حجم النص
تقرير/حسين النعمة
لازال توتر العلاقات بين تركيا والعراق له عواقب وخيمة ليس فقط على كِلا البلدين وإنما يمتد إلى منطقة الشرق الأوسط بأكملها، حيث أنه يتيح الفرصة لزيادة التدخل الأجنبي بالمنطقة، وزيارة أحمد داود أوغلو، وزير الخارجية التركي، في الآونة الأخيرة إلى كركوك شمالي العراق قادما من كردستان العراق، أثارت غضب الحكومة المركزية في بغداد التي احتجت على هذه الزيارة واعتبرتها غير رسمية.
وفي هذه الأثناء، قام إياد علاوي بزيارة إلى تركيا لعقد لقاءات مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مما يشير بوضوح عن تأييده لسياسات أنقرة في المنطقة.
وعلى الجانب الآخر، رأى نوري المالكي رئيس الوزراء، أن التدخل التركي في شؤون البلاد يُعد تكتيكا انتهازيا يستغل الصراع السياسي الداخلي في العراق، حيث أن الخلافات بين الأحزاب والقيادات السياسية تقوض الجهود التي تبذلها الحكومة العراقية لتعزيز الوحدة الوطنية، فضلا عن إعادة بناء البلد واستعادة النظام.
فيما يعد الوضع الحالي في سوريا هو أيضا أمر حاسم بالنسبة للعراق ومستقبله، وقد اتبعت الحكومة العراقية سياسة أكثر عقلانية في التعامل مع الأزمة السورية، وتجنبت التوتر أو المواجهة، خاصة في المناطق الحدودية مع سوريا، بل ودعمت مرارا وتكرارا لوحدة الأراضي السورية، وعارضت أي تدخل عسكري خارجي.
ومع ذلك، فإن تركيا مازالت تستفز العراق، وهذا يزيد حدة التوتر في العلاقة بين البلدين، ويمنح الفرصة لزيادة التدخل الأجنبي والإرهاب وعدم الاستقرار في العراق، ويمكن أن تشمل تداعيات مثل هذا السيناريو المنطقة بأسرها، وليس تركيا فقط.
وحول هذه الاحداث قال الخبير الاستراتيجي أحمد الشريفي إن "تركيا زجت بنفسها في لعبة أكبر من حجمها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، فهي لا تستطيع أن تلعب دورا ربما دفعتها الولايات المتحدة للعبه حينما انتدبتها لتكون ذراع أميركا في تمرير مشروع الشرق الأوسط الجديد، وبسبب دورها هذا فهي تتخبط على مستوى السياسة الخارجية والأداء العسكري".
وأوضح الشريفي أن "مشروع الشرق الأوسط الجديد يستهدف منظومة تحالفات في الشرق الأوسط هي منظومة قوى الممانعة، وهي قوى رصينة اقتصاديا وأمنيا وعسكريا وصاحبة بعد أيديولوجي، فضلا عن أنها تمتلك نموذجا سياسيا قد يتجاوز حتى حدود قوى الممانعة وينتقل الى محاور كثيرة في منطقة الشرق الأوسط".
وقال إن تركيا "دولة لا تستطيع أن تتحرك بقدراتها الذاتية، وإنها دائما تنطلق من منطلق أنها حليف استراتيجي للولايات المتحدة الأميركية، وحتى على مستوى التسليح فهي تستمد قدراتها العسكرية من كونها الدولة المسلمة الوحيدة في حلف الناتو، وهي مقتدرة بالولايات المتحدة، ولا تمتلك مشروعا خاصا بها، وقدراتها العسكرية محدودة نسبة للدور التي تسعى لأن تلعبه في المنطقة".
