حجم النص
في الساعة التاسعة والنصف من صباح التاسع من نيسان من عام 2003.. والنظام الجبروتي للمقبور "لصدام حسين" لم يلفظ انفاسه الاخيرة بعد، وامام مقر اللجنة الاولمبية في شارع فلسطين حيت مازال التواجد الامني الكثيف للقوى الصدامية ومفارز الجيش الشعبي للسلطة البعثية تمني نفسها بلحظة انقاذ في اللحظات الاخيرة، تسلق المواطن جواد كاظم والمشهور بـ(ابو تحسين) الى موضع الصورة الكبيرة للطاغية صدام والموضوعة على بوابة اللجنة الاولمبية، وبينما كانت هناك وليمة من اللصوصية والنهب حوله، سجل لحظة تاريخية سوف لن تنساها ذاكرة الضحايا العراقيين عندما اعلن ذلك المواطن الشجاع عن سقوط صدام بلكنة بغدادية ملتاعة بكل عذوبتها وحنيتها وحزنها ((لكم تعرفون شسوه بينه هذا ..هذا دمرنا..هذا كتل شبابنا )) ثم لينهال بضربات من "نعاله" على الصورة التي كانت تمثل كابوسا مرعبا جاثما على صدور العراقيين.
استمد ابو تحسين جرأته وشجاعته من تاريخ القهر والعذاب الذي اذاقه صدام لشعبه بكل فئاته واحزابه الوطنية قرابة اربعةعقود من حكمه الاسود، لم يكن ابو تحسين في تلك اللحظة يحلم باكثر من التعبير عن آلام الملايين من شعبه بحلول اللحظة الوشيكة في سقوط الطاغية والتي حلم بها الآلاف من الشهداء والمشردين في اصقاع الدنيا ،ولكن رسم له القدر مصادفة عجائبية بان تلتقط فرحته وتنتقل نبرات صوته الملتاعة بالفرح والغضب عبر كاميرا مراسلي احد الصحف الاجنبية الذي كانت كاميراته تلاحق وتتعقب مناظر النهب الجارية في بناية اللجنة الاولمبية، تلك الولائم التي شوهت صورة العراقي الشهم والغيور امام العالم.
المنفيون يعودون
ما هي الا ساعات قليلة حتى بُثت هذه اللحظة الوطنية النادرة عبر الوكالة الاجنبية لتعلن تحطيم جدار الخوف الحديدي الذي ابتناه صدام عبر اجهزته القمعية، وكانت صورة ابو تحسين للعراقيين في الخارج والذين تسنى لهم مشاهدتها وهم منشدون الى شاشات الفضائيات لمتابعة ما يجري في شوارع وميادين مدنهم العراقية، ايذانا باعلان البيان الاول لسقوط الطاغية قبل ساعات من ظهور مشهد الرافعة الاميركية التي عرضتها وسائل الاعلام العربية والاميركية في لحظة سقوط تمثال الطاغية في ساحة الفردوس.
من شاهد ابو تحسين من عراقيي المنفى اعلن ابتهاجه كل بطريقته الخاصة وشعر الجميع ان لحظة الغربة القاسية قد انتهت وان لحظة العودة قد اعلنها ابو تحسين.
السيد صاحب الحصونة عضو في الحزب الشيوعي العراقي عندما شاهد (ابو تحسين) وهو ينهال بنعاله على صورة الطاغية تعانق مع رفاقه المتواجدين معه في مكتب الحزب الشيوعي العراقي في دمشق وقرر حسب التعليمات الحزبية الصادرة اليه حزم حقائبه والعودة الى العراق فورا،ويؤكد السيد حصونة انه تيقن كما تيقن رفاقه الذين شاهدوا تلك اللقطة بان النظام قد سقط تماما ولم يبق مبررا للبقاء في المنافي.
