موجة مطرية شهدها العراق خلال الأيام الماضية، ولكن الحديث الذي يتداوله العراقيون يؤكد أن البلاد لن تستفيد من هذه المياه بالصورة المثالية التي تساعده على مواجهة مخاطر الجفاف في المرحلة المقبلة، وذلك بسبب عدم انشاء السدود الكبيرة وتأخر تنفيذ مشروع حصاد مياه الأمطار.
وشهد العراق أزمة جفاف وشحة في مياه الأمطار خلال المواسم السابقة، إضافة إلى قلة الواردات المائية من دول المنبع تركيا وايران، ما تسبب بتضرر العراق وانخفاض مناسيب التخزين المائي في البحيرات إلى ما يعرف بالخزين الميت.
وعانى العراق خلال السنوات الأربعة الماضية من مشكلة الجفاف، وتؤكد الحكومة العراقية أن السدود التي تبنيها تركيا وإيران على نهري دجلة والفرات، تتسبب بانخفاض منسوب النهرين وروافدهما حينما يصلان إلى العراق، الأمر الذي فاقم المشكلة.
لكن المجلس النرويجي للاجئين حمّل المسؤولية إلى إدارة الموارد المائية في البلاد خصوصا ممارسات الري في العراق وعدم الكفاءة في استخدام الموارد المائية المتناقصة، فضلا عن عدم استغلال العراق لمياه الأمطار والسيول عبر إنشاء المشاريع الخاصة بتخزين المياه.
مشروع حصاد المياه
وزارة الموارد المائية العراقية أعلنت عن برامج وخطط حكومية لإنشاء عشرات السدود في مناطق مختلفة من البلاد، ضمن مشروع حصاد مياه الأمطار.
وقال المتحدث باسم وزارة الموارد المائية خالد شمال، إن "العراق مر بأربع سنوات شحيحة، وانخفض الخزين الاستراتيجي للمياه بسبب قلة الأمطار وواردات المياه من دول الجوار ليكون أقل خزين متحقق بتاريخ الدولة العراقية".
وأضاف أن "أكثر من 70% من المياه يأتي من خارج العراق الذي لم يتسلم إلا 40 في المئة من استحقاقه من المياه، بالتالي فإنه يفقد 60% من حقوقه المائية"، معربا عن أمله بأن "تسهم الأمطار في الموسم الحالي في تعزيز الخزين المائي وارتفاع مناسيب نهري دجلة والفرات وتحقيق زيادة مساحة الأراضي الزراعية للموسم الحالي".
وبين المتحدث باسم وزارة الموارد المائية أن "العراق يعاني فراغاً خزنياً كبيراً في السدود يزيد على 100 مليار متر مكعب، وذلك يعني أن هناك إمكانية استيعاب أي موجات فيضانية آتية سواء أكانت من دجلة والفرات أو من حدود العراق أو الروافد المشتركة، والعراق لديه منظومة جيدة من السدود تدار بمهنية".
وعن عدم وضع سدود في المناطق الجنوبية والوسطى، قال إن "من واجبات السدود الخزن، وفي المناطق الوسطى والجنوبية التربة رسوبية لا تحفظ المياه، والسدود يتم إنشاؤها بالمناطق ذات التربة للحفاظ على المياه كما هي الحال بالمناطق الشمالية".
وأشار إلى أن "الوزارة تعمل على بناء 36 سداً قسم منها سيتم إنشاؤه بين عامي 2024 و2025 وهذه السدود ستكون موزعة على مختلف محافظات العراق في إقليم كردستان وغرب الموصل والسماوة والأنبار وكربلاء والنجف وفي محافظة ميسان وواسط وديالى، والهدف منها تجميع مياه الأمطار في المناطق الواعدة بالأمطار ذات الشدة العالية".
وأكد شمال أن "هذه السدود ليست مكلفة"، لافتاً إلى "عدم وجود خطر من مياه الأمطار لوجود خطة لإدارة المتساقطات مع وجود فراغ خزني كبير في السدود العراقية".
ويمتلك العراق مجموعة من السدود تستمد مياهها من نهري دجلة والفرات، أهمها سد الموصل بطاقة 11 مليار متر مكعب، وسد حديثة بطاقة 8 مليارات متر مكعب، وسد دوكان بطاقة 6 مليارات متر مكعب، وسد دربندخان بطاقة 3.8 مليار متر مكعب، وسد حمرين بطاقة ملياري متر مكعب، وسد العظيم بطاقة 1.5 مليار متر مكعب، فضلاً عن بعض السدود الأخرى بطاقات متفاوتة.
خطط تنتظر التنفيذ
الخبير في الشؤون المائية تحسين الموسوي يرى أن العراق لغاية الآن لا يستفاد من مياه السيول والأمطار التي تتساقط في مواجهة مخاطر الجفاف في المرحلة المقبلة، مشددا على ضرورة الاسراع بمشاريع حصاد مياه الأمطار التي أعلنت الحكومة الحالية عنها ضمن برامجها، لكنها لم تبدأ بها لغاية اليوم.
