حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ ارتبط القلق المتنامي طرديا على رواتب الموظفين والمتقاعدين العراقيين (بحدود 8 ملايين) ارتباطا وثيقا مع مناسيب أسعار النفط العالمية، وارتبط مع هذا القلق تضارب في تصريحات الخبراء الاقتصاديين والمستشارين الماليين فضلا عن السياسيين وكلٌ يدلي بدلوه إما تطمينا بان الرواتب خط احمر و لا "مساس" بها سواء مايخص دفعها في أوقاتها المعهودة او تقليصها، وإما تخويفا بان هنالك ثمة مايدعو للقلق من تحجيمها من ناحية التقليص وحتى الإلغاء بالمرة فقد نقلت بعض مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام عن لسان وزير المالية زيباري بان الحكومة لن يكون بمقدورها دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين مع مطلع شهر نيسان المقبل وهو مانفاه آخرون واستهجنوه جملة وتفصيلا واعتبروا هكذا تصريحات مجرد "فذلكات" سياسية وآراء شخصية وان كانت قريبة للواقع وصادرة من المعني الاول في شؤون المال والخزانة. وبعيدا عن لغة التطمينات او التخويفات فان مناسيب اسعار النفط لم تستقر (نزولا) على سعر ثابت كي تُرسم صورة تخمينية معينة تكون خارطة طريق لرسم ملامح واضحة المعالم للموازنة، لاسيما وان موازنة 2016 بنيت على سقف سعري "تخميني" ب (45) دولارا برميل / يوم وبواقع إنتاج (3 ملايين و600 ألف برميل / يوم) ولم يتم اخذ الحيطة والحذر من تراجع الأسعار إلى سقوف غير معهودة سلفا كما يحصل الان بعد وصلت أسعار خام أوبك مؤخرا الى حدود 25 دولارا، او من تذبذب الإنتاج وتقليصه في ظل ظروف خارجة عن الإرادة كالظروف الجوية السيئة ودواعي الإرهاب، رغم "تطمينات " مهندسي الموازنة بان الحكومة أخذت تحوطات ازاء الانخفاض الذي يحدث في أسعار النفط، وهذه التحوطات ما زالت متوفرة ويمكن أن تستخدمها الدولة في حال احتاجت اليها وذلك لتامين الحاجات الأساسية كالرواتب والنفقات الضرورية. أسعار خام اوبك هبطت الى (25) دولارا وهو سقف لم تبلغه أسعار النفط منذ 12 عاماً.. فبلغ الخزين العالمي اعلى مستوياته نتيجة لتخمة المعروض ولم يحقق الاقتصاد الصيني - المستهلك الثاني للنفط- نسب النمو المرجوة وهي اقل ـ حالياـ من السعر الافتراضي الذي تهيكلت بموجبه موازنة 2016 ب(20) دولارا بعجز كبير قدر ب((29.4 تريليون دينار) فيما ستبتلع النفقات التشيغلية معظم إجمالي الموازنة ولم يبق شيء للموازنة الاستثمارية وربما للسنين اللاحقة لها وهذا الأمر يصدق على سقف سعري قدر (45) دولارا أما إذا انحدرت الأسعار الى سقوف غير مقبولة او تساوت مع ثمن الكلفة الإنتاجية او دونها فالمسالة تحتاج الى معالجات وحلول واقعية وليست فقط الى "تطمينات"، وليست الرواتب وحدها في معرض الخطر بل الأمن القومي للدولة والأمن الغذائي والأمن الاجتماعي هي الاخرى ستكون في خطر اذا مابقيت الأمور على هذا المنوال، ومن الخطأ ان يصب اهتمام الدولة ـ اي دولة ـ على توفير مناسيب مالية معقولة لموظفيها وتطمئنهم مع حلول كل شهر بان الرواتب " مؤمنة" ولا داعي للقلق وان كان قلقا مشروعا وان الحكومة تواصل السعي لإيجاد موارد مالية غير نفطية لتسـديد العجـز المرتقب في الموازنة الاتحادية وهي قادرة على تغطية رواتب الموظفين لكونها موجودة في موازنة العام الحالي وان لديها "خيارات" عديدة لتنويع مصادرها كما أكدت خلية الأزمة ذلك، في وقت يتعرض الأمن القومي للدولة الى تهديد مباشر كداعش مع تردي او انحسار المردودات المالية من قطاعات اقتصادية يفترض بها ان تكون رديفا للقطاع النفطي كالزراعة والصناعة والسياحة والاستثمار وغيرها . غير إننا نجد تاريخيا ان جميع الحكومات منذ تأسيس الدولة العراقية (1921) انها لم تستثمر فلسا واحدا من موازناتها التي وُصفت بعضها "بالطفرات" الاقتصادية وبعضها "بالانفجارية"، في قطاعات اخرى غير القطاع النفطي الذي شهد هو الآخر إهمالا في تحديث بناه التحتية (إنتاجا وتسويقا)،وعلى مدى العقود المنصرمة من عمر الدولة العراقية الحديثة حوَّل القائمون عليها العراقَ ليس الى دولة ريعية فقط بل الى دولة خاملة واستهلاكية هدفها إطعام موظفيها (وان كان البعض منهم فضائيا او ذا إنتاجية قليلة) وانتظار عوائد برميل النفط ليبرمجوا بموجبه موازناتهم ولم يفكروا يوما ما بتنويع مصادر تمويل الاقتصاد العراقي ولم يضعوا بالحسبان نضوب النفط الذي له عمر افتراضي في معدلات احتياطيه او تحول المستهلكين الى الطاقة البديلة او تدهور أسعار النفط الى مستويات مرعبة تجعل الاقتصاد العراقي يترنح، أو ليبحث المعنيون عن مصادر بديلة كالاقتراض الخارجي (وهو اسوأ الحلول) او زيادة الانتاج النفطي تعويضا لانخفاض الأسعار وهو لن يجدي مع تخمة المعروض من الصادرات السعودية واخيرا الإيرانية بعد رفع العقوبات عن ايران، واخرى محلية كزيادة الضرائب والرسوم والجبايات وكلها لاتجدي نفعا قياسا الى شحة عوائد المورد الرئيس (النفط) فهل كان تدهور أسعار النفط فرصة تاريخية للعراق ولأول مرة في تاريخه المعاصر ليتخلص من احتكار النفط موردا شبه وحيد لاقتصاده الأحادي الجاني ورب ضارة نافعة. أقول: ان كانت الحكومة قد طمأنت موظفيها بان رواتبهم مؤمنة وخط احمر فما بال بقية الخطوط الحمر كالأمن القومي والغذائي والاجتماعي وهي كلها مرتبطة بالموازنة ايضا اين تطميناتها بشأنها ام تتركها للصدف والمفاجآت التي قد لاتكون سارة. كاتب عراقي
أقرأ ايضاً
- الاستثمار القَطَري والموازنة الثلاثيّة وطريق التنمية في العراق
- خرافة الموازنة
- ملاحظات حول الموازنة العامة – الجزء السابع