انعكست مؤشرات الاقتصاد الأمريكي التي صدرت مؤخرا ومع ارتفاع سوق الأسهم، على السوق العراقية، حيث وصل سعر الذهب إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 2373 دولارا للأونصة، قبل أن يلتقط أنفاسه قليلا، مسجلا مكاسب بنسبة تفوق 5 بالمئة منذ بداية العام حتى الآن وارتفاعا مثيرا للانتباه بنسبة تقارب 19 بالمئة في الأشهر الـ12 الماضية.
ويقول صائغ الذهب أحمد محمود، إن "قيمة الذهب الخام تتحدد وفقا لتقلبات البورصة العالمية، وليس له قيمة محددة ثابتة نتيجة لعدم ثبات قيمة الأونصة العالمية في الأسواق، فتتحدد حسب وضع الاقتصاد الدولي الذي يتأثر بالأحداث الاقتصادية والسياسية الدولية".
ويضيف ان "أجور الصياغة تختلف من محل إلى آخر وتضاف إليها قيمة الذهب الفعلية وفقا لقيمة الذهب العالمية، لكن عادة ما يصل الذهب إلى السوق العراقية مضاف إليه قيمة الأجور كعمل الصائغ والضرائب والجمارك وأجور النقل وغيرها، ووفقا لحسب المستورد من كل دولة، والتي تتراوح بين ثمانية إلى تسعة آلاف دينار عراقي للغرام الواحد، ثم يضيف الصائغ العراقي ألف دينار أو أكثر كأرباح".
ويشير إلى أن "سعر الذهب قبل ستة أشهر كان أرخص من السعر الحالي، وذلك بسبب ارتفاع أسعاره عالميا، وقد تكررت هذه الحالة عدة مرات في العراق وخصوصا منذ العام 1991 وما تلاه، بسبب القرارات السياسية للنظام السابق التي أثرت على أسعار الذهب".
ويذكر محمود أن "المواطن العراقي غالباً ما يلجأ إلى البيع أكثر من الشراء فمثلا قد تلجأ بعض النسوة إلى بيع جزء من حليها الذهبية مع اقتراب العيد لكي تشتري بثمنه بعض ما تحتاجه من أغراض ومستلزمات أخرى، فيما قد تلجأ بعضهن إلى بيع الحلي بسبب ارتفاع قيمة الذهب، فمثلا أن سعر الذهب الحالي وقت إجراء المقابلة هو 495 ألف دينار للمثقال الواحد وهذا السعر كفيل بأن يشتري الفرد فيه جهاز تكييف والذي قد يكون مفيدا مع اقتراب فصل الصيف في البلاد".
تجدر الإشارة إلى أن الصاغة العراقيين يستوردون من عدة أسواق عالمية، أبرزها الإيطالية والإماراتية والتركية وتختلف أسعار صرف الدولار الأمريكي وفقا لعملات هذه الدول وللعراق أيضا، ما يسمح للصاغة العراقيين بالتلاعب بأسعار بيع الذهب وفقا لسوق صرف الدولار اليومي.
وفي العراق، يدخل سعر الدولار بالسوق المحلية في عملية حساب سعر الذهب الرسمي، الذي يتذبذب في البورصة العالمية حسب العرض والطلب، على عكس بعض الدول الأخرى التي تعتمد على سعره العالمي فقط، مع إجراء عملية حسابية لتحويله إلى عملتها المحلية، وهذا الأمر استجد في العراق بعد عام 2003، حيث كان الذهب في السابق مرتبطا بسعر رسمي تحدده الدولة يوميا.
بدوره، يوضح الخبير الاقتصادي منار العبيدي، أن "أسعار الذهب تتأثر عالميا بعوامل مختلفة وهو السلعة الأكثر أمانا، وكلّما شعر المجتمع بوجود خطر اقتصادي لجأ الناس إلى التحوط بالاستثمار بالذهب".
ويلفت إلى أن "ارتفاع حجم الديون الأمريكية والتخوف من الدولار والاضطرابات الموجودة بين روسيا وأوكرانيا والشرق الأوسط يلجأ الكثيرون إلى الذهب مما يؤدي إلى صعوده عالميا وبالتأكيد ينعكس على سعره في العراق".
ويؤكد العبيدي أن "سعي بعض المستثمرين إلى الحصول على الحماية من مخاطر التضخم الأعلى، يؤدي إلى ارتفاع اسعار الذهب بالإضافة الى قيام مستثمرين آخرين بتعديل محافظهم الاستثمارية في أعقاب ارتفاع سوق الأسهم".
