حجم النص
استضافت مؤسسة الحوار الانساني بلندن العلامة السيد جواد الخوئي في أمسية ثقافية يوم الاربعاء الموافق 27 تموز 2016،وتحدث فيها عن علاقة التعايش بين الطائفتين الاسلاميتين في العراق والعوامل التي اثرت على هذه العلاقة ومستقبل التعايش وتقبل الاخر في عراق المستقبل. سماحة السيد جواد الخوئي ولد في النجف الاشرف، ودرس في حوزتها في كنف جده المرجع الاعلى الامام السيد ابو القاسم الخوئي، و يعمل حاليا استاذا في الحوزة العلمية في النجف الأشرف،وهو استاذ كرسي اليونسكو لحوار الأديان في جامعة الكوفة،وعضو مؤسس للمجلس العراقي لحوار الأديان في بغداد. وقد ابتدأ السيد الخوئي محاضرته بالقول انني لا ادعي اني سأقدم لكم اليوم محاضرة بالمعنى التقليدي للكلمة،انما يمكن ان نعتبرها جلسة حوار معكم في موضوع مهم في عراق اليوم، في البداية لا انكر ان هنالك اختلافات فكرية وعقدية وفقهية ومنهجية لدى كل مذهب من المذاهب،حيث تقوم هذه الاختلافات على اصول ومباديء المذهب، لكن هذا الامر محترم ولا يفسد للود قضية،بمعنى اتفاقاتنا ومشتركاتنا اكثر من اختلافاتنا، فكيف نرجوا حوارا مع الاديان والمكونات والمدارس الفكرية الاخرى ونحن فيما بيننا متخاصمين؟ ثم اضاف السيد الخوئي ؛ تساؤلات واثارات وتفكير بصوت عالي هو ما سأقدمه اليوم لكم كلها تدور حول سؤال مركزي هو.. السنة والشيعة الى اين ؟،كم نحتاج بعد من القتلى ومن الارامل والايتام والنازحين ؟ الا يكفي هذا الرقم المخيف من القتلى والمعاقين ؟الم يرتوي صناع الاختلاف من دماء الابرياء والفقراء؟هل حقا نحن امة يتباهى بها النبي الاكرم على سائر الامم والانبياء؟ اما آن الاوان بعد ان يمن الله سبحانه علينا بقليل من الوعي والاستفادة من التاريخ وتجارب الاخرين ؟. ثم اجاب عن بعض هذه التساؤلات بالقول؛ نحن امام خيارين لا ثالث لهما اما المصالحة،او يقتل بعضنا البعض الى لانهاية،ونفرح في النهاية بعدد قتلى الاخرين متناسين قتلانا وخسائرنا،اذا المصالحة ضرورة مقدسة لعيش كريم لنا ولاجيالنا ومستقبلنا ولاوطاننا،المصالحة مع انفسنا اولا ومن ثم مع الاخرين،فهل نحن متصالحين حقا وجادين في ذلك ؟. القرآن الكريم يحثنا على التعايش والاخوة،والنبي الاكرم والائمة الاطهار يؤكدون ذلك،والمرجعيات الدينية العلمية الرصينية تكرر تلك المباديء والقيم، الم يقل المرجع الاعلى للشيعة، السنة انفسنا واصدر تلك الوثيقة الانسانية الهامة للمتطوعين واوضح لهم القيم الاسلامية الانسانية في التعامل مع ألد عدو لهم وهو داعش. وهل تعلمون ايها الحضور الكرام ان هناك رأيا في النجف الاشرف يقول ان داعش ليسوا بنواصب ؟ وان الامام الخوئي يصرح في كتابه فقه الشيعة ان الشيخين عمر وابي بكر ليسا بنواصب؟ الم يقل شيخ الازهر الامام احمد الطيب السنة والشيعة جناحي هذه الامة؟ اذن اين المشكلة ومن له مصلحة في اثارتها ؟ المشكلة كما اعتقد ايها الحضور الكريم في فهم الدين،نعم بكل تأكيد نحن نعتقد ان القرآن الكريم نص مقدس،لكن فهمه وتفسيره ليس كذلك،لذا قد ذكر العلماء:القرآن قطعي الصدور ظني لدلالة،والسنة ظنية الصدور قطعية الدلالة. الدين ايها الحضور الكرام ليس فقط عبادات بل يشمل المعاملات والاخلاق وهو الاهم منهما لان حق الناس مقدم على حق الله.