أبو تحسين يستذكرالمشهد
ابو تحسين نفسه يستذكر تلك اللحظة التي لايمكن ان ينساها (كنت في بيتي قبل ان اتوجه الى اللجنة الاولمبية القريبة من سكني ،حيث كنت اسكن في مشاتل شارع فلسطين ،استمع الى الأنباء المتضاربة حول سقوط الطاغية من عدمه من خلال جهاز الراديو، حيث لم تكن الكهرباء موجودة يومها، فتوجهت في ساعات مبكرة من صباح التاسع من نيسان مع اثنين من اصدقائي الى مقر اللجنة الاولمبية، وجدت مشاهد مؤلمة من السلب والنهب يقوم بها بعض الافراد.
ولكني وسط هذه الوليمة من النهب توجهت الى صورة صدام الموضوعة امام اللجنة الاولمبية واستعنت باحد الصبية الموجودين في المكان نفسه وتسلق على اكتافي وخلعها من مكانها وعندما اصبحت في مواجهة الصورة تقمصتني مشاعر غريبة ومختلطة من الغضب والفرح والحب والمخاطرة بحياتي، حيث لم يختف جلاوزة النظام بعد عن مسرح الاحداث، لاسيما ان الحادثة وقعت مقابل نصب الشهيد وعلى مقربة من وزارة الزراعة والري حيث تتواجد مفارز كثيفة من رجالات النظام هناك.
ووجدت نفسي انهال بالضرب عليه وتعجبت لعدم تمزق الصورة رغم قوة الضربات وتيقنت انها مصنوعة من نوعية خاصة من القماش ومتينة ،حيث كان ينفق آلاف الدولارات من اجل صور الطاغية التي تاتي من مطابع عالمية، اتذكر ان احد المارة من المواطنين حاول ثنيي عن ضرب الصورة وقال اترك الصورة بحالها ما شأنك وصدام؟ فأجبته هذا عذبنا و قتل اولادنا وشردهم وهو الذي جعل بعضكم يبحثون في مزابل القمامة الان واوصلكم الى هذا المستوى من انعدام الشعور بالحرص على الممتلكات العامة للعراق وليست لحكومة صدام!!، بعد لحظات وجدت نفسي بمواجهة احد مصوري الوكالات الاجنبية الذي جاء بقصد تصوير مشاهد السلب والنهب الجارية على قدم وساق في اللجنة الاولمبية.
ولكن يبدو ان موقفي الشاذ عن حفلة اللصوصية استوقفه واخذ يصورني وانا انهال بالضربات على صورة صدام بنعالي الذي لم امتلك سواه في تلك اللحظة....... ويسترسل ابو تحسين في سرد ذكرياته عن هذه الواقعة (عندما عدت الى البيت فوجئت بردود الافعال في داخل العراق وخارجه على اثر ظهور الصورة في الفضائيات حيث اخبرني احد الجيران بهذه الضجة التي احدثتها ظهور صورتي على شاشات الفضائيات ولم اعلم ان اللقطة ستصبح بمثابة البيان الاول لسقوط صدام ليس بالنسبة للعراقيين المتواجدين في الخارج فقط،بل حتى اصدقائي الذين كانوا يشاهدون التلفزيون في المحافظات القريبة التي لجؤوا اليها هربا من احتمال ضربة كيمياوية كما اخبروني بذلك لاحقا.
تهديدات وملاحقات
تعرض ابو تحسين بعد الحادثة الى الكثير من التلميحات بالتهديد ووصلت اليه عبر رسائل مباشرة او عن طريق الاصدقاء، ووصلت هذه التهديدات ذروتها عندما اقدم اثنان مجهولان على درجة بخارية باحراق منزله، حيث تقول زوجته ام تحسين مستذكرة تلك اللحظة (كنت وحدي في المنزل عندما وجدت ألسنة النيران تتصاعد قرب النافذة الرئيسة للبيت، ولما خرجت كان الفاعلان قد وليا هاربين على دراجتهما، فاستعنت بجيراني على اطفاء الحريق وفعلا قام شباب من المنطقة باطفاء النيران قبل ان تصل الى البيت وتحرق محتوياته).