ولغاية 2003، كان على صاحب ورشة صياغة الذهب، التوجه لجهاز التقييس والسيطرة النوعية، لفحص مصوغاته وختم كل قطعة منها بختم رسمي، يحمل رقم عيارها، سواء 18 او 21، وهذا ما فقده البلد بعد 2003 في ظل غياب الرقابة على المحال والورش، ما أدى إلى انخفاض عيار الذهب نتيجة لتلاعب كبير بنسبته مقابل النحاس، وهو ما دفع المواطنين إلى الاعتماد على شراء الذهب الإماراتي والتركي، فضلا عن تنوع الموديلات التي يفتقر لها الذهب المحلي، وهذه الأخيرة دائما ما تكون أجورها مرتفعة.
وسبق وأن أعلنت هيئة المنافذ الحدودية في الثالث من كانون الأول 2023، الرسوم والتعرفة الجمركية على حاويات البضائع والذهب الداخلة للعراق، مشيرة إلى اتخاذ الحكومة مجموعة قرارات للسيطرة على الإيرادات والتحويلات.
يذكر أن مدير المنافذ اللواء عمر الوائلي، قال في بيان سابق، أن ما يتعلق بالذهب المستورد فقد صدر قرار مجلس الوزراء المرقم (23671) لسنة 2023، نص على أن يكون المستورد للذهب شركة مسجلة رسميا في دائرة تسجيل الشركات ويسمح لها بالتحويل الخارجي، والسماح باستيراد الذهب من خلال المنافذ الجوية حصرا وترسم من قبل الجمارك وتفحص وتوسم من قبل الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية الاتحادي.
وشهدت تجارة الذهب في العراق ازدهارا كبيرا في السنوات ما بين 2010 لغاية 2014، إذ كانت تلك الفترة أشبه بـ"الذهبية" في ظل استقرار الوضع الاقتصادي وارتفاع أسعار النفط العالمية وعدم وجود مشاكل في دخل المواطن، الأمر الذي شجع الكثيرين من أصحاب رؤوس الأموال على الاستثمار في سوق الذهب، حيث شهد افتتاح محال بيع المفرد أو الجملة.
من جانبه، يذكر الباحث الأكاديمي في الشأن الاقتصادي والمالي علي دعدوش، أن "كل من الدولار والذهب يعدان من أدوات التحوط لكنهما يرتبطان بعلاقة عكسية، فدائما ما يُنظر للذهب باعتباره الملاذ الآمن وأداة التحوّط من المخاطر، ولذلك فإن العلاقة مع الدولار عادة ما تكون علاقة عكسية، على الرغم من عدم وجود قاعدة رسمية ومعلنة تفرض هذه العلاقة، وهذا يعني أن سعر الذهب ينخفض عادة مع ارتفاع سعر الدولار وزيادة قوّته وموثوقيته لدى العالم، في حين ان سعر الذهب يرتفع مع انخفاض الدولار وارتفاع مستويات التضخم، إذ يلجأ الناس إلى شراء الذهب ويتخلون عن الدولار الذي تنخفض قيمته بفعل التضّخم".
وينبه إلى أن "ارتفاع اسعار الذهب في العراق هو نتيجة حتمية في ظل الأوضاع غير المستقرة عالميا والتي تنعكس على العراق بشكل مباشر فضلا عن التخبط في السياسات الاقتصادية للبلاد التي أدت إلى ارتفاع الطلب على الذهب كملاذ آمن خصوصا للمضاربين والتخوف من تغيير سعر الدولار نزولا في الفترة المقبلة".
ويذكر أيضآ، أن "دخول الذهب إلى العراق يتم عن طريق الاستيرادات حالها كحال بقية السلع المستوردة وتكون طريقة دخولها عن طريق المطارات حصرا".
وأدت المخاوف الجيوسياسية إلى ارتفاع أسعار الذهب بشكل متزايد في الآونة الأخيرة، بما في ذلك حرب روسيا وأوكرانيا، وإسرائيل على غزة، والهجوم الإيراني على إسرائيل، إلى جانب الانتخابات الرئاسية الوشيكة في تشرين الثاني المقبل، إلى قائمة الشكوك التي تدفع المستثمرين إلى التحول إلى الذهب.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- حققت (15) الف زيارة طبية: العتبة الحسينية تنفق اكثر من "ملياري" دينار على علاج الوافدين اللبنانيين(فيديو)
- المجلس الشيعي الاعلى في لبنان: السيد السيستاني الداعم الاقوى والاكبر للشعب اللبناني في هذه المرحلة المصيرية(فيديو)
- شملت الاطفال والنساء : وفد العتبة الحسينية في سوريا يوزع وجبة ثانية من الملابس الشتوية على العائلات اللبنانية