كشفت جلسة مجلس النواب التداولية التي عقدت مطلع الأسبوع الجاري، بشأن تقرير مصير قوات التحالف الدولي في العراق وتحديدا القوات الأمريكية، عن انقسام واضح بين الكتل النيابية بهذا الصدد، ففيما تشدد القوى السياسية الشيعية على ضرورة إخراجها لانتفاء الحاجة إليها، إلى جانب تنفيذها عدة ضربات استهدفت مقرات وقيادات في الحشد الشعبي، ترى القوى الكردية والسنية أن بقاء هذه القوات من عدمه أمر تحدده الحكومة، في حين يؤكد مختصون أن تصريحات السياسيين الشيعة تختلف عن واقعهم والدليل أن العديد من النواب لم يحضروا الجلسة.
وشهدت العاصمة بغداد مساء الأربعاء الماضي، استشهاد القيادي في كتائب حزب الله وسام محمد صابر (أبو باقر الساعدي) بضربة جوية نفذتها طائرة مسيرة أمريكية، حيث قصفت سيارة كان يستقلها في منطقة المشتل شرقي العاصمة.
وتبنت القيادة المركزية الأمريكية، مساء الأربعاء، الهجوم الذي استهدف الساعدي، وقالت في بيان، إنه "في الساعة 9:30 مساءً في 7 شباط، شنت قوات القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) ضربة من جانب واحد في العراق رداً على الهجمات على أفراد الخدمة الأمريكية، مما أسفر عن مقتل قائد كتائب حزب الله المسؤول عن التخطيط المباشر والمشاركة في الهجمات على القوات الأمريكية في المنطقة، ولا توجد مؤشرات على وقوع أضرار جانبية أو خسائر في صفوف المدنيين في هذا الوقت"، على حد تعبير البيان.
وعلى إثر ذلك، توالت الدعوات من قبل السياسيين العراقيين إلى إنهاء تواجد التحالف الدولي وإخراج القوات الأمريكية، وسط تحذيرات من إنزلاق العراق في دائرة الصراع بالمنطقة.
وعقد مجلس النواب السبت الماضي، جلسة تداولية غابت عنها الكتل الكردية والسنية وحضرها نواب الإطار التنسيقي، حيث قال النائب عن الإطار عارف عبد الجليل الحمامي، إن لدى الإطار التنسيقي ما يكفيه من النواب لتحقيق النصاب القانوني للجلسة وتمرير أي قرار لمصلحة العراق في حال أصر الآخرون على المقاطعة.
وبهذا الصدد، تقول النائب عن حزب تقدم نهال الشمري، إنه "ليس نواب المكون السني أو الكردي من قاطع جلسة البرلمان المخصصة لمناقشة إخراج القوات الأجنبية من العراق، فأغلبية نواب الإطار التنسيقي لم يحضروا الجلسة وأي حديث غير ذلك هو محاولة للتشويش".
وتضيف "الأغلبية البرلمانية هي من قاطعت جلسة البرلمان وهذه الأغلبية تريد إخراج القوات الأجنبية من العراق عبر الحوار والتفاوض من قبل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني والجانب الأمريكي، من أجل تقدير الوضع بشكل جيد وماذا قد يحصل إذا ما خرجت القوات من العراق خلال المرحلة المقبلة".
وتشير الشمري إلى أنه "يجب ترك ملف إخراج القوات الأجنبية للحكومة العراقية والمسؤولين فيها فهم أعرف بتقييم الوضع الأمني وعموم الأوضاع في العراق، وهذا الملف يجب أن يبقى بعيدا عن أي مزايدات سياسية".
وكانت المتحدثة باسم تحالف "نبني"، رئيس حركة "إرادة" حنان الفتلاوي، قد انتقدت غياب الكتل السنية والكردية عن جلسة البرلمان لمناقشة الاعتداءات على سيادة العراق، وقالت في تدوينة لها عبر موقع "أكس"، إن "جلسة نيابية مخصصة لمناقشة الاعتداءات على السيادة العراقية تُقاطعها الكتل السنية والكتل الكردية. هل قضية سيادة العراق هي قضية تخص الشيعة فقط".
كما عبر النائب عن الإطار التنسيقي علي الساعدي عن غضبه من عدم وجود بعض النواب في الجلسة التداولية، مؤكدا أن ذلك يشجع على إبقاء القوات الأمريكية وعمليات الانتهاكات، فيما وصف الأمر بـ"المخجل". بحسب مقطع فيديوي تناقلته مواقع التواصل الإجتماعي.
فيما انتقد الناشطون على مواقع التواصل الإجتماعي، غياب النواب السنة والأكراد عن جلسة البرلمان، مؤكدين أن ذلك خيانة للعراق، داعين رئاسة البرلمان إلى إعلان اسماء النواب المتغيبين.
غير أن المحلل السياسي أحمد الشريفي، يرى، أن "غياب غالبية النواب وخاصة نواب الإطار التنسيقي عن الجلسة التداولية يؤكد عدم وجود أي رغبة سياسية لإخراج القوات الأمريكية من العراق، وهذه الجلسة جاءت كرد فعل على الضربة الأمريكية من أجل امتصاص غضب بعض الجماهير".
ويبين أن "القوى السياسية، وكذلك الحكومة العراقية تدرك جيدا أن الأمريكان لا يمكن إخراجهم من خلال التشريعات والقوانين، بل يجب أن يخرجوا من خلال التفاوض والاتفاق معهم، وحسب كل المعطيات الأمريكان لا ينوون الخروج".
