بين زحمة المواد التي تشابكت كأنها اغصان اشجار في غابة جلس رياض ماسكا الرندة ليصنع من عصا طويلة (ربد الكرك) وهو جزء من عشرات الاجزاء الخشبية التي تصنع من اشجار عراقية تميزها متانتها وقوتها عن باقي المواد الخشبية التي تعتمدها الحرف اليدوية في صناعة الكثير من العدد والادوات الداخلة في اعمال البناء والحدادة واعداد الطعام والطبخ والتدخين وغيرها الكثير، رياض ومعه مجموعة من اصحاب هذه المهنة في كربلاء المقدسة ما زالوا يواجهون غزوات المستورد الذي سرق صناعة هذه العدد لكنه فشل في سرقة الرصانة والمتانة والعراقة التي تميزت بها اليد العراقية عن غيرها.
اهم الصناعات اليدوية
رياض الشماع صاحب محل عدد يدوية بمدينة كربلاء القديمة يسرد بحديثه لوكالة نون الخبرية اهم العدد اليدوية التي ما زالت تصنعها الايدي العراقية الى الان بقوله: "من الاعمال القديمة هو جاون الخشب الذي يصنع في محافظة نينوى من اشجار التوث والسدر وفيه من الجودة والمتانة الشيء الكثير وسعره يصل الى 100 الف دينار وهو مختلف عن النوع السوري الذي يكون سعره مكلفا يصل الى اكثر من مئة الف دينار كونه يحتوي على نقوش وزخارف اما الايراني فسعرة 50 الف، ونصنع (ربد الجاكوج) بعمل يدوي ومنها لجاكوك حديد وزن خمسة كليوغرامات وعشرة كيلوغرامات والربد العراقي يصنع من اشجار النارنج ويكون قوي جدا وكلما تعرض للماء صار اقوى، وكذلك جاكوج الخشب الخاص بتكسير قوالب الثلج المكون بالكامل من الخشب، اما ربد الكرك فتوجد انواع كثيرة في السوق منها الصيني والاندونيسي والماليزي والتركي والاميركي، الا ان العراقي افضلهن واغلى بالسعر لذلك ترى الاقبال عليه محدود، كونه يحتاج الى مراحل لصناعته لان الخشب يعوج ونقوم بتقويمه بآله المعدلان بين مدة واخرى لحين استقراره".
ثلاث عقود في السوق
الشماع قضى 32 عاما من عمره يعمل بهذه المهنة ويستذكر السوق سابقا بقوله: "كل ما كان من عدد يدوية في السوق سابقا هو صناعة عراقية تعتمد على الخشب والحديد، حيث كنا نبيع بالجملة ونشتري الخشب من المناطق الحدودية في غابات السليمانية، ونجهز اصحاب المحال في الشامية والنجف وابو صخير والديوانية بالعدد"، ثم اشار الى منخل بقربه قائلا " هذا المنخل كان يصنع عراقيا خالصا لكن بسبب الجفاف وقلة الاشجار صار الخشب يستورد من ايران والسيم من الصين ويصنع في العراق من ثلاث اجزاء بتسعة الاف دينار، وكنا نصنعه من قطعة واحدة ونثبته بمسامير، اما الان فيصنع من قطعتين او ثلاث قطع لان التاجر لا يتسغني عن القطع الصغيرة ويثبته بكلبسات كابسة وهي تضعف المنخل"، مبينا ان "عموم السوق اغرقته السلع الصينية والايرانية والتركية ونادرا ما تجد عدة رصينة او متينة، فمثلا السلاسل كانت تصنع بواسطة استخدام سيم بسمك حلقات السلسة ويجلس مجموعة من العمال امامهم سندان ويصنعون الحلقات ويربطونها ويصنعونها حسب الطلب لرفع الاشياء الثقيلة او لربط المواشي او للجام الخيل واسعارها كانت قليلة، اما الان فالسلاسل المستوردة رديئة"، منوها الى "هاون نحاسي مصنوع في الحي الصناعي بكربلاء وزنه ثقيل وكفاءته عالية ويصل سعره الى اربعين الف دينار اما المستورد الايراني فهو اقل وزنا وكفاءة".