وكذلك في الانانية والمصالح الحزبية والشخصية الضيقة المشكلة في تسيس الدين وأمتطائه لمصالح سياسية. فقاتل الله الاسلام السياسي حيث دمر ديننا ودنيانا وحطم امالنا وذبح احلامنا وسود صحيفتنا وشوه اسلامنا وزعزع قيمنا واساء لرموزنا ومقدساتنا. ألم يكن النظام السوري داعما للبعثيين القتلة والارهابيين في العراق بعد 2003 وهذا حسب الادلة وتصريح المسؤولين العراقيين ؟ الم تكن ايران داعمة لارمينيا المسيحية على حساب اذربيجان الشيعية،الاتأوي ايران اليوم قيادات تنظيم القاعدة الارهابي؟ الم تكن السعودية داعمة للسيعة الزيدية في الستينات في حربهم ضد الحركة القومية السنية؟ من كل هذه الاسئلة يتبين ان الامر ليس مذهبيا بل هو مصالح سياسية اولا واخيرا. من هم السنة ومن هم الشيعة؟ في البدء يجب ان نتسائل ؛من عين السعودية ممثلة عن السنة ؟ ومن انتخب ايران ممثلة عن شيعة العالم ؟ هل الصراع بين الفصائل في ليبيا وسيناء مصر ايضا بسبب وجود الشيعة، مثال من التاريخ يلقي الضوء على ان الصراع السياسي لا يهنه المذهب او الدين،بل المصلحة.حيث سقطت الدولة الصفوية الشيعية على يد الافغان السنة في النصف الاول من القرن الثامن عشر،عام 1722م، حيث اعتقد الناس ان السلام سيعم اخيرا بين دولة الافغان السنية الجديدة في ايران والدولة العثمانية السنية في اسطنبول، بعد التاريخ الدموي بين الصفويين والعثمانيين لكن ما حدث وهذا ليس مفاجأة،هو استئناف الحروب بين دولة الافغان في اصفهان والدولة العثمانية،لان الاصل لم يكن المذهب السني بل المصلحة السياسية. هل الخلافات والنزاعات بين الاحزاب الشيعية وسوء الخدمات في جنوب العراق والسرقات بسبب وجود السنة؟ كما ان المجاهدين الشيعة كانوا يقاتلون الروس اوائل الثمانينات في نفس مخيم بن لادن وتحت قيادته، اذن اين كنا واين اصبحنا؟ كانت السمة الغالبة عند الشيعة عبر القرون المظلومية والعقلانية،فنتسائل هل ما زالت موجودة؟هل يعقل ان الرئيس اوباما ووزير خارجيته يحثان المسلمون السنة والشيعة للمصالحة والعيش معا؟ هل يعقل ان مجموعة صبية لاجل الشهرة يقودون الامة الاسلامية ؟اين حكماء الامة؟ لذا هنا يجب ان انوه لامرين: 1- المرجعية تؤمن بالتعايش السلمي بين ابناء المذاهب الاسلامية من سنة وشيعة.. وبينهم وبين ابناء الاديان الاخرى وقد أصلت ذلك بمنهج عملي يبتعد عن الشكليات غير المنتجة لحساب المضمون الذي يكرس ثقافة التقارب والتحابب والتعايش وفي ذيل هذه النقطة لدينا شواهد كثيرة. 2- ان ظاهرة سب الصحابة تصرف مدان ومستنكر جدا وعلى خلاف ما أمر به أئمة أهل البيت عليهم السلام شيعتهم. فلنعترف،لا يخلو دين او مذهب او حضارة او قومية من الشواذ والغث والسمين والصحيح والسقيم،ولا توجد مدرسة فكرية معصومة،مثلا ابن تيمية ومشتركاتنا السجود على التربة مثلا وموافقاته للشيعة لكن هل من الانصاف والموضوعية حينما نقرأ فكرا او مدرسة او منهجا او شخصا نضع اصبعنا على الاخفاقات فقط؟ وقد بين سماحة السيد الخوئي:انا استغرب جدا ممن يستغرب من وجود داعش،فهي ولادة شرعية وطبيعية للتراث الديني والفكر المتطرف وما يدرس في المناهج الدراسية لبعض الدول،حيث ان داعش تدرس نفس الكتب اليوم في الموصل والرقة. وان تكون حديثا ضغطا غربيا على الدول الاسلامية لاصلاح تلك المناهج المملوءة بالعبارات الطائفية المقيتة والكراهية الشنيعة. متى نتعلم من التاريخ ان دعم الارهاب سحر ينقلب على ساحره،ولا استثني احدا من ذلك لا الدول الشرقية ولا الغربية ولا السنة ولا الشيعة. ثم اضاف السيد جواد الخوئي قائلا؛ سيداتي وسادتي ؛ نحن في مأزق حقيقي وامام تحدي كبير وفي قارب واحد شأنا ام ابينا،لايمكن ان نتصور استقرارا حقيقيا في المنطقة في ظل تهميش او اضطهاد مكون اصيل من مكونات المجتمع،ولابد للعدالة ان تشمل الجميع. الاستبداد والقمع والتخلف والجهل والفقر والقحط،لا يولد الا داعش واخواتها،همالك الملايين من الانتحاريين في الدول الاسلامية بسبب ذلك، وان مثلوا خلايا نائمة يمكن ان تستيقض متى ما توفرت لها العوامل المساعدة، وبكل تأكيد فان الدول الغربية تتحمل مسؤولية كبيرة ايضا بسبب حمايتها لتلك الانظمة ودعمها عسكريا وسياسيا. بعض الحلول: ثم اقترح السيد الخوئي بعض الحلول للخروج من مأزق التكاره والتحارب الذي نعيشه قائلا؛ هنالك مجموعة مقترحات قد تمثل خطوطا عامة للعمل على ايجاد حلول وكما يلي: 1- مواجهة خطاب الكراهية والتحريض ضد الاخر من خلال تشجيع الحوار الديني وتكثيف الدورات والورش التدريبية والتثقيفية لرجال الدين،لغرض تعميق معرفتهم بالاخر وجمعهم برجال دين اخرين من مذاهب اخرى ومشاركتهم مع رجال دين من اديان اخرى. 2- تشجيع مشاركة رجال الدين في المؤتمرات الدولية والمناسبات العالمية الخاصة بالتسامح والحوار التي تقيمها الامم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية المهتمة بالحوار وسوف يشجعهم ذلك على الانفتاح على خبرة غنية تعزز خطاب الاعتدال وتخفف من غلواء خطاب التشدد والتحريض ضد الاخر المختلف دينيا. 3- المناهج المدرسية: يجب فحص المناهج التعليمية في المدارس الابتدائية والمتوسطة والاعدادية وتعديلها بما ينسجم مع هدف مواجهة خطاب التحريض والكراهية،والطريق الامثل هو تصميم مناهج دراسية تتلائم مع مجتمع منفتح ويقبل الاخر. 4- لدى الدول عدة سبل لمكافحة التعصب الديني،على سبيل المثال تشريع قانون لتجريم الكراهية والتحريض الذي يعد ابرز اداة لمواجهة الكراهية. 5- تشجيع وسائل الاعلام على استضافة صناع السلام ومقاطعة دعاة الكراهية من خلال توفير منابر اعلامية لهؤلاء،اذ ان لوسائل الاعلام المطبوعة والمرئية والمسموعة،ووسائط التواصل الاجتماعي وشبكة الانترنت دورا مزدوجا،بوصفها سلاحا ذو حدين،فهي تثير النقاش المتعدد الاوجه حول قضايا بالغة الحساسية ومثيرة للانفعالات الدينية،وتعد ادوات رئيسية في تشجيع الدعوة الى الكراهية الدينية والتحريض على التمييز او العداء او العنف في بلدان كثيرة، كما يمكن ان تعزز في الوقت نفسه التسامح الديني. ثم ختم السيد جواد الخوئي محاضرته بالقول ؛ ايها السيدات والسادة ؛ نحن نحتاج الى مشروع مصالحة جادة وحقيقية واستراتيجية شيعية – شيعية،وسنية – سنية، وشيعية – سنية، ومن ثم مشروع مصالحة يوصلنا الى المشروع المقدس وهو المواطنة الحقيقية البعيدة عن الاثنيات والقوميات والعابرة للاديان والمذاهب،لكي نبني وطنا للجميع تحترم فيه الكرامة الانسانية.
أقرأ ايضاً
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟
- انتخاب المشهداني "أحرجه".. هل ينفذ السوداني التعديل الوزاري؟