بعدما خنقت بغداد عقودا من الزمن بأدخنتها ومخلفاتها السائلة والصلبة، قررت أمانة العاصمة مؤخرا نقل المنشآت الصناعية الحكومية والأهلية المنتشرة في مختلف المناطق، إلى خارج حدود المدينة، في محاولة متأخرة للحد من التلوث البيئي، فيما رأى متخصصون أن هذا الإجراء غير مجدٍ ويؤثر سلبا على الصناعيين، ويفتقر للخطط اللازمة لتنفيذه.
وكانت أمانة بغداد قد أعلنت يوم السبت الماضي، وجود إرادة حكومية لترحيل الأنشطة الصناعية خارج العاصمة، فيما رجحت أن يكون العام 2026، موعدا لإنجاز هذا الملف.
وبهذا الصدد، يقول مستشار رئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، إنه “من وجهة نظري الشخصية هذا الأمر معمول به في غالبية المدن الكبرى في العالم لأسباب تتعلق بالتلوث وتغير أنماط الصناعات وضعف الموقع الجغرافي على التوسع، لاسيما وأن الورش القديمة أصبحت داخل الأحياء السكنية بسبب التوسع الحضري والعمراني وما تسبب بمشكلات بيئية وحضرية”.
ويضيف صالح، “ما أراه شخصيا أن فكرة نقل الورش والمصانع من داخل العاصمة إلى أطرافها ينبغي أن يتم حسب متطلبات التصميم الأساسي للعاصمة، وأن تتم عملية الانتقال بتوافر بديل عصري ملائم يحمي مصالح أصحاب العلاقة مثل توفير مناطق صناعية متكاملة البنية التحتية مجهزة بالطرق والاتصالات وشبكات المياه والمجاري والكهرباء ونشاطات خدمية مصاحبة، صحية وأمنية وغيرها”.
ويشدد على أن “لا تتسبب عملية النقل إلى المناطق الصناعية الجديدة التي ستكون في محيط العاصمة، بأعباء وتكاليف كبيرة يتحملها أصحاب المشاريع الصناعية وورش العمل التي ستخضع للانتقال إلا باتفاقات مرضية، وإذا كانت الأبنية التي تستغلها الورش أو المشاريع الحالية ذات طابع تاريخي فينبغي الحفاظ عليها”.
ويلفت صالح، إلى أن “الحي المسمى 798 على سبيل المثال في العاصمة الصينية بكين، وهو اسم متميز وفريد حقا، يعنى بعروض الفن المعاصر من خلال معروضات أشغلت الموقع الصناعي القديم من ضاحية تشويانغ في العاصمة الصينية، إذ يشكل الحي اليوم نقطة جذب بالنسبة لعشاق الفنون المعاصرة، وتعود المنشآت والمباني العمرانية فيه إلى الخمسينيات من القرن الماضي وهي مستلهمة من طراز الباوهاوس الألماني”.
ويتابع المستشار الحكومي: “بقيت تلك الأبنية مهملة لفترة طويلة بعد أن أخليت المعامل والورش الصناعية منها ونقلت إلى خارج بكين ليتم تحويها منذ أكثر من 15 عاما إلى صالات فنية، فضلا عن النوادي والمطاعم والمقاهي لتصبح ذات جذب سياحي كبير إذ يستضيف الحي الصناعي القديم والفني الجديد كل عام نحو ألفي معرض، متصدرا المشهد الثقافي في العاصمة الصينية كأحد أبرز مراكز الفن المعاصر”.
ويوضح صالح، “ما يعني في عاصمتنا أن نقل الورش القديمة من داخل العاصمة إلى خارجها هو أن تتحول المناطق المنقولة منها إلى مساحات خضراء مع معالم سياحية وعلى وفق معطيات التصميم الأساس قدر المستطاع”.
يشار إلى أن بعض المصانع الكبيرة والمنشآت الصناعية في بغداد أصبحت مصدر تلوث للبيئة من بينها مصفى الدورة، لذلك قررت أمانة العاصمة نقلها، كما ستقوم وزارة الصناعة ببناء مواقع جديدة لتلك المصانع فضلا عن المدن الصناعية الجديدة، ومن المتوقع الانتهاء من هذا الملف في العام 2026.
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش، أن “أمانة بغداد بالواقع تذهب باتجاهات غير مدروسة، فعليها الإعلان عن فرص استثمارية لمدن صناعية خارج بغداد، بدلا من نقل المنشآت الموجودة حاليا، مع التأكيد على ضرورة توفير الخدمات والبنى التحتية والأمن للمدن الجديدة”.
وينبه حنتوش، إلى أن “نقل المنشآت وخلق تجمعات صناعية خارج العاصمة سيؤثر على أرباب الأعمال والصناعيين، كونه سيؤدي إلى غلق مصانعهم وورشهم لفترة طويلة وربما يؤدي إلى خسارتهم لزبائنهم”.
ويلفت إلى أن “موضوع مصفى الدورة فأنا مع قرار نقله إلى خارج العاصمة بغداد، خصوصا وأن عملية تفكيك المصانع وإعادة نقلها وبنائها ما عادت بالموضوع المعقد فتوجد هناك شركات مختصة تعمل على إنشاء مصافي ومصانع بتقنيات عالية الدقة”.
يشار إلى أن العديد من المختصين حذروا من تراكمات التلوث الحاصل في العراق، في المقابل ليس هناك حلول حكومية واقعية لمعالجة تداعيات هذا التلوث، كما أن المنشآت الصناعية والصحية والخدمية الحكومية والأهلية تصرف مخلفاتها في نهر دجلة أو تلقيها في أماكن ليست مواقع نظامية للطمر الصحي.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- "ترتيبات" مع الناتو.. هل وجدت بغداد بديلا للتحالف الدولي؟
- لـ"تطوير المهارات".. إيفاد أعضاء مجلس بغداد إلى وجهات سياحية عالمية
- بغداد تتهم وأربيل ترد.. هل تعود أزمة الرواتب بإقليم كردستان للواجهة؟