توارث مهنة الخياطة من ابيه سيد جواد صاحب خياطة الشباب وعمه سيد ابراهيم صاحب خياطة التقوي في كربلاء المقدسة فعشقها واصبحت حلم حياته وبدأ عاملا في محل ابيه الذي كان يخيط البدلة الرجالية والصاية والجاكيت والقميص والبنطال والدشداشة الا انه عشق فصال وخياطة البدلة الرجالية (القاط) وقرر ان ينفرد بمحل خاص به واحتفظ بمكائنه القديمة الى الان، وفعلا افتتح محل الخياطة في العام 1980 اي قبل 42 عاما، فاصبح له زبائن وجمهور مهووسين مثله بالقاط، ومرت السنين عقد تلو عقد واندثرت المهنة وغزت السوق السلع الرخيصة والرديئة بكل ما فيها ومنها الملابس وابرزها البدلات الرجالية، وضاق الحال وانحسر الرزق الا انه وجمع من زبائنه رغم ارتفاع اسعارها وتخمة الاسواق بمثيلاتها الجاهزة ادمنوا على عشقها الى يومنا هذا.
سيرة مهنة
يبين السيد عماد التقوي صاحب محل خياطة حالة العشق المشترك بينه وبين زبائنه للقاط بالقول "ما موجود في محلي هو خياطة القاط اصلا منذ اربع عقود لكن بعد العام 2003 انفرط عقد السوق واغرق بالسلع الرديئة، فاضطررنا الى خياطة القاط الشتوي والقاط الصيفي (السفاري) لفتح خط بسيط من الرزق يساعدنا على اداء التزاماتنا المالية، ورغم شبه ادنثار المهنة الا انني ما زلت احتفظ بالعشرات من الزبائن لان فصال وخياطة القاط تعتبر فن خاص"، لاسيما اذا "توفرت المستلزمات الجيدة مثل القونجة والشعر والخام، لان الفرق كبير جدا بين القاط المخيط يدويا والقاط المستورد الذي يفتقر لكثير من الامور منها انه بلا متانة ولا حشوة ونوع الاقمشة تجارية رخيصة جدا ويفتقر الى العمل اليدوي الذي يعطي المتانة والاناقة للقاط، وسريع الاستهلاك والتضرر، بل نستطيع القول انه لا توجد بينهما مقارنة".
زبائن وسنين
وعن زبائنه تحدث قائلا "منهم منذ اربعين عاما ومنهم 35 وبعضهم عشرين وهكذا، من مختلف طبقات المجتمع وكلهم لا يرغبون بارتداء القاط الجاهز، وعلى سبيل المثال ان احد زبائني عين سفيرا في احد الدول الاوروبية واتصل بي واخبرني انه اضطر لشراء وارتداء قاط جاهز لكنه يشعر بانه يرتدي ملبسا غريبا عليه، لانه تعود من ثلاثين عاما ان يفصل القاط ويخيطه عندي في المحل، ويقصده زبائن من محافظات عدة وسطى وجنوبية ومن بغداد"، مبينا ان "خياطة القاط لا تتغير موديلاتها الا في ان تكون ازرارا بصفا واحدا او صفين والجاكيت بفتحة واحدة او فتحتين والياخة اما قصيرة او متوسطة"، وعن انواع القماش المستخدم فيشير الى انه "قماش صيني من الدرجة الاولى لشركات عندها امتياز تصنيع من شركات انجليزية، وكذلك الصوف الهندي درجة اولى، ويبقى القماش الانجليزي هو الاغلى لان سعر المتر الواحد منه يتراوح بين (150 ــ 300) الف دينار والقاط يحتاج الى اكثر من ثلاث مترات، وحاليا لا نستطيع شراءه لانه قليل الطلب والزبائن يعتمدون على خبرتي في اختيار الاقمشة والالوان تبقى على اذواقهم، وحاليا يتراوح سعر القاط بين 350 ــ 600 الف دينار".
شخصيات واقطاعيين
وعن ابرز زبائنه اشار التقوي خلال حديثه لوكالة نون الخبرية، الى انه "ومنذ كان يعمل في محل والده خيط بدلات لمسؤولين ووجهاء وشيوخ عشائر واقطاعيين كانوا يأتون من الارياف مع اربع اشخاص من حماياته (التفاكة)، وحاليا لدي زبائن من مسؤولي المحافظة ومسؤولين في وزارات من بغداد واحد مستشاري رئيس الوزراء وقضاة واطباء"، منوها الى ان "تميزنا بالعمل وحرصنا على اذواق الزبائن ومعرفة ما يريدون جعل الزبائن مستمرين معنا ومنهم لا يسأل على سعر القاط واغلبهم من كبار السن، ومن النادر ان يأتي شاب لخياطة القاط"، لافتا الى ان "المحل خرج بحدود 20 خياطا ماهرا الا ان الكثير منهم ترك المهنة بسبب اندثار الكثير من محالها فتوجهوا الى مهن اخرى"، وعن شراء الاقمشة الاصلية يؤكد ان "لديه تجار ثقاة يذهب اليهم بين مدة واخرى ويشترى كمية تسمى (صفة) وفيها مجموعة من اطوال القماش بالوان وانواع متفرقة".
صعوبة العمل
كل تلك المميزات في عمل عماد الخياط لم تشفع له ولديه معاناة يلخصها "بارتفاع اسعار الايجارات فهو يدفع في الشهر 700 الف دينار للمالك وقد يرفع هذا الاخير السعر الى اكثر من ذلك، وكذلك غلاء اسعار الاقمشة ومستلزمات الخياطة بعد ارتفاع سعر الدولار"، مطالبا الحكومة "بمراعاة قضية فرض مبالغ عالية للضريبة التي تفرضها الدولة على مهنتهم، والتي لم تراعي شبه اندثار المهنة وصعوبة تحقيق المورد المالي الجيد كما كان سابقا حيث يتمكن الخياط من العيش ببحبوحة وغنى، بل وصل الحال الى ان كثير من الزبائن اصبحوا يخيطون القاط بالتقسيط الشهري ومنهم يذهب ولا يدفع ما عليه او يتأخر لاشهر حتى يدفع وكلها مؤثرات على دخل المحل الشهري"، متمنيا ان "تقوم الحكومة بدعم اسعار الاقمشة لاصحاب محال الخياطة فقط لمساعدتهم على ديمومة عملهم".
قاسم الحلفي - كربلاء
أقرأ ايضاً
- 400 مليون دولار خسائر الثروة السمكية في العراق
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- "بحر النجف" يحتضر.. قلة الأمطار وغياب الآبار التدفقية يحاصرانه (صور)