وفيما أضاف "كانت تركيا في تحالفها مع سوريا تشكل عمقا استراتيجيا، وكان الأجدر بتركيا أن تفهم أصول اللعبة السياسية، وأن تفهم قوى محور الممانعة في المنطقة عموما، وأن تدرك حقيقة أن دور قوى الممانعة أكبر من أن يحتوى أو يختزل في دور نموذج مضاد وهو النموذج التركي، والولايات المتحدة تسعى إلى أن تتبنى نموذجا يحقق نوعا من التكافؤ في الطرح الفكري والأيديولوجي على مستوى المنطقة ليكون نموذجا بديلا عن محور الممانعة".
عزا محللون سياسيون في المنطقة ان تركيا بدأت تطرح أوراق لتكون نموذج رقم واحد في التكتيك السياسي والعسكري ان تطلب الأمر وورقة سوريا او الغيث في هذه المرحلة".
وتابع الشريفي إن "هذا النموذج البديل غير قادر على أن يحاكي مجريات الأحداث، ولا يمتلك القدرات الفكرية والعسكرية والاقتصادية، حيث ان تركيا لفترة قريبة جدا كانت بأمس الحاجة إلى دعم الجمهورية الإسلامية، ولولا تدخل الجمهورية الإسلامية الداعم للاقتصاد التركي، وفتح الحدود بين سوريا وتركيا، لكانت الآن تركيا تعاني من ضائقة اقتصادية، ولولا انفتاح إيران والعراق وسوريا على الاقتصاد التركي لما وصلت تركيا إلى ما وصلت إليه من التنمية الاقتصادية".
أما الأزمة في المنطقة وسببها سياسات تركيا الخارجية، فقال الشريفي إن "أوغلو لم يكن موفقا في إدارة ملف السياسة الخارجية، بدليل تنامي صوت عالي جدا في داخل تركيا لإقالته من منصب وزارة الخارجية، لا سيما في زيارته الأخيرة غير المبررة المستفزة للعراق بمجيئه في صورة تخرج عن أصول العمل واللياقة الدبلوماسية".
من جهته قرر مجلس الوزراء عقد جلسة خاصة لمراجعة العلاقات العراقية ـ التركية في ضوء التطورات الحاصلة.
وكان امين عام مجلس الوزراء علي العلاق قد اعلن ان "الحكومة تدرس اتخاذ مواقف مناسبة تجاه العلاقة مع انقرة بعد التدخلات التركية بالشأن العراقي".
وذكر بيان للناطق باسم الحكومة علي الدباغ ان "المجلس قرر في جلسة الثلاثاء7/8/2012 تشكيل لجنة برئاسة نائب رئيس الوزراء حسين الشهرستاني وعضوية وزير الدولة لشؤون المحافظات ووكلاء وزراء الخارجية والداخلية والنقل وجهاز المخابرات الوطني ومستشار رئيس الوزراء للشؤون القانونية للتحقيق في ملابسات زيارة وزير الخارجية التركي الى كركوك وتقديم التوصيات الى مجلس الوزراء بأسرع وقت ممكن".
وكان العراق قد سلم جامعة الدول العربية مذكرة احتجاج شديدة بشأن زيارة وزير الخارجية التركي احمد داود أوغلو الى اقليم كردستان ومحافظة كركوك من دون علم الحكومة الاتحادية.
كما استدعت وزارة الخارجية القائم بالأعمال التركي في بغداد مولود ياقوت وابلغته احتجاج الحكومة الشديد على زيارة وزير الخارجية إلى محافظة كركوك من دون علم الحكومة الاتحادية وموافقة وزارة الخارجية، فيما قررت رئاسة مجلس النواب تضييف وزير الخارجية هوشيار زيباري في لجنة العلاقات الخارجية النيابية بعد عطلة عيد الفطر المبارك، لمتابعة قضية زيارة وزير الخارجية التركي وتقديم تقرير الى مجلس النواب.
أقرأ ايضاً
- ما علاقة تشكيل حكومة كركوك بالطائرة التركية؟
- هل أصبح العراق جنة العمالة الأجنبية؟
- لماذا تخلت 12 شركة أجنبية عن الاستثمار في ترانزيت الشرق الأوسط؟