لم يجد وسام بُدّاً إلا ان يتحمل اكوام الاتربة والغبار ليستنشقها كل يوم، اثناء خروجه من منزله وذهابه هو واخوته كلٌ لشأنه في الصباح، في حي من الاحياء الواقعة بأطراف مدينة كربلاء، معتبِرا ان هذا الامر خارج عن ارادته \"هاي قسمتنه\"، لكنه يردف مستاءً \"ان اكوام الاتربة والغبار التي يستنشقها الناس في حيّنا اصبحت تشكل تهديدا كبيرا لصحة المجتمع بالاضافة الى المضاعفات التي تسببت بوفاة العديد من مرضى الربو والحساسية المزمنة...
وفي خضم الازمة الامنية التي كان العراق يعاني منها منذ عام 2003 وانكشفت غِمامها قليلا مطلع الحالي، لم يكن المواطنون يبالون بمشاكل البنى التحتية المتهالكة بقدر اهتمامهم بالوضع الامني وسلامة عوائلهم، وبمرور الوقت طفت الى السطح تلك المشاكل حتى اصبحت الهمّ الاول لديهم على خلفية سعيهم المشروع للعيش الكريم في ظل خدمات بلدية مناسبة ومياه صحية واجواء نظيفة تبعد عنهم شبح الامراض والقلق والكآبة...
ووسام الشاب العشريني شأنه شأن اغلبية الشباب يرى ان بإمكانه تحمّل الغبار والاتربة لكنه يفيد\" الجو المغبِر اصبح يؤثر على نفسية الناس فلا يمكنك أن تشعر بحال طبيعية فيما ترى الابنية والمحلات والمدارس والشوارع وحتى البيوت وهي مكسوّة بطبقة من الغبار لاينفع معها الغسل او الازالة...
ويُعتبر الغبار من أكثر المهيجات لمرضى الحساسية، ولا يشتمل الغبار على حبيبات الرمل فقط بل يحتوي على الأوساخ وحبوب اللقاح والفطريات التى تسبب استثارة اعراض الحساسية لدى المريض المصاب وتؤثر على صحة المواطن العادي.
المعاون الطبي (ابو محمد ) في المستشفى الحسيني بمركز كربلاء، تحدث موضحاً مديات تاثير الغبار واعداد المرضى الذين يفاقم من حالاتهم قائلا، هناك نوعان من الغبار، المؤقت وهو الذي تهب عاصفته ضمن نطاق محدد في الزمان والمكان، والمستمر وهو الذي يبقى ملازِما للبيئة اغلب ايام السنة، وهذا له اسباب متعددة منها جفاف المناطق المحيطة واجواء التصحّر التي تزحف على المدينة وقلة تساقط الامطار بالاضافة طبعا الى البنى التحتية المتهالكة والتي تفتقر الى شبكات الصرف الصحي وتعبيد الطرق وملأ المساحات الفارغة بالاشجار او الحدائق والمتنزهات...
وتحدث موظف آخر في مستشفى الحسين العام عن أعداد المراجعين الذين يعانون من الامراض التنفسية قائلا، في الايام الاعتيادية تصل اعداد المراجعين الذين يعانون من مضاعفات مزمنة في الجهاز التنفسي الى اكثر من 100 شخص، واغلبهم من الاطفال. وفي الايام التي تشهد عواصف ترابية، وهي كثيرة خصوصا في هذه السنة، تصل اعدادهم الى اكثر من 150 مريضا، وقد يتخلل ذلك حدوث حالتَي او ثلاث حالات وفاة.
امراض الجهاز التنفسي تحتل المرتبة الثانية كأسباب للوفاة في كربلاء!
ويبدو ان المسألة شائكة الى حد بعيد وان كانت تنتهي الى نفس النتيجة وهي الضرر الفادح بالصحة العامة، فالأستاذ لؤي صادق المختار، مدير شعبة مراقبة الهواء والتلوث الصناعي في دائرة بيئة كربلاء، عزا مسألة تزايد الاتربة والغبار الى عدة اسباب منها، انخفاض البلد عن مستوى سطح البحر عموما وانخفاض موقع كربلاء بالخصوص عن باقي المحافظات العراقية مما يجعلها محطّاً لكميات الغبار المنتقلة من الصحراء التي تحد المحافظة من الجانب الغربي والجنوبي. مضيفاً ان انحسار مساحة الاراضي الزراعية بفعل الجفاف والوضع الاقتصادي السيئ فضلا عن حملات تجريف البساتين لأجل البناء عليها، قد ساهم ذلك كله بتزايد كميات الغبار والاتربة في كربلاء.