وقال الموسوي إن "العراق من ضمن المناطق الشحيحة بالأمطار ومن المعروف أنه يتلقى حصصه المائية من دول المشاركة المائية باعتباره دولة مصب"، مبينا أن "الجميع بات يعلم بأزمة الجفاف الخانقة التي تضرب العراق وأثرت على الوضع البيئي والصحي فضلا عن تهديد الأمن الغذائي وتقليص المساحات الزراعية وتداعيات ذلك على موجات نزوح متواصلة لغاية الآن من مناطق جنوبي العراق".
وأوضح أن "السيول ظاهرة متقطعة وليست متكررة وكان من المفترض أن يعمل العراق على الاستفادة منها عبر إقامة مشاريع سدود حصاد المياه"، لافتا إلى أن "الحكومة العراقية برئاسة محمد شياع السوداني أعلنت عن إطلاق الخطط لتنفيذ برنامج سدود حصاد المياه عبر إنشاء 34 سدا وذلك اعتبارا من العام 2025".
وأشار الخبير المائي إلى أن "مشكلة العراق تكمن في أن التعامل مع موضوع المياه هو تعامل وقتي عبر ما يعرف بالحلول الترقيعية، حيث أن موجات الجفاف عندما تحل فأن العراق ينتظر معونات دول الجوار المائية، أو رحمة السماء، بينما في حال وفرة المياه والفيضانات فإن المياه تتجمع بشكل عشوائي ثم يتم تصريفها إلى الأنهر وباتالي تصب في شط العرب دون استفادة مستقبلية، لأن الاستفادة منها تكون آنية".
ونوه الموسوي إلى أن "الخزين المائي في العراق يمر بأسوأ حالاته، حيث أن الخزين الحالي لا يزيد عن 10 مليارات متر مكعب في أفضل الأحوال، بينما تبلغ الطاقة الاستعابية للخزين المائي في البلاد 150 مليار متر مكعب متوزعة ما بين السدود الطبيعية والصناعية والأهوار"، مؤكدا أن "الخزين في السدود الرئيسية الثلاثة (سد الموصل، بحيرة دوكان، وسد حديثة) متدنية للغاية ولها القابلية على استيعاب كميات كبيرة من المياه تكون كخزين استراتيجي للمرحلة المقبلة".
وذكر الموسوي أن "العراق لم يباشر لغاية الآن بالبنى التحتية الخاصة بعمليات حصاد الأمطار والسيول، في حين أنها الحل الأمثل في الوقت الحالي للتعامل مع مياه السيول والأمطار".
كما أشار إلى أن "السيول القادمة من الحدود يمكن أن تتحول إلى رحمة إذا تم استغلالها بشكل صحيح عبر المشاريع الخاصة بحصاد المياه، لكنها اليوم تكون نقمة وكارثة لعدم القدرة على احتوائها والاستفادة منها".
أسوأ صيف وأسوأ خزين مائي
أما الخبير المائي عادل المختار فيؤكد أن العراق وبسبب التغييرات المناخية تحول إلى دولة جفاف، محذرا من أن مواسم الصيف القادمة في العراق ستكون خطرة وصعبة للغاية بسبب مشكلة الجفاف وعدم استغلال المياه عبر التخزين والاستهلاك الصحيح.
وقال المختار، إن "الأمطار والسيول الحالية لها فائدة كبيرة للعراق ولكنها لن تكون ذات أثر كبير على رفع مستويات الخزين المائي في البلاد الذي بامكانه مواجهة فصول الصيف القادمة وأزمة الجفاف".
وأضاف أن "المناطق العراقية الممتدة من مدينة سامراء وصعودا إلى المناطق الشمالية تستفيد من مياه الأمطار والسيول في زيادة الخزين المائي، أما المناطق الواقعة جنوب سامراء وصولا إلى البصرة فإنها تستفيد من هذه الأمطار والسيول من خلال دفع اللسان الملحي نحو شط العرب وزيادة الخزين المائي في الأهوار".
وأشار المختار إلى أن "المشكلة الكبيرة تكمن في أن العراق أصبح ضمن دول الجفاف جراء التغييرات المناخية"، مؤكدا "ضرورة اعتماد السلطات العراقية على سياسات جديدة ترشد من استهلاك المياه، لأن الخطط المائية الحالية ما زالت قائمة على اعتبارات سنوات الوفرة المائية والفيضانات وذلك لا يتلائم مع طبيعة المرحلة الحالية".
وأوضح أن "الخزين المائي الحالي في العراق هو أسوأ خزين في تاريخ العراق، إذ أن الخزين متدني لنحو 8 مليارات متر مكعب، بينما تكون الحاجة الفعلية في الحد الأدنى لعبور الصيف المقبل بأقل الخسائر هي 15 مليار متر مكعب"، مرجحا أن "يكون الصيف المقبل هو الصيف الأسوأ بسبب أزمة الجفاف وعدم استغلال المياه بالصورة الصحيحة، داعيا رئاسة الوزراء إلى إنشاء خلية أزمة أو غرفة طوارئ لوضع حلول لهذا التدهور الخطير للوضع المائي في العراق".
المصدر: شبكة الساعة
أقرأ ايضاً
- 400 مليون دولار خسائر الثروة السمكية في العراق
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- "بحر النجف" يحتضر.. قلة الأمطار وغياب الآبار التدفقية يحاصرانه (صور)