حجم النص
بقلم:عباس عبد الرزاق الصباغ يبدو ان رئيس الوزراء د. حيدر العبادي ماضٍ وبجدية متحمسة في تطبيق محاور برنامجه الحكومي على ارض الواقع...البرنامج الذي أعلنه أمام البرلمان وحظي بأغلبية مريحة منه، كونه ينسجم مع تطلعات الشعب العراقي في رؤية برنامج حكومي يتسم بالإصلاحات خاصة ما يتعلق منها بملف الفساد المزمن والشائك وهو الملف الذي يضع العراق وعلى مدى سنوات في أوائل الدول التي توصف بالفساد بكافة أشكاله وأنماطه وضعف معايير الشفافية والنزاهة في جميع الأنشطة والفعاليات الحكومية، ومسعى د. العبادي الجاد يتضح من خلال الأخذ بأولويات برنامجه الحكومي ومنها مكافحة الفساد كونه يشكل حجر عثرة أمام الجهود المبذولة لترسيخ بناء دولة المؤسسات وإرساء دولة القانون وتحقيق الأمن والرفاهية للمواطن العراقي منطلقا من بنود ومحاور هذا البرنامج [مكافحة الفساد 1 ـ انجاز الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد (2014 ـ 2017) بالاشتراك مع الأجهزة المعنية] فضلا عن (تبني إستراتيجية جديدة تؤكد المضامين السليمة عبر جملة من الإصلاحات تبدأ بالوقاية اولا عبر تبني إجراءات وضع الشخص المناسب في المكان المناسب وتفعيل دور المفتشين العموميين والعمل على تحفيز وترسيخ مبدأ الشفافية والقياس الموضوعي للأداء الحكومي وتقويمه في مفاصل العمل المختلفة والعمل على معالجة حاضنات الفساد ومتلازماتها). وهذه الحماسة من قبل د. العبادي في ترجمة برنامجه الحكومي الى خطوات عملية تخرج من شرنقة التنظير والقوالب اللغوية والتنظيرية الجاهزة،تشي بأكثر من دلالة منها ان الحكومة بدأت تنهج منهجا إصلاحيا عمليا لتصحيح وترميم المسار الحكومي الذي شهد الكثير من السلبيات والمعوقات والتعثرات والدلالة الثانية هو انتهاج الحكومة منهج الوسطية المتوافق مع المصلحة الوطنية العليا بعيدا عن المصانعة والممالأة ومداراة الأمزجة السياسية الكتلوية والتسقيط وذلك بالكشف عن حالات الفساد بكافة أشكاله وعدم الخوف من الوقوع في دائرة التسقيط السياسي الذي قد يطالها من الأطراف المتورطة به لانه وكما معروف ان الكثير من الجهات السياسية لها اذرع مليشياوية وقنوات إعلامية ناشطة في ظل مناخ الانفتاح غير المسبوق الذي شهده العراق بعد التغيير النيساني 2003. وكما يبدو من واقع الحال ان الفساد الضارب في جمع مفاصل الدولة ليس مقتصرا على وزارة ما بعينها او مؤسسة بذاتها وليس معنيا بوزارتي الداخلية والدفاع السياديتين فقط (اكثر من 50 ألف رجل امن مزيف ووهمي) وفي بلد يعج بالمشاكل الأمنية ويعاني من استفحال داء الإرهاب المدمر وربما بكشف النقاب عن الفساد في هاتين الوزارتين المهمتين يتم الكشف عن الكثير من الخروقات الأمنية والهدر الكبير في المال العام وملف الإرهاب الضارب فضلا عن قضية أجهزة الكشف عن المتفجرات وقضايا أمنية حساسة اخرى لها تماس مباشر بحياة المواطن وامن الدولة وسيادتها كاختراق السجون وهروب او تهريب المطلوبين للقضاء بتهم إرهابية وغيرها، قد يكون هذا اول الغيث في الكشف عن أرقام "فضائية" اخرى في وزارات ومؤسسات اخرى حبلى. والشيء المتداول في الأوساط العراقية ان الكثير من الفعاليات الحكومية والأنشطة المقترنة بها هي ذات طبيعة ضبابية ويكتنفها الغموض خاصة تلك المتلازمة مع آليات المحاصصة و"التوافق" (هذا لي وذاك لك) وفي أشكال وممارسات غير مطروقة عالميا وهو ما يستدعي جهودا كبيرة ومضنية وتضحيات كثيرة والدخول في حقل ألغام شائك والتعرض الى حملات تسقيطية شرسة، والاستعارة المجازية التي أطلقها رئيس الوزراء على هذا الكم الهائل من عناصر الأمن الوهميين (فضائي) ومشتقاتها اللغوية لم يتم الكشف بها عن سر مخفي رغم خطورته وفداحة آثاره ولايعرف كنهه رجل الشارع او هو غير متداول في مضمار الرأي العام بل ان صفة الفضائي (وظيفة مبهمة لموظف شبح وله أوراق ثبوتية رسمية في أروقة الدولة) متداولة بكثرة دون تحديد التسمية لهذه الصفة فالفساد بكافة ألوانه شيء ليس سريا واقعا في دائرة المسكوت عنه خوف البوح به بل يحتاج الى شجاعة لكشف ملابساته ومصادره وعناصره والجهات (ومنها الحيتان حسب وصف العبادي) التي تقف وراءه ومن هو المستفيد منه إضافة الى متابعة السلطة التشريعية (البرلمان) وتفعيل آليات المراقبة والنزاهة والشفافية على أجهزة الدولة التنفيذية وهو من صميم اختصاصها الذي اناطه بها الدستور العراقي . المواطن العراقي بات يعيش وهما يكتنفه وجود نشاط حكومي غير مشوب بالفساد المالي والإداري ولكن وللأسف ان هذا الوهم يغدو في بعض الأحيان ـ او كثيرها ـ حقيقة مبنية على أدلة وبراهين تدخل حيز "الفضاء" وبات يتطلع الى نشاط حكومي "نظيف" وتقع مسؤولية تفكيك هذا الوهم الذي يعيش المواطن العراقي كوابيسه المرعبة واضغاث احلامه المزيفة، على عاتق رئيس الوزراء د. العبادي اذا ما أراد لبرنامجه الحكومي ان يرى النور. إعلامي وكاتب مستقل [email protected]
أقرأ ايضاً
- العيش في الوهم .. وامتهان المواطن
- مشروع داري.. بين الحقيقة وتسويق الوهم - الجزء الثاني
- مشروع داري.. بين الحقيقة وتسويق الوهم