ووضح المختار خطورة الامر مبيناً بأن لجنة من عدة جهات في المحافظة، بعضوية دائرة البيئة، أعدَّت مؤخرا احصائية بأسباب الوفاة وكان من نتائجها، ان امراض (الجهاز التنفسي) قد حلّت بالمرتبة الثانية بعد امراض القلب التي احتلت المركز الاول، كأسباب للوفاة. مبينا ان هذا الامر شديد الخطورة ويؤكد استفحال تاثيرات الاتربة والغبار فضلا عن تلوث الهواء الذي تُحدثه معامل الطابوق والمعامل الصناعية الاخرى المحيطة بالمدينة وعوادم المولدات والمخابز والافران التي تنشر عوالق مخلَّفات الوقود المسببة للامراض السرطانية.
الحزام الاخضر.. هل هو المنقِذ؟
وصفْ المعالَجات لهذه المشكلة قد أخذ منحى اكثر ايجابية عند الحديث مع الاستاذ باهر غالي، مدير اعلام دائرة زراعة كربلاء، الذي تحدث عن مشروع (الحزام الاخضر) كمفصل فعال ضمن جهود المحافظة الرامية لتحسين بيئة المدينة والتصدي لظاهرة التصحّر قائلا، ان احاطة الصحراء لمدينة كربلاء من الجهتين الغربية والشرقية وطبيعة تربة المحافظة الهشّة والقابلة للتطاير قد جعلت منها هدفا سهلا لتراكم الرمال والغبار الذي يتطاير في اوقات متعددة من السنة، الامر الذي كانت له سلبيات متعددة الاتجاهات طالت البنى التحتية بالضرر فضلا عن الامراض الجلدية والتنفسية التي من الممكن ان تزيد مضاعفاتها في الاجواء المتربة المحملة بالغبار والبكتريا والاوساخ، ومن هنا كانت ضرورة العمل على انشاء (حزام اخضر) للمدينة لغرض مكافحة التصحر وتحسين الاجواء وزيادة المساحات الخضراء التي من الممكن ان تعمل كمصدات للرياح والغبار والاتربة.
وتابع غالي، يمتد هذا المشروع وهو الاول من نوعه في المحافظة، بشكل هلالي حول مدينة كربلاء، بمسافة 27 كم طولاً و110 م عرضاً، ومن المؤمل ان يتوسع عرض المشروع ليصل الى 1 كم، بعد النجاح الذي شهدته المرحلة الاولى منه.
وعن انواع الاشجار وآليات السقي والادامة للحزام الاخضر قال غالي، تم اعتماد نوعيات الاشجار التي تتعايش مع الظروف البيئية القاسية وكذلك تمتاز بأنها معمرة وتمد جذورها بعيدا في التربة، فكان منها النخيل والزيتون واليوكالبتوز، بمجموع اشجار وصل الى حوالي 86 ألف شجرة، تسقى من ( 55 ) بئر ارتوازي باستمعال تكنولوجيا الري بالتنقيط.
واختتم غالي حديثه على امل أن يسهم الحزام الاخضر بتحسين جو المدينة وانقاذها من امواج الاتربة والغبار وتزويدها بكميات اوكسجين اضافية فضلا عن آمال استثمار اقتصادي في تشغيل ايدي عاملة لخدمة المشروع، والاستفادة الاقتصادية مما يمكن ان تطرحه عشرات الاف الاشجار من الثمار المتوقعة.
تحقيق: صباح جاسم
أقرأ ايضاً
- تصل الى (29) تخصص في اربع فروع العتبة الحسينية: الاعدادية المهنية للبنات تدرس (5) اقسام الكترونية علمية
- تستقبل طلابها في العام المقبل :العتبة الحسينية تُشـّيد جامعة تقنية تضم معاهد واقسام نادرة في العراق
- شاهد عيان: جيش الكيان الاسرا..ئيلي قصف الانسان والحيوان والشجر والحجر