بقلم:عباس الصباغ
امام هذا المد الهائل ومتلاطم الامواج من التداعيات الخطيرة التي تعتور المشهد العراقي، لم يكن امام المرجعية الدينية العليا ممثلةً بآية الله السيستاني (دام ظله)، من بُدٍ سوى الايفاء بوعدها الذي قطعته على نفسها بالولوج الى المشهد السياسي والادلاء برايها، بعد ان قررت مسبقا عدم الخوض في الشأن السياسي الا في الحالات القصوى متذرعة بانها قد (بُحّ صوتها) بعد ان نأت بنفسها عن نصح السياسيين بسبب عدم الالتزام بما يرد من توجيهات ونصائح في محاور الخُطب بحسب رايها، ولاتوجد ضرورة قصوى اهم من حالة الانفجار الشعبي (المتوقع) في مدن الجنوب والوسط، وماتركه هذا الانفجار من تداعيات خطيرة على المشهد العراقي ككل ما تستدعي تحركا حكوميا عاجلا لمعالجة اسبابها وعدم تكرارها مستقبلا، ومرتكز خارطة الطريق التي رسمتها المرجعية في خطبتها الاخيرة المهمة جدا ، انها أكدت على ضرورة اختيار رئيس حكومة حازم وقوي وشجاع خلال المرحلة المقبلة يلبي حاجات الشارع ويقوم بواجبه الاصلاحي على اتم وجه ويقارع الفساد دون خوف او كلل، فضلا عن تشكيل حكومة تكنوقراط نزيهة بشكل عاجل .
والمرجعية العليا بحكم دورها الابوي وموقعها الاعتباري وكونها وقفت على مسافة واحدة مع الجميع، فقد شخّصت ومنذ فترة طويلة مواطنَ الخلل في الاداء الحكومي ولم تقف موقف المتفرج بل موقف الناصح الحريص مع وضع الحلول الناجعة لما يستجد من مشاكل وازمات وفي جميع الاصعدة ولم تكن تلك الخطب مصفوفات لغوية تتبخر بانتهاء ظرفها، وانما كانت برامج عمل وخارطة طريق لو تم الاصغاء اليها وتنفيذها بجدية لما آل الوضع الى ما آل اليه الان، فعلى سبيل المثال فقد نصحت المرجعية سابقا ـ ولاحقا ـ جميع المواطنين بانتخاب من يرونه الاكفأ بعيدا عن جميع الامراض العضال التي ابتليت بها العملية السياسية التي بنيت على اسس التوافق والتشارك التحاصصي لاستيعاب جميع المكونات الاثنية والمجتمعية والحزبية والكتلوية والمناطقية، وعدم الانخداع بالشعارات الرنانة والوعود الفارغة، فحصل العكس كون المحاصصة التوافقية لم تستوعب تشتتات المشهد السيا / سيوسولوجي العراقي بل زادت من تفتته ولم تكن حلا بل كانت هي المشكلة وماتزال، كما حذرت المرجعية من ظاهرة استشراء الفساد الذي كان الاسلوب التوافقي في ادارة العملية السياسية احد اهم اسبابه وطالبت بتفعيل برنامج للإصلاح السياسي العاجل الذي لابد منه لوضع العملية السياسية على السكة الصحيحة ولمنع الهدر المستمر في اموال وامكانات الدولة العراقية التي تذهب في جيوب الفاسدين ما سبب حصل نقص مريع في مناسيب الخدمات وانتشار البطالة وتراجع القطاعين الزراعي والصناعي بصورة غير مسبوقة.
.وبعد ان طفح الكيل وبلغ السيل الزبى تعود المرجعية لتضع خارطة طريق اخرى انطلاقا من رؤيتها الستراتيجية الثاقبة مشيرة الى جملة من الاسس التي يجب على الحكومة ان تعمل بها لتفادي تبديد ثقة المواطن المغلوب على امره بها الى الابد ، ووضعت عدة نقاط رئيسية للمعالجة وهي باختصار : 1 ان تجدّ الحكومة الحالية في تحقيق ما يمكن تحقيقه بصورة عاجلة من مطالب المواطنين وتخفّف بذلك من معاناتهم وشقائهم.2 ان تتشكل الحكومة القادمة في أقرب وقتٍ ممكن على أسس صحيحة من كفاءات فاعلة ونزيهة، ويتحمل رئيس مجلس الوزراء فيها كامل المسؤولية عن اداء حكومته3 تبنّي مقترحات لمشاريع قوانين ترفع الى مجلس النواب تتضمن إلغاء او تعديل القوانين النافذة التي تمنح حقوقاً ومزايا لفئات معينة، 4 تقديم مشاريع قوانين الى مجلس النواب بغرض سدّ الثغرات القانونية التي تستغل من قبل الفاسدين لتحقيق اغراضهم، 5تطبيق ضوابط صارمة في اختيار الوزراء وسائر التعيينات الحكومية ولاسيما للمناصب 6 الإيعاز الى ديوان الرقابة المالية بضرورة إنهاء التدقيق في الحسابات الختامية للميزانيات العامة في السنوات الماضية، فهذه خارطة طريق شاملة للسلطات الحكومية الثلاث في الدولة .
وفي حال استمر الوضع على ماهو عليه، فلات حين مندم حين يغيّر الشارع من اسلوبه ويصعّد من لهجة خطابه وتعامله مع السياسيين، او اذا لم تنفذ المطالب التي طرحها المواطنون في ملعب الحكومة، ولكن بأسلوب سلمي وحضاري ووفق الاليات الدستورية مع مراعاة المصالح العامة وكل الاساليب مطروحة اذا ما استمرت معاناة معظم المواطنين او ازدادت فالمظاهر السلبية مرفوضة سلفا.
أقرأ ايضاً
- المرجعية وخط المواجهة مع المخدرات
- المرجعية الدينية.. مشاريع رائدة وطموحات واعدة
- مقابلات المرجعية الدينية الشريفة...رسائل اجتماعية بالغة الحكمة