"شلل اقدامي الذي رافقني منذ طفولتي لم يمنعني من الذهاب الى الجامعة حيث اكملت دراستي في كلية الإدارة والاقتصاد لكنني تفاجأت بعجز الدولة و المجتمع عن ايجاد فرصة عمل تناسبني " بهذه الكمات بدأ حديثه علي ذو الثلاثين عام،
ويوضح علي الذي يسكن مدينة الموصل في بيت صغير متهالك مع زوجته ووالدته واخيه الضرير، يشعر وكأنه لا حاجة لوجوده في هذه الحياة فهو لا يستطيع توفير ابسط احتياجات المنزل.
ويستطرد الشاب الثلاثيني: "لا يتصور احد حجم المصاعب التي واجهتني خلال سنوات دراستي منذ المرحلة الابتدائية وحتى حصولي على شهادتي الجامعية. الحصول على وظيفة لتكون مصدر معيشتي انا وعائلتي كان حلما يرافقني طوال سنوات جلوسي على مقاعد الدراسة. وحلمي هذا تبدد بعدما حرمت من تحقيقه بسبب عوقي الذي اتخذته الجهات الحكومبةً مبرراً لعدم قبولي للعمل في اي دائرة من دوائرها".
ويضيف: "طرقت أبواب المسؤولين املاً في الحصول على فرصة للعمل، ولكنهم كانوا يعتبرونني غير كفؤ للعمل. وغالباً كنت ادرك ان مبتغاي كان سيتحقق لو كنت من المقربين للأحزاب والمسؤولين الذين يتحكمون اليوم بالوظائف الحكومية".
يبلغ عدد المعاقين في العراق مليون و٣٧٥ الف شخص بحسب احصائية اعلنتها وزارة التخطيط للعام ٢٠١٧، فيما يشكك في هذه الأرقام تجمع المعاقين في العراق على اعتبار ان الأعداد التي اصدرتها الوزارة غير دقيقة لانها لم تقم بمسح سكاني دقيق واعتمدت على ١٢ محافظة فقط. وتشير بعض التوقعات الى احتمال ان يكون عدد المعاقين قد بلغ نحو ثلاثة ملايين شخص نتيجة للإعاقات التي خلفتها الحروب والعمليات الإرهابية التي تشهدها البلاد مضافة إلى الإعاقات الخلقية وتلك الناتجة عن الأحداث والأخطاء الطبية.
هذا ولم يشهد العراق اي تعداد سكاني رسمي بعد سقوط نظام حزب البعث في العام 2003، بسبب خلافات بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة اقليم كردستان في اربيل حول على بعض المواد الخاصة باستمارة التعداد، اضافة إلى الاوضاع الامنية المتدهورة التي تشهدها البلاد منذ ذلك الوقت.
هيئة ذوي الاعاقةً ودورها الشكلي
قصدنا هيئة ذوي الاعاقةً والاحتياجات الخاصة التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية العراقية في بغداد، حيث التقينا مدير الاعلام فيها وميض التميمي الذي قال: "ان جميع الوزارات الحكومية ملزمة بتنفيذ المادة ١٦ من قانون ذوي الاعاقةً والاحتياجات الخاصة الصادر عن مجلس النواب العراقي في عام ٢٠١٣ والمتضمن الإلزام بتعيين من نص عليهم القانون و تخصيص نسبة ٥٪ ممن مجمل فرص العمل في القطاع العام و٣٪ في القطاع الخاص لذوي الاحتياجات".
ويضيف التميمي: "ان مهمتنا هي تزويد الشخص المعاق الراغب بالعمل بكتاب تأييد للمؤسسات التي تتوفر فيها وطائف شاغرة ،
ويؤكد حرص الوزارة على تأهيل الاشخاص المعاقين من خلال دورات تدريبية و تطويرية بالتعاون مع دائرة التدريب المهني التابعة لوزاراتنا وفقاً للمؤهل الدراسي والعمر للشخص المعاق وبما يتلائم مع طبيعة عوقه.
ولم يجد صدى سؤالنا للتميمي حول متابعة قضية توظيف المعاقين والإجراءات الخاصة لمتابعة المؤسسات المخالفة للقانون.
حيدر حسين من مدينة كربلاء اكمل دراسته في المعهد الطبي وتم تعينيه بموجب عقد مؤقت لصالح ملاك دائرة صحة المحافظة. ويقول حسين: "بعد مرور الوقت تم تثبيت أقراني جميعهم في عام ٢٠٠٤ وألغي تعيني حينها. لم اعرف السبب إلا أنني لم أقف مكتوف الايدي بل قابلت حينها رئيس الوزراء ابراهيم الجعفري وأعادني للوظيفة مرة اخرى بصفة عقد مؤقت أيضاً".
