الخلفية التاريخية للعولمة .. شاع في مطلع الثمانينيات من القرن العشرين مصطلح العولمة الاقتصادية على الرغم من أنه كان مستخدماً في العلوم الاجتماعية في ستينيات القرن العشرين ، ومع ذلك فإن مبادئ وأفكار ورؤى العولمة لم تنتشر حتى النصف الثاني من ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين ، وتم وضع المبادئ والأفكار النظرية الأولى للعولمة على يد الأمريكي "تشارلز تيز راسيل" الذي أصبح قساً بعد أن كان رأسماليا وصاحب شركات كبيرة ، كما أنه يعتبر أول من توصل إلى مصطلح "الشركات العملاقة" وكان هذلك في عام 1897. تعتبر العولمة بمثابة عملية تمتد عبر العديد من الاعوام والقرون وتتأثر بنمو السكان ومعدلات ازدهار الحضارة والتي زادت بشكل كبير على مدار الخمسين سنة الماضية ، وهنا نذكر ما قاله "بات روبرتسون" إن النظام العالمي الجديد نظام ماسوني عالمي ، ويعلل على ما يقول : ( بأن على وجهيَّ الدولار مطبوع علامة الولايات المتحدة ، وهي عبارة عن النسر الأمريكي ممسكاً بغصن الزيتون رمز السلام بأحد مخالبه ، وفي المخلب الآخر يوجد 13 سهماً رمز الحرب ، وعلى الوجه الآخر هرم غير كامل ، فوقه عين لها بريق المجد ، وتحت الهرم كلمات لاتينيه وهي شطرة من شعر فرجيل الشاعر الروماني القديم معناها " نظام جديد لكل العصور "). إن الذي صمم علامة الولايات المتحدة هذه هو تشارلز طومسون ، وهو عضو في النظام الماسوني وكان يعمل سكرتير للكونجرس . وهذا الهرم الناقص له معنى خاص بالنسبة للماسونيين ، وهو اليوم العلامة المميزة لأتباع حركة العصر الجديد ." وبعد تحليل ليس بطويل يصل المؤلف إلى وجود علاقة واضحة تربط بين النظام الماسوني والنظام العالمي الجديد .. لذلك تجد ان الخلفية التاريخية للعولمة انها تمثلت أولى أشكال العولمة في أثناء وجود الإمبراطورية الرومانية والإمبراطورية الساسانية وأسرة "هان" الحاكمة في الصين التي عملت على توحيد أقطار الصين والاهتمام بالآداب والفنون عندما بدأ البشر يعرفون طريق التجارة المعروف باسم "سيلك رود" الذي يصل إلى حدود بلاد فارس ويستمر في اتجاه روما ، كذلك يعد العصر الذهبي الإسلامي مثالاً واضحًا على انتشار العولمة ، وخاصةً عندما أسس المستكشفون والتجار المسلمون أول نظام اقتصادي عالمي في العالم القديم ، مما ترتب عليه انتشار العولمة في الكثير من المجالات مثل في مجال الاقتصاد والتجارة والعلم والمعرفة والتكنولوجيا والثقافة وحتى في السلوك البشري ، كذلك فإنه لاحقًا في أثناء سيادة الإمبراطورية المغولية ، حدث تكامل كبير بين الدول الواقعة على طول طريق التجارة "سيلك رود" الرابط بين الصين والإمبراطورية الرومانية ، وفي هذا الوقت اخذت العولمة في الانتشار بشكل أكبر واسرع قبل أنقضاء القرن السادس عشر مباشرة عند تأسيس مملكتي شبه جزيرة أيبيريا - مملكة البرتغال ومملكة قشتالة ، فقد قامت بالعديد من الرحلات الاستكشافية للكثير من دول العالم والتي أشرفت عليها دولة البرتغال في القرن السادس عشر على ربط القارات والاقتصاديات والحضارات بشكل كبير على وجه الخصوص ، حيث تعتبر الرحلات التجارية والرحلات الاستكشافية التي أشرفت عليها البرتغال في معظم دول ساحل أفريقيا وجنوب شرق أمريكا وشرق وغرب آسيا من أولى صور رحلات التجارة الكبرى التي قامت على العولمة ، وبعدها استطاعت البرتغال القيام بالعديد من رحلات التجارة عبر مختلف دول العالم واستعمار العديد من الدول ونشر ثقافتها بها ، استمر هذا التكامل بين دول العالم من خلال ازدياد توسع التجارة الأوروبية في القرنين السادس عشر والسابع عشر عندما استطاعت كل من الإمبراطورية الإسبانية والبرتغالية