الرحيل الى كردستان
بعد تلك الحادثة لم يعد بقاء ابو تحسين ممكنا في بغداد، ففكر الانتقال الى منطقة كردستان الآمنة وطلب مقابلة السيد مسعود البارزاني رئيس الاقليم الذي كان يزور بغداد وفعلا قابله في فندق برج الحياة وطلب منه البارزاني التوجه الى عاصمة الاقليم واختيار مايشاء من المناطق والسكن فيها وفعلا توجه ابوتحسين في اول الامر الى اربيل ولكنه مالبث ان عاد الى بغداد حيث لم تحتمل عائلته الغربة والشعور بالحنين للاهل والاقارب في بغداد، ولكن لم تتوقف التهديدات لـ(ابو تحسين) وعائلته وهنا قرر قراره الحاسم والقاطع بمغادرة بغداد وعدم العودة اليها حفاظا على نفسه وابنائه وطلب مقابلة رئيس الجمهورية مام جلال الذي اكرمه بدار مؤثثة بالكامل وسط السليمانية، وهو يشعر بالامتنان والاعتزاز الى هذا السخاء من قبل رئيس الجمهورية.
رد الدين والوفاء
ولرد الدين والوفاء لهذا الموقف من قبل رئيس الجمهورية والاقليم قرر ابو تحسين اهداء "فردة نعاله" الى بانوراما حلبجة في حفل خاص اقيم هناك، ووضعت ادارة البانوراما هذه الفردة في خزانة خاصة مع رسالة بامضائه كتب فيها ((اقدم هذه الفردة هدية الى ضحايا الشعب العراقي والى ضحايا حلبجة بالذات لاسيما واننا نفتقر في الوسط والجنوب الى متحف يوثق لجرائم النظام المباد ويخلد ضحاياه من العراقيين كافة)).
السواح ونعال ابو تحسين
يزور البانوراما في قضاء حلبجة يوميا عشرات من الزوار والسياح الاجانب.. تقول الدليل السياحي السيدة (كوشة ر مولود) ان عشرات من الزائرين الى بانوراما حلبجة يلفت انتباههم وجود فردة نعال ابو تحسين في داخل الخزانة الزجاجية مع كاميرات الاجانب الذين صوروا ماساة حلبجة واقوم بشرح رمزية وجوده هنا واتحدث عن اللحظة الاحتفالية التي قدم بها ابو تحسين نعاله الى ادارة المتحف في الوقت الذي سمعنا ان جهات كويتية عرضت مبلغا مغريا اليه ولكنه رفض ذلك مفضلا اهداءه الى متحفنا وفاء وتعبيرا عن الامتنان لموقف القيادة الكردية وكرمها له ولعائلته.
بين سامر المشعل وحسن العاني
نشر الزميل سامر المشعل في عموده الاسبوعي معلومة تؤكد عرض الحكومة الكويتية لـ(ابو تحسين) مبلغا يتجاوز الـ 250 الف دولار لقاء فردة نعاله التي ضرب بها صورة الطاغية، الا ان ذلك يبدو غير مقنع لدى بعض القراء والاعلاميين ومن بينهم الزميل الكاتب حسن العاني والذي رد في عموده في نفس الجريدة على قصة الزميل سامر المشعل بلهجته التي تستبطن التهكم والمزاح رافضا تصديق القصة، ودخل صحفي اخر على الخط هو الزميل مصطفى صالح كريم.
رواية أبو تحسين
ولحسم حقيقة هذه القصة سألته فاكد ابو تحسين حقيقة العرض الكويتي المالي له، ولكنه اضاف بان العرض لم يأت من الحكومة الكويتية وانما من جهة اشخاص لم التق بهم، ولكن الوسيط الذي قدم العرض لي اكد وجود هؤلاء الاشخاص في البصرة كما ابدوا استعدادهم لتوجيه دعوة لي لزيارة الكويت ومقابلة امراء العائلة المالكة ،لكني رفضت هذا العرض وفضلت تقديم فردة نعالي الى بانوراما حلبجة، وطلبت من الوسيط ان ينقل ردي اليهم بان المواقف الوطنية لاتباع ولاتشترى.
