سالم مشكور
عادت أسعار النفط الى الهبوط، ثم الارتفاع وعاد - أو بقي - معها هاجس التقشّف الذي حلّ علينا منذ أربع سنوات. عائدات النفط لن تقدم سوى الرواتب ومصاريف تشغيل الإدارة العامة، ولا فائض لمشاريع إستثمارية وإن توفر فالفساد يأكله. لا أحد يعلم كم سنة أخرى سيستمر هذا اللعب السياسي بمصير دول تعتمد في حياتها على عائدات النفط؟ ومع ذلك يتحدث البعض بأمل عن المستقبل القريب والبعيد. ما قيمة أمل لا يستند الى معطيات حقيقية. نستطيع أن نأمل إذا ما قررنا اعتماد انقلاب في السياسة الاقتصادية، نحدد بالضبط هوية اقتصادنا - وقد حددناه بالاقتصاد الحر- ثم نعتمد الاليات المتبعة في هذا الاقتصاد، وقبلها تنويع الاقتصاد ومصادر الدخل. الأهم أن نتخلى عن عقلية الاقتصاد الموجّه والدولة الراعية الذي تعتمده الأنظمة الشمولية. الاقتصاد الحرّ يحتاج الى سوق مفتوحة واستثمار مزدهر توفره قوانين خاصة وإجراءات رادعة لكل من يحاول العرقلة والابتزاز. كفانا تبجّحاً بالفرص الاستثمارية وإقامة مؤتمرات الاستثمار التي باتت تثير سخرية المستثمرين. لابد أن نعلم أننا أمام طريقين لا ثالث لهما لبناء البلاد: طريق التمويل الذاتي للمشاريع، أو ترك القطاع الخاص ينمو ويبني برقابة واشراف حكوميين لضمان النتائج. الخيار الأول يبدو مستعصياً لانعدام الموارد التي يكفي أن الموجود منها يغطي- بالكاد- كلف التشغيل، وللفساد الذي يأكل ما يتوفر منها، ولانعدام الضمير لدى الكثيرين وفي كل المستويات. الخيار الثاني هو المتبقي ولكن بشروط يجب توفرها لئلا تؤثر عليه معوقات الخيار الأول. المستثمر ليس فاعل خير، و"رأس المال جبان" وبالتالي من يريد جذب الاستثمار عليه أن يوفر الضمانات والأمن للمستثمر لتجنيبه ابتزاز الدوائر المعنية والمجموعات للمسلحة. حتى نبني المشاريع الخدمية دون إنفاق رسمي علينا اعتماد الطرق التي اتبعتها دول قليلة الموارد لكنها تملك العقول والحزم الرسمي والإخلاص، باعتماد طريقة الـ" بي أو تي" التي تتيح إقامة الشركات المستثمرة للمشاريع الخدمية على نفقتها وتولي ادارتها وتحصيل رسومها من المستفيدين لمدة محددة تستوفي خلالها كلفة الانشاء والارباح ثم يتم تسليمها الى الحكومة. بهذه الطريقة بإمكاننا مثلا الحصول على شبكة طرق حديثة وسريعة (تستخدم مقابل مبلغ رمزي) توّفر فرص التطور الصناعي والازدهار الزراعي دون تحميل الميزانية العامة فلساً واحداً.
بعض المشبوهين انفتحت شهيتهم مؤخراً على القروض الخارجية لتمويل مشاريع خدمية. القروض تأتي ويحصل هؤلاء على عمولاتهم من المؤسسات المقرضة ليأكل الفساد هذه الأموال والنتيجة تكبيل الميزانية العراقية بها دون أية مشاريع حقيقية.
حتى ننهض، نحتاج الى تخطيط عصري وسلطة عليا بصلاحيات تتجاوز العوق القانوني وتضارب القوانين، وقوة ضاربة تحمي الاستثمار بكافة أشكاله من الابتزاز المالي والأمني. بغير ذلك نظّل غارقين في بكائياتنا وشكوانا وتخلّفنا.
أقرأ ايضاً
- لا مكان لـ "حُسْن الظن" في السياسة
- السياسة تتدحرج نحو الهاوية.. ومصير العراق على المحك !
- اصلحوا السياسة المالية واحموا المصارف العراقية