يكمل حسين حديثه وهو جالس على كرسيه المتحرك ويضيف: "ان إصراري على التعيين لم ينته، حيث قابلت وزير الصحة ثلاث مرات ولم تجد المحاولات نفعاً سوى الوعود. وقابلت رئيس الوزراء مرة اخرى من دون نتيجة. واستمرت تلك المحاولات غير الناجحة حتى عام ٢٠٠٩ عندما التقيت مدير الصحة في المحافظة علاء بدير، وكأن الدنيا ابتسمت لي من جديد، حينما وافق على تعييني في الملاك الدائم عن طريق الحذف والاستحداث وليس ضمن حصة ذوي الاحتياجات الخاصة وهي 5% كما ينص القانون".
ورغم إعاقتي التي لا يتقبلها البعض من أفراد المجتمع الا ان أقراني في العمل والمسؤلين في الدائرة يعاملونني بأفضل صورة ويراعون حالتي".
تقصير حكومي واضح!
يؤكد وزير العمل والشؤون الاجتماعية محمد شياع السوداني ان العراق يواجه مشكلة في التعيين الحكومي وما تسببه من ضغط واضح على الميزانية التشغيلية للبلاد.
جاسم الفتلاوي نائب محافظ مدينة كربلاء لم يذكر وجود إحصاءات رسمية عن عدد المعاقين في هذه المدينة لكنه أكد وجود توجيهات بتطبيق القوانين الخاصة بتعيين ذوي الاعاقة الجسدية، وحسب النسب العددية المقرة لهم في الدوائر الحكومية، التي أصبحت تديرها المحافظة بعد منحها الصلاحيات خلال السنة الاخيرة من قبل مجلس الوزراء.
ويشير الفتلاوي الى ان عددا من المعاقين استفادوا من هذا القانون، وحصلوا على فرص العمل وأصبحوا ضمن ملاكات الدوائر الحكومية. وينبه الفتلاوي الى ضرورة معرفة انه لا يمكن توفير فرص عمل لجميع المعاقين.
القانون الخاص بتعيين ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة الذي تقع مسؤولية تطبيقه على وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لا يحظى بأي اهتمام او متابعة وهناك تناقضات فاضحة من قبل المؤسسات الحكومية نفسها بالتعامل مع أولئك المعاقين الذين يتجاوز عددهم الثلاثة ملايين بمختلف محافظات العراق بحسب ما أفادنا موفق الخفاجي رئيس تجمع المعاقين في العراق.
ويؤكد الخفاجي ان ٩٠٪ من المسجلين لدينا لا يملكون اي وظائف برغم انهم يملكون مهارات ومؤهلات تمكنهم من مزاولة العمل في القطاع العام او الخاص. ويرفض الخفاجي بشدة النظرة الى المعاقين على انهم يعملون في المهن والورش والحرف اليدوية فقط. ويقول: "لا بد ان يمنحنا الآخرون فرصة الاندماج بالمجتمع واستثمار طاقتنا وعدم التسبب بعزلتنا وأزماتنا النفسية".
ويعتبر الخفاجي انه لا يوجد في العراق نظام احصائي دقيق وهناك تقصير حكومي واضح جدا في مجال التعداد السكاني، واحتساب عدد المعاقين هو الاخر كان غير صحيح لان وزارة التخطيط ادعت انها اقامت بالإحصاء لكنها عملت شبه استبيان. وتوجه الخفاجي الى السلطات الرسمية بالقول: "عليكم تحمل المسؤولية في ما يتصل بالإحصاءات. فإن كان لديكم خطة لإجراء المسح الميداني للأشخاص ذوي الاعاقةً فإننا مستعدون للتعاون معكم وانجاز الإحصاء، هذا في حال كانت لديكم إرادة حقيقة لإنجاح قضيتنا وايصال صوتنا ومعاناة اكثر من ثلاثة ملايين معاق الى العالم اجمع".
