كل بحر ونهر وجدول في العراق زاخر بانواع مختلفة من الاسماك، كانت في السابق تصدر الى دول الخليج والجوار واصبحت تشترى من سفنهم، وفي البصرة يمتلك الاهالي اسطولا من سفن الصيد التي توفر الثروة السمكية بمئات الاطنان ومن مختلف الانواع بعد ان تقدم لهم مساعدات بسيطة لا تتعدى الشباك والحبال والوقود والمحركات بالتقسيط وتوفير الحماية لهم، اما الان فان حالهم لا يسر العدو ولا الصديق فمئات السفن الكبيرة اصبحت خارجة عن الخدمة والمياه قلت وشحت والحدود البحرية والنهرية مع دول الجوار اصبحت تائهة ما دفع خفر سواحل تلك الدول الى الاعتداء عليهم مرات متكررة، فمن ينقذهم من هذا الاهمال؟
العودة الى الوزارة
علي عبد الزهرة احد صيادي الفاو يسرد معاناته لوكالة نون الخبرية، بالقول "عملت في مهنة الصيد عام 1994 وكنت صبيا لكن اهلي اصحاب من هذه المهنة ابا عن جد وتوارثوها وورثوها لنا، والخليج العربي هو ميدان عملنا، والفاو كانت تختلف قبل ثماني سنوات، حيث انخفضت كميات المياه والسواحل البحرية مع دول الجوار اصبحت قيودها كارثية فنحن لا نعرف اين حدودنا، ونعاني من مضايقات واستفزازات والقاء قبض ومصادرة حمولات، اما المشكلة الاساسية فتتمثل ان الصيادين كانوا يعملون باشراف وزارة الزراعة وحياتهم منظمة من حيث الواجبات والالتزامات والحقوق، وما ان تحول عملنا الى اتحاد الجمعيات الفلاحية حتى تدهور الحال، حيث كانت الوزارة تجهزنا بشباك صيد ومكائن بحرية وقطع غيار تسدد بالتقسيط وتجهزنا بالوقود من مادة زيت الغاز الذي كنا نستلم منه شهريا كمية خمسة الاف لتر ويشكل الان معاناتنا الاكبر، وبعد العام 2003 وظهور عمليات تهريب الوقود لجهات يمكن تشخيصها منع عنا الوقود مع العلم اننا لا نخرج للصيد الا بالوقوف في السيطرة البحرية الواقعة على بوابة الخليج العربي وتضم الاستخبارات والبحرية والامن الوطني التي تفتش المحتويات والاغراض وكمية الوقود واسماء العاملين والتحقق من هوياتهم وتدقيق دفتر الجمعية وختمه وادخاله في سجلات خاصة ونفس الاجراءات تجري عند العودة مع تدقيق كمية الصيد، والطريف ان سعر برميل الوقود لصيادي الدول المجاورة ايران والكويت لا يتجاوز دولارين فقط لذلك اصبح ما يصيدوه يباع هنا في العراق بعد ان كنا نصدر لهم".
ثروات مهدورة
يستمر عبد الزهرة بحديثه ويشير الى ان "هناك توازن بيئي كان معمول به، حيث ان مياه شط العرب كانت مناسيبها عالية وحلوة المذاق وتتوفر فيها انواع كثيرة من السمك وكان يغذي الخليج العربي بالغذاء والعوالق كون مصب الماء ينحدر منه الى الخليج وطعم السمك يختلف فيه، والسفن تستمر رحلات صيدها ليوم كامل ومن انواع الاسماك الصبور والزبيدي والبياح بكميات كبيرة جدا، وانخفض الان بنسبة 90 بالمئة، ويعمل في كل سفينة من (8 ــ 12) عامل، ويقسم المورد على ثلاث اجزاء الاول اخراج مبالغ الصرفيات والثاني تقسم على جزئين احدهما ارباح للسفينة والاخر للعمال يبيعونه ويتقاسمون بينهم، وحالنا اصبح اما نحصل على الرزق او نعود خالين الوفاض".
بين النعيم والخسارة
نعمان سلمان ناصر خطت سنينه الاربعة والستون الشيب على رأسه ولحيته، دخل مهنة الصيد قبل خمسين عاما صيادا توارث المهنة من آبائه واجداده منذ عقدين من الزمن وهم من سكنة البساتين المحيطة بالبحر، يستذكر بحديثه لوكالة نون الخبرية ايام الصيد القديمه بقوله ان " الصيد كان بسيطا بالزوارق والشباك والجداف والمياه الحلوة والكطان والشبوط والسمتي والزبيدي، ويتحسر وهو يتذكر انه بلغ صيدهم عام 1975 كميات كبيرة جدا من سمك الصبور اضطروا لحرقها على الجرف لعدم مجيء احد لشرائها "، مبينا ان "اهل الفاو يعيشون على الصيد والزراعة، وكانت السفن مصنوعة من الخشب ثم تحولت في الثمانينات الى الحديد، ومهنة صيد السمك في الثمانينات والتسعينات تدر ارباحا كبيرة جدا واغلب الصيادين كانوا يشترون البيوت والاراضي والسيارات من ارزقاهم بالصيد، ورحلاتنا نذهب بها للصيد من العراق الى الامارات ونبيع السمك العراقي في موانئ الخليج لمدة شهر ونحقق ارباحا كثيرة وكانت اربحنا بدنانير معدودة لكن قيمتها كبيرة".
الانتكاسة
ويكمل ناصر "بعد العام 2003 وانتهاء حروب النظام المباد عدنا الى الفاو ولكن الحال تغير كثيرا، فمناسيب المياه انخفضت كثيرا واللسان المالح بدأ يضرب شط العرب واصبحت المياه مالحة ونفرت منها انواع كثيرة من الاسماك، وكنا نستلم الشباك والمحركات والدهون وقطع الغيار والحبال من جمعية الصيادين اما الان فلا عمل للجمعية الا جباية الرسوم، واصبحنا نتحمل قيمة (الماجلة) وهي الطعام والشراب والثلج وكل ما يحتاجه الصيادون وتكلفتها مليوني دينار ومليون دينار قيمة عشرة براميل لشراء مادة زيت الغاز، وفي رحلات الصيد قد نحقق رزق او لا نستطيع تسديد اجور ما نعده للرحلة.
وطالب ناصر" بتوفير ورشة صيانة متخصصة بصيانة السفن التي يبلغ عددها الان 450 سفينة (لنج) بقيت من مجموعة الف لنج على غرار ما موجود في كل المدن التي لديها موانئ وانهار وبحار"، لاسيما مع "وجود كثير من الفنيين المتخصصين بصيانة السفن، بعد ان ترك اصحاب السفن مهنتهم بسبب العوز والجوع ومنهم من باعها خردة وسكراب ومنهم من تركها على الجرف، وبعد ان كانت مهنة الصيد تبني البيوت اصبحت تدفع الصيادين الى بيع بيوتهم".
قاسم الحلفي ــ البصرة
تصوير ــ عمار الخالدي
أقرأ ايضاً
- 400 مليون دولار خسائر الثروة السمكية في العراق
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- "بحر النجف" يحتضر.. قلة الأمطار وغياب الآبار التدفقية يحاصرانه (صور)