تعليقات على النت
ليست هذه الواقعة فريدة من نوعها حول الحادثة التي مضى على وقوعها تسع سنوات، حيث يتعرض ايضا موقع ابوتحسين الالكتروني الى عشرات التعليقات من القراء بين مادح ومثمن لموقفه وبين مشكك بنواياه وشاتما له، وهذا السجال لايشكل لـ(ابو تحسين) اية مشكلة لانه باعتقاده ان الحملة المضادة له يتعرض لها من جهات صدامية مازالت موجودة بيننا ويكفيه مشاعر الامتنان والعرفان التي يتلقاها يوميا من ابناء الشعب والمواطنين البسطاء.
لست نادما
في المحافل الاجتماعية والثقافية يتلقى ابو تحسين بعضا من الاسئلة من قبيل هل هو نادم على فعلته؟ حدث ذلك مع صحفي عراقي مشهور في احد المجالس الثقافية، ولكنه اجاب ذلك الصحفي بان المشهد لو تكرر الف مرة لاعيد نفس فعلتي وانا غير نادم عليها، بل هي التي جلبت لي محبة وتقدير العراقيين المظلومين والمهمشين، ويستشهد ابو تحسين بامرأة كردية قبلت يديه ذات مرة في سوق شعبي مكتظ واخبرته بانها نزعت سوادها يوم مشاهدتها للقطته بعد سنوات طويلة من الحداد على عائلتها التي فقدتها في كارثة حلبجة.
التباس
ما يعانيه ابو تحسين ليس التشكيك بنواياه الوطنية فقط، بل ذلك الالتباس الحاصل في اسبقية اعلانه عن سقوط الصنم في ساحة الفردوس بساعات طويلة، وعن المسؤولية في ذلك يقول ابو تحسين ان الاعلام الاميركي والعربي القومجي كبرا عليهما ان يمنحا مواطنا عراقيا بسيطا شرف اسقاط صنم مقيت بنعال مواطن بسيط ولو اعلاميا، ومنحا ذلك الشرف للرافعة الاميركية باعادة المشهد عدة مرات
دليل دامغ
يؤكد المواطن هادي مولة (ابو عمار) من سكنة حي جميلة في الرصافة انه شاهد لقطة ابو تحسين في الستلايت الذي كان يخفيه عن عيون النظام في الساعة العاشرة من صباح التاسع من نيسان، وبعدها جاء من يخبره في الساعة الثانية ظهرا بوجود صدام في ساحة 83 القريبة من منزله، وفعلا ذهب الى هناك وشاهد صدام عن قرب حيث لم يتواجد من الجمهور الا القليل بخلاف زيارته المعتادة، ويؤكد انه شاهد مساء وبعد مضي اكثر من خمس ساعات على لقطة ابو تحسين سقوط الصنم بالرافعة الاميركية في ساحة الفردوس ويعد ذلك بان "ابو تحسين" فعلا هو من اطلق البيــان الاول لســــقوط الطـــاغية. في الاخير ابو تحسين يعد لقطته هي احدى اللقطات الوطنية التي تمر نادرا في تاريخ الذاكرة الوطنية، وانه يقدم ذلك هدية لشعبه الذي قدم الكثير من التضحيات قربانا لحرية العراق الجديد.
توفيق التميمي
أقرأ ايضاً
- نذر نفسه لمساعدة الناس: ام " الشهيد احمد" ..ولدي توسل بالحسين لنيل الشهادة ممزقا فكان له ما اراد
- لرعاية النازحين :العتبة الحسينية تفتتح مركز رعاية صحية في مستوصف الرسول الاكرم في لبنان(فيديو)
- اسكنوا اعداد اضافية وقدموا خدمات :اصحاب فناق سوريون يثمنون مبادرات العتبة الحسينية ويتعاونون معها