البرلمان العراقي: الوزرات شبه عاجزة
النائب عن البرلمان العراقي مناضل الموسوي قال "ان الوزارات اليوم شبه عاجزة وتخصيصاتها المالية تساهم فقط لأعطاء رواتب الموظفين على ملاكها بسبب انخفاظ اسعار النفط والازمه الاقتصاديه والحرب ضد داعش وهذا يعد استنزاف ممنهج للاموال والاقتصاد، وأوضح الموسوي ان كل القطاعات اليوم شبه عاجزه بسبب سوء الاقتصاد العراقي لكن من الممكن ان تقوم الحكومه ببعض الاجراءات لتخفيف المعاناة عنهم كالإعفاء الضريبي وكذلك توزيع قطع الاراضي السكنيه اسوه ببعض الذين يتم منحهم قطع اراضي وبعض الاجراءات الاخرى التي من الممكن ان تحسن اوضاعهم"
"فيما دعا الحكومه بضروره مراعاه شريحه المعاقين والاهتمام بهم من خلال رعايتهم وتوفير متطلباتهم وتفعيل القوانين التي من شأنها النهوض بواقعهم كونهم شريحه عانت منذ سنين من الاهمال والتهميش وتقديم يد العون لهم وبكافه القطاعات،
الموسوي طالِب أيضاً شمولهم بالتعيين واحقيه التعليم والمشاركه في كافه الفعاليات التي يزخر بها المجتمع العراقي وتأهيلهم من خلال وضع خطط وبرامج مستقبليه يراد بها دفعهم نحو الامام والاستفاده من الكثير من المواهب التي يتمتعون بها داعيا وسائل الاعلام ومنظمات المجتمع المدني بتسليط الضوء على الطاقات الابداعيه لهذه الشريحه كونهم يمثلون نسبه من المجتمع وبالتالي لا يمكن اهمالهم وتعطيل جزء من المجتمع، ولفت الموسوي الى تطبيق القانون الخاص بتعيين ذوي الاحتياجات الخاصة وتوفير احتياجاتهم هو ليس من اختصاص البرلمان وانما اختصاص السلطه التنفيذيه فقط وبالأخص وزارة العمل والشؤون الاجتماعيه كذلك باقي الوزارات تتحمل المسؤوليه ايضا بالتضامن مع وزارة العمل".
القطاع الخاص يرفض المعاقين!!
محمد التميمي الذي يملك مصنعاً لإنتاج الأواني البلاستيكية وخلال حديثنا معه قال: "من الصعب تشغيل المعاقين في المصنع لكون العامل لدي تتطلب مهامه الحركة والتنقل لا سيما ان كمية الانتاج تعتمد على مهارات العاملين وسرعتهم بتلبية أوامر العمل على اجهزة ومعدات المصنع".
ويبين التميمي اننا نتعاطف مع من يقصدوننا لطلب التوظيف وأحياناً نستجيب لهم ونوكل لهم مهاما شكليه فقط من اجل ان يكون لهم مورد مالي يوفر بعض متطلبات معيشتهم والحفاظ عليهم وتجنيبهم اعمال يرفضها المجتمع كالجلوس في الطرقات للاستجداء وهو مشهد أصبحنا نراه كثيرا.
ويشدد التميمي ان مسؤلية احتضان المعاقين جسدياً لا بد ان تضطلع بها المؤسسات الحكومية المعنية لكون فرص العمل التي تتوفر لهم بالقطاع الخاص لا تتناسب مع أعداد المعاقين الذي اصبح يتزايد لأسباب مختلفة تعيشها البلاد.
يقضي رائد نِعْمَة يومه وسط محله الصغير لتصليح مولدات الطاقة الكهربائية في كربلاء. لم تسعفه شهادة البكالوريوس في التاريخ في إيجاد وظيفة في اي مؤسسة من مؤسسات الدولة او في القطاع الخاص. يقول الشاب الكربلائي: بعد ان ضاقت بي السبل التجأت للعمل في هذا المحل الصغير لتصليح المولدات المستخدمة في المنازل لتوفير بعض الاموال التي تسد جزاً من متطلبات معيشتي، والفضل هنا يعود لأحد أصدقائي الذي يعمل بهذه المهنة وعلمني إياها".
فرص التوظيف و دور منظمات المجتمع المدني
رئيس جمعية مراقبة حقوق الانسان العراقية علاء الاسدي يقول: "قمنا بدعم المعاقين جراء العمليات الإرهابية من خلال ايجاد مشاريع خاصة بهم يرغبون بممارستها كالورش والمحال الصغيرة، بحيث تكون مناسبة مع نوع العوق الذي يعانون منه لغرض تحسين وضعهم المعيشي وإيجاد مردود مالي لهم لعوائلهم بهدف العيش الكريم. اما الاشخاص الذين ليس لديهم مهنة او هواية نقوم بتدريبهم على عمل جديد لغرض إدماجهم في المجتمع على أن لا تزيد كلفة المشروع على ١٠ آلاف دولار.
ويتابع الاسدي: "نحن كمنظمات مجتمع مدني نفذنا هذا البرنامج في اربع محافظات عراقية وهي النجف وكربلاء وبابل والديوانية الذي يهدف لتوفير الخدمات للأشخاص ذوي الاعاقة الذين لم تهتم بهم الدولة من جميع النواحي بحجة قلة التخصيصات المالية".