استعمار أمريكا بعد استعمار فرنسا وإنجلترا لها ، جدير بالذكر أن للعولمة تأثيرا كبيرا على الثقافات والحضارات وخاصة الحضارات المتأصلة في بلادها عبر أنحاء العالم ، لقد كانت شركة "غينيا" التي أنشأتها البرتغال في غينيا في القرن الخامس عشر من أولى الشركات التجارية بالمعنى القانوني المعروف اليوم والتي أسسها الأوروبيون في قارة أخرى في أثناء عصر استكشاف الدول والقارات ، حيث تمثلت مهمتها في تجارة التوابل وتثبيت أسعار السلع والبضائع ، أما في القرن السابع عشر ، أصبحت العولمة ظاهرة تجارية عندما تم تأسيس شركة الهند الشرقية البريطانية (عام 1600) والتي غالبا ما يتم وصفها بأنها من أولى الشركات متعددة الجنسيات وكذلك عندما تم تأسيس شركة الهند الشرقية الهولندية (عام 1602) وشركة الهند الشرقية البرتغالية (عام 1628). وبسبب الاحتياجات المالية والاستثمارية الكبيرة فضلاً عن المخاطر العالية التي اكتنفت مجال التجارة الدولية ، أصبحت شركة الهند الشرقية البريطانية الشركة الأولى في العالم لمشاركة المخاطر وإتاحة الملكية المشتركة للشركات من خلال إصدار الأسهم ، الأمر الذي مثل عاملاً مهمًا للتشجيع على انتشار العولمة. تحقق انتشار العولمة من جانب الإمبراطورية البريطانية (أكبر إمبراطورية عرفها التاريخ) بفضل كبر مساحتها ونفوذها. وقد استطاعت بريطانيا فرض أفكارها وثقافتها الخاصة بها على الدول الأخرى في أثناء تلك الفترة. أحيانًا ما يطلق على القرن التاسع عشر "العصر الأول للعولمة". فقد اتسم هذا القرن بتزايد ازدهار التجارة الدولية والاستثمار بين القوى الاستعمارية الأوروبية ومستعمراتها ولاحقًا بين الولايات المتحدة الأمريكية. وفي أثناء تلك الفترة الزمنية برزت بعض المناطق على خريطة العالم وأصبح لها دور في النظام العالمي ، مثل تلك المناطق الواقعة جنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا وكذلك جزر المحيط الهادي. وقد بدأ "العصر الأول للعولمة" في الاضمحلال مع بداية القرن العشرين عند اندلاع الحرب العالمية الأولى. يقول "جون ماينارد كينيس" : (لقد انتهى العصر الأول للعولمة) في أثناء حدوث أزمة قاعدة الذهب والكساد الكبير في الولايات المتحدة الأمريكية والذي كان في أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات من القرن العشرين.
ومع حلول القرن الحادي والعشرين، شهدت الكثير من الدول الصناعية في العالم فترة كساد وركود كبيرة. وقد صرح بعض المحللين أن العالم سيشهد فترة لن يتم فيها السعي وراء تحقيق العولمة بعد المرور بسنوات من ازدياد التكامل الاقتصادي بين مختلف الدول.
ومع حيثيات العولمة التاريخية وجذورها الزمنية نستطيع القول ان العولمة نشأت مع العصر الحديث وتكونت بما أحدثه العلم من تطور في مجال الاتصالات وخصوصاً بعد بروز الإنترنت والتي أتاحت مجال واسع في التبادل المعرفي والمالي ، وارتباط نشأة الدولة القومية بالعولمة في العصر الحاضر فيه بعد عن مفهوم العولمة والذي يدعو أساساً إلى نهاية سيادة الدولة والقضاء على الحدود الجغرافية ، وتعميم مفهوم النظام الرأسمالي واعتماد الديموقراطية كنظام سياسي عام للدول ، ولكن هناك أحداث ظهرت ساعدت على بلورة مفهوم العولمة وتكوينه بهذه الصيغة العالمية فانهيار سور برلين ، وسقوط الاشتراكية كقوة سياسية وإيديولوجية وتفرد القطب الأوحد بالسيطرة والتقدم التكنولوجي وزيادة الإنتاج ليشمل الأسواق العالمية أدت إلى تكوين هذا النظام العالمي الجديد.
أقرأ ايضاً
- المقومات التاريخية الفاعلة في النهضة الحسينية
- زيارة البابا التاريخية
- قادمون يا نينوى ... معركة التسويات التاريخية ؟!!