تلك، وادت التوافقية الى ترهّل الجهاز الاداري للدولة وتضخّمه بشكل غير مسبوق عالميا ما اضاف اعباء مالية اثقلت كاهل الدولة والتي مازالت تنوء به خاصة بعد تذبذب اسعار النفط في السوق العالمية، كما ساهمت في تعميق الخطوط البيانية لمستويات الفقر والمحرومية والجريمة المنظمة وتدنّى مستوى المعيشة لعموم العراقيين وتراجع الكثير منهم تحت هامش خط الفقر المسموح به عالميا.. والانكى من كل ذلك فقد أدّت التوافقية الى هدر الكثير من فرص التقدم والتطور وبرامج التنمية المستدامة بسبب التخبط السياسي الذي اعترى المشهد السياسي ولأكثر من عقد ونيف من الزمان وانسحب مجمل ذلك على الواقع الامني الذي شهد اضافة الى العمليات الارهابية المنتظمة اجتياحا بربريا لتنظيم داعش ما ادى الى حدوث خسائر مؤسفة بالأرواح والاموال. ومن هذا المنطلق انقسم السياسيون الى فريقين (وكل فريق بما لديهم فرحون).. فريق دعا الى تشكيل حكومة اغلبية سياسية لوضع العراق على السكة الصحيحة فمن الخطأ الفادح ان يبقى الاداء الحكومي دون رقابة (حكومة ظل: وهي حكومة افتراضية وليست تنفيذية حيث يجري تشكيلها من قبل حزب غير مشارك في الحكومة التنفيذية، ومهمتها توجيه النقد للحكومة القائمة) في وقت ان جميع الفرقاء السياسيين مشاركون في الحكومة وكلهم ينتقدون اداءها، وبعد ان فشل البرلمان في ممارسة دوره الرقابي كون التوافقية انسحبت على جميع مفاصله ولجانه وصار حق الفيتو سلاحا يشهره البعض انّى شاء وبوجه من يشاء ولأسباب شتى، ناهيك عن مسلسلات الاستجوابات التي تتحوّل في كثير من الاحيان الى مسرحيات وحلبات للمصارعة الاعلامية والتلاسن الحزبي، فجاءت الدعوات الى تشكيل حكومة اغلبية سياسية بعد ان تشاركَ وتحاصصَ الجميع في مضمار السلطة وتقاسموا (الكعكة) وفق منطق التغالب الذي نظّر له البروفيسور علي الوردي فضاع حق المواطن وتلاشت جميع طموحاته في أن يعيش مثل باقي خلق الله!! وبالمقابل هناك فريق رافض للأغلبية فهو مازال يعيش في “بحبوحة” التوافق ومن الطبيعي ان يرفض منطق حكومة الاغلبية السياسية كون التوافق منح لهم جميع الامتيازات والحقوق التي جعلت من احزابهم وملحقاتها دويلات مصغّرة او كانتونات داخل الجسد العراقي ولكون السلطة ارتبطت سايكلوجيا بالنفوذ والقوة والتسلّط واحتكار الامتيازات وضمن منطق التغالب السياسي اذ تحرص تلك القوى على أخذ نصيبها من الامتيازات والمناصب وتواصل في الوقت نفسه انتقاد الحكومة وذم المحاصصة وكأنها في المعارضة وفي شيزوفرينيا سياسية واضحة!! التوافقية خلل بنيوي تأسيسي اصاب العملية السياسية بمقتل وقد كان الاجدى تصحيح هذا المسار غداة التغيير النيساني وكانت حكومة التوافق والشراكة حاجة مرحلة مضت ويجب ان تنتهي، وحاجة المرحلة المقبلة حكومة الأغلبية؛ بشروط تضمن سقف الدستور وضمان مشاركة المكونات.. فهل تشهد الايام المقبلة تشكيل حكومة اغلبية لإخراج العملية السياسية من نفق التوافقية المظلم؟ سؤال متروك لمن يفعلها اولا.
أقرأ ايضاً
- ما دلالات الضربة الإسرائيلية لإيران؟
- ماذا بعد لبنان / الجزء الأخير
- ما هو الأثر الوضعي في أكل لقمة الحرام؟!