ويشير الشريفي إلى أن "تمرير قانون إخراج القوات الأجنبية من العراق خلال الفترة المقبلة من قبل البرلمان أصبح صعبا جدا وإدراج هذا القانون مجددا أو مناقشته يعني كسر النصاب مجددا لمنع تمريره خشية إثارة المشاكل بين بغداد وواشنطن على مستوى العلاقات الدبلوماسية".
وتوعد نواب من الإطار التنسيقي يوم أمس الأول الأحد، السنة والأكراد بإبقاء رئيس مجلس النواب بالإنابة محسن المندلاوي في منصبه، ومنع تعديل حصة إقليم كردستان في الموازنة، بسبب تغيب الكتل السنية والكردية عن جلسة السبت، وقال النائب مصطفى سند في منشور على قناته الرسمية في "تليغرام"، إن الجلسة التداولية التي عقدت (السبت) بشأن الاعتداءات الأمريكية المتكررة على السيادة العراقية جاء فيها عدد من المقررات، أهمها إحالة مسودة قانون إخراج قوات التحالف إلى لجنة الأمن والدفاع واللجنة القانونية لغرض تهيئته للتصويت في الجلسات المقبلة، كما تقرر إستضافة القادة الأمنيين المعنيين بالتفاوض مع القوات الأمريكية في اللجان المشتركة، مؤكداً أن النواب الذين حضروا الجلسة التداولية "75% من نواب الشيعة، وصفر من السنة والأكراد ما عدا نائبين من الإسلامي الكردستاني والعدل، كما شهدت الجلسة حضورا جيدا للنواب المستقلين ونواب تشرين".
بدوره قال النائب فالح الخزعلي في تدوينة له على موقع "أكس"، إن "محسن المندلاوي سيبقى رئيسا للبرلمان حتى نهاية هذه الدورة"، مضيفا "على القوى السياسية السنية التي تخلفت عن المضي بتشريع قانون إخراج القوات الأمريكية من العراق، أن لا يفكروا في الرئاسة، مثلما كسروا النصاب سنكسر رئاسة البرلمان".
من جانبه، يوضح المحلل السياسي محمد علي الحكيم، أن "مقاطعة جلسة البرلمان المخصصة لمناقشة إخراج القوات الأجنبية من العراق، من قبل أغلبية النواب ومن مختلف الكتل والمكونات، تؤكد بأن الأغلبية السياسية مع هذا الوجود لأسباب سياسية واقتصادية وأمنية".
ويلفت إلى أن "هناك خشية من قبل أطراف سياسية عراقية من أن الانسحاب الأمريكي قد يؤثر على الوضع الأمني بزيادة نفوذ تنظيم داعش، أو الوضع الاقتصادي خاصة وأن أزمة الدولار ما زالت مستمرة ولم يتم حلها رغم مرور ما يقارب عام عليها".
ويرى الحكيم أن "مقاطعة الجلسة من قبل أغلبية النواب أعطت رسالة بأن بيانات وتصريحات خروج الأمريكان ودعم تحرك الحكومة نحو ذلك قبل أسابيع من مختلف الكتل هي شعارات إعلامية ليس إلا ولا نية حقيقية لإخراج تلك القوات خشية من ذلك".
ومنذ بدء حرب غزة في تشرين الأول 2023، صعدت الفصائل المسلحة في العراق من عملياتها ضد القوات الأمريكية وأوقعت قتلى في صفوفهم، ما دفع واشنطن إلى استهداف مواقع الحشد الشعبي واغتيال قادة فيه.
إذ قال الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة اللواء يحيى رسول في بيان، إن "القوات الأمريكية تُكرر، وبصورة غير مسؤولة، ارتكاب كل ما من شأنه تقويض التفاهمات والبدء بالحوار الثنائي، إذ أقدمت على تنفيذ عملية اغتيال واضحة المعالم، عبر توجيه ضربة جوية وسط حي سكني من أحياء العاصمة بغداد. بطريقة لا تكترث لحياة المدنيين و للقوانين الدولية".
وأضاف أن تلك القوات تهدد بذلك "السلم الأهلي، وتخرق السيادة العراقية، وتستخف وتجازف بحياة الناس وأبناء شعبنا، والأخطر من ذلك، فإن التحالف الدولي يتجاوز تماماً الأسباب والأغراض التي وُجد من أجلها على أرضنا".
ويوم الخميس الماضي شرع أكثر من 100 برلماني إلى جمع تواقيع لتشريع قانون لإخراج القوات الأمريكية من البلاد وطرحه على جدول أعمال الجلسة البرلمان المقبلة.
وكان البرلمان العراقي صادق في بداية عام 2020، على قرار يلزم الحكومة بالعمل على إنهاء وجود أي قوات أجنبية على الأراضي العراقية، حيث جاء ذلك بعد اغتيال أبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي وقاسم سليماني قائد قوات فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في غارة جوية أمريكية استهدفت مركبتهم قرب مطار بغداد.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- لـ"تطوير المهارات".. إيفاد أعضاء مجلس بغداد إلى وجهات سياحية عالمية
- عدد قواته أكبر من القوات الامريكية.. البرلمان: خروقات الجيش التركي تمثل احتلال واضح وصريح لأراضينا
- مهلة وجلسة.. هل أزمة رئيس البرلمان "مفتعلة" ؟