حجم النص
بقلم / عبدالرضا الساعدي هكذا.. مُذ كنا صغارا في المدارس حين يُرفع العلم، أو نردد النشيد صباحا.. أو نصغي لقصيدة عن الوطن.. عن الأهل.. عن جمال البلاد وتاريخها كذلك.. ثمة إحساس نقي خال من الدوافع سوى الحب.. نبكي أحيانا من دون أن ندري حين يُردد اسم العراق.. كان هذا قبل تدبير النظام الشمولي الذي أفسد كل شيء، ولوث الأجواء وروّج لعبادة الصنم! لتضيع البلاد معها بعد ذلك.. كانت ثمة مؤامرة كبيرة ومدروسة تحصل لتبديد الشعور بالوطنية شيئا فشيئا وبالتالي زرع روح الانتقام والبغض والتفرقة، كي تؤتي أُكلها فيما بعد.. وليس غريبا أن بعض السياسيين حاليا يعمل وفق هذا المبدأ: انتزاع الروح الوطنية من جديد من خلال زرع الكثير من المفاهيم البغيضة وترديدها عبر وسائل الإعلام طيلة 24 ساعة باليوم الواحد وكأنهم مكلفون بهذه المهمة التخريبية، دون مراعاة لجيل جديد يريد أن يتلقى ويتعلم شيئا نقيا وجديدا خاليا من هذه السموم والمبيدات الطائفية والتكفيرية والاستحواذية وعقلية الغنائم والفساد والنهب والتقسيم والانفصال... وغيرها كثير.. أحيانا نتساءل من فرط استغرابنا من سلوكيات الكثير من هؤلاء المشاركين في البرلمان والحكومة والقضاء وغيرهم من الكيانات السياسية والحزبية: هل تقشعر أبدانهم حبا وإحساسا وعاطفة عند ذكر اسم العراق أو عند رفع العلم أو عندما يردد النشيد الوطني ؟! وكم سياسيا بكى على عراقي مذبوح ومهجّر أو مفقود ؟.. وماذا قدم هؤلاء المتشدقون بالوطنية لهذا الوطن.. وكم مرة خرجوا للشارع والمناطق الشعبية والأحياء المدنية خارج أسوار مناطقهم المحصنة. أذكّر أدعياء السياسة في بلدي بأن أول ملامح الوطنية هو أن يقشعر بدنكم حباً وشجناً واندفاعا نقيا ومخلصا من أجل العراق.. وإن خلا منكم هذا الإحساس ؛ فثمة بلاء حقيقي علينا مواجهته وتحصين البلاد من شروره القادمة، بعد أن ذقنا الكثير من ويلاته طيلة السنوات العجاف الماضية.