عدد متنوعة
يستمر الشماع بالتعريف بالعدد المصنوعة يدويا ويشير الى، "(الزبيل) المصنوع من اطارات السيارات المستهلكة ويستعمله بائعوا السمك لتكسير قوالب الثلج قبل وضعها على بضاعتهم وسعته عريضة وسعره سبعة الاف دينار، بينما استورد نوع صيني اقل حجما من العراقي وثمنه 15 الف دينار، وايضا تصنع المنقلة من بليت ايراني او صيني في بغداد والكردون والجمجة المصنعة من جدر فافون ايراني تستعمل في الطبخ خاصة في محرم والاربعين وقبل عقود كان يصنع من النحاس، اما القصب المستعمل في الرايات الحسينية فكان يصنع من القصب العراقي وبعد تجفيف الاهوار والحروب اصبح يستورد القصب من الهند، وكذلك تختت الثرم كانت تصنع من خشب التوث او السدر في العراق والآن يصنع من لوح خشبي صيني وهي غير عملية ولكن مرغوبة لانها رخيصة".
الحجلة الخشبية
ابرز ما معروض من عدد يدوية التي كانت حاجة اساسية في كل بيت لانها تعلم الطفل على المسير هي الحجلة الخشبية يصفها محمد رسول حسن المطيري صاحب محل في عكد اليهودي الذي توارث المهنة من جده وابيه الذين مارسوا المهنة منذ سبعون عاما لوكالة نون الخبرية بقوله "تصنع هذه الحجلة في كربلاء وبابل وبغداد ويستخدم فيها خشب من نوع قوى من شجر عراقي كونه ارخص واقوى، والى الان تقتنيها العائلات باعتبارها عدة مهمة لتعليم الاطفال على المسير من اعمار عشرة اشهر فما فوق، وبالاخص من يتأخر في المشي وهي معلومات عرفناها من الناس بناء على نصائح الاطباء، ومن العدد المهمة الاخرى هو جاون الخشب لتحضير حلوى (المدكوكة) من التمر والمصنع يدويا من خشب الكالبتوز ويصنع بشفرات ومكائن ويستغرق العمل به لمدة خمس ساعات، ويقتنيه اهالي الانبار وصلاح الدين والقادسية وسعره 100 الف دينار، كما نصنع بكار النركيلة وطخماخ الحمص وشيبك العجين من اشجار النارنج والزان والصفصا"، مؤكدا ان "الاستيراد له غزوات كثيرة على المهن اليدوية حيث كانت تلك المهن فيها ارزاق كبيرة تجعل صاحبها يشتري البيوت والسيارات ويعيش في مستوى اقتصادي مميز، اما الان فاصبح السوق مباح لكل شيء واصبح التاجر العراقي ياخذ العدد المصنوعة بايدي عراقية الى الصين وايران لتصنيعها بمواد رديئة جدا ورخيصة وتباع باسعار متدنية، ورغم ذلك الا ان اصحاب المهن متمسكون بصناعتهم للحفاظ على مهنة تعد من تاريخ مدينة كربلاء المقدسة والعراق عموما".
قاسم الحلفي ــ كربلاء المقدسة
أقرأ ايضاً
- نذر نفسه لمساعدة الناس: ام " الشهيد احمد" ..ولدي توسل بالحسين لنيل الشهادة ممزقا فكان له ما اراد
- اسكنوا اعداد اضافية وقدموا خدمات :اصحاب فناق سوريون يثمنون مبادرات العتبة الحسينية ويتعاونون معها
- توجيه للسوداني قد يجد لها حلا :مناطق البستنة في كربلاء يعجز الجميع عن بناء مدارس لابنائها الطلبة فيها