شابة كربلائية اسمها -(حسب طلبها)- "صابرة" اعطت درسا في الصبر حتى وقف لها الصبر احتراما، تيتمت منذ كان عمرها احد عشر عاما وهي وحيدة اهلها، والدها موظف بلدية فقير مات وترك العائلة في مهب الريح، ولم يثني صابرة اليتم ولا الفقر ولا عوق احدى يديها الولادي، فاصرت على ان تكمل مشوار حياتها الدراسية بل وجعلت هدفها ان تصبح صيدلانية، فدرست واجتهدت وتفوقت ونجحت حتى وصلت الى الدراسة الجامعية، وكادت تفقد كل شيء لان معدلها لا يدخلها الى كلية الصيدلة والدراسة في الجامعات الاهلية تحتاج الى ملايين الدنانير وهي لا تملك الالاف، الا ان يقينها بالله دلها على طريق انقذها واتخذته منهجا لمساعدة الآخرين.
وفاة والدها
تقول صابرة الكربلائية من مواليد 1995، في حديث لوكالة نون الخبرية، ان "والدها الموظف البسيط توفى بمرض السكري وهي في الصف الخامس الابتدائي وهي الوحيدة للعائلة، ويسكنون في دار ايل للسقوط ومتهالك، فاصبحت هي وامها امام الفقر دون معيل، لكن امها لم تستسلم وبحث عن عمل والغاية من اصرار الام هو اكمال ابنتها لدراستها لان الام حرمت من الدراسة من قبل عائلتها، فعملت الام في الاسواق تارة تبيع الملابس القديمة واخرى تخبز وتبيع الخبر وثالثة تبيع مواد غذائية في اجواء الحر والبرد والبيت المتهالك الذي تتساقط منه المياه اذا امطرت الدنيا، ووفرت بشق الانفس تكاليف الدراسة لصابرة التي تخرجت من الابتدائية بتفوق وانتقلت الى الدراسة المتوسطة وكانت تعفى بعدد كبير من الدروس بل كانت تمتعض اذا حصلت على درجة 95 من مئة، وردت صابرة على مواقف امها بأن وقفت معها في بسطتها تعمل من الصباح الى الظهيرة ثم تذهب لاداء الامتحانات وتنجح بتفوق"، لاسيما ان "امها لم تستطع ان تدرسها مناهج الدراسة