رئيس الجمعية اكد ان عدد المستفيدين من هذه المشاريع يقارب ال 3000 شخص وأكثر من 120 مشروع فردي اضافة الى 6 مشاريع مجتمعية تخدم مناطق منكوبة تعرضت لعمليات إرهابية وتفجيرات ووقع فيها ضحايا ومعاقين.
رواتب قليلة جداً
" انتقدت عضو لجنة العمل في البرلمان العراقي فردوس العوادي تقليص حجم الأموال المخصصة لشبكة الحماية الاجتماعية الى ترليون و700 مليار دينار!!!
،
واشارت العوادي كان من المفترض أن يكون هناك تقليل رواتب النواب أو الرئاسات الثلاث أو الأمور الثانوية والكمالية وأن لا تكون عملية التقشف على المواطنين الضعفاء والفقراء والمعاقين من خلال تخفيض تخصيصات الرعاية الاجتماعية في العراق "
محمد عبد الله رجل مقعد بسبب ضمور في العضلات بين ان رواتب الحماية الاجتماعية التي تقدمها وزارة العمل لنا لا تكفي مطلقاً لاننا بحاجة لشراء الأدوية والتنقل والعيش بكرامة وهذه الدنانير التي بين يدي والتي تنقطع بين فترة واُخرى هي قليلةً جداً قياساً بغلاء الأسعار وكثرة متطلبات الحياة.
ويضيف يجب على الحكومة ان تعطي أهمية لنا ونشعر انها تقدر عوقنا وبالتالي حيث لا يشعر الشخص المعاق بالنقص والعوز والحرمان،
ويرى عبد الله "ان حقوقنا هي التعيين والخدمات جميعه، وهي مسلوبة تماماً وكل جهة حكومية تتخلى عن مسؤوليتها تجاهنا مما حولنا الى أشخاص فقراء يتعاطف معنا بعض الاشخاص في الشارع ليساعدوننا في العبور او الانتقال الى مكان اخر".
حقائق وأرقام؟؟
في رحلة البحث والاستقصاء وصلنا الى المهندس جمعة محمد مدير العمل والشؤون الاجتماعية في محافظة كركوك الذي قال "ان رواتب الحماية الاجتماعية التي تخصصها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لفئات متعددة من بينها فئة المعاقين هي رواتب محددة من دون تمييز للشهادة الجامعية واعلى راتب يصل الى 175 الف دينار عراقي.
ويضيف جمعة ان عدد المستفيدين من رواتب الحماية الاجتماعية بلغ ٣٥ الف شخص بينهم ٢١ الف من الرجال و ١٤ الف من النساء.
فيما اكد ان مايقارب ٥ آلاف امرأة و١٢ الف رجل من كركوك لم يتم شمولهم بالرواتب بسبب قلة التخصيصات المالية لعموم مفاصل الدولة.
"طريق الحياة لازال مظلما امامي، وأيام شبابي ستبقى سوداء لا استمتع بها مثل أقراني" بهذه العبارات حدثني كاجين عبد السلام ذو ٢٩ عاماً. كان نادماً على تعب السنوات التي قضاها في الدراسة وقال: "ان فقدان بصري كان السبب الرئيسي لحرماني من الوظيفة والعمل المستقل في المحاماة. هذه الإعاقة هي السبب في رفض توظيفي والتعامل معي من قبل الجميع بما فيهم الدولة والمجتمع وعائلتي".
وتبقى معاناة كاجين وغيره من ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة مرتبطة بحرص السلطات على تطبيق القوانين التي ترعى شؤونهم كما شؤون جميع المواطنين.
معاق هو بحسب ما يصنفه القانون في العراق، وهي تسمية تضع العراقيل أمامه بدل ان تسهل حياته. تسمية المعاق لم تعد مستخدمة في العديد من دول العالم في محاولة لدمجهم وتحفيزهم وتشجيعهم على العمل. تدعوهم بعض الدول بذوي الاحتياجات الخاصة للتأكيد على تمايزهم الذي يقول البعض انه قد يحمل بعدا سلبيا، وذهبت دولة الإمارات العربية اخيراً الى تسميتهم بذوي الهمم في اعتراف بقدرتهم على تحدي ظروفهم لمواجهة اعباء الحياة. في العراق يتم تصنيفه معاقا ولا يحظى بحقوقه التي نص عليها القانون وهو يواجه مجتمعا ينظر اليه على انه معاق. هو مواطن ينتظر إنصافه وإعطائه بعض ما يستحق.
تحقيق: علاء الكركوشي / ثامر العراقي
,
أقرأ ايضاً
- 400 مليون دولار خسائر الثروة السمكية في العراق
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟
- عشرات الدعاوى القضائية ضد "شبكة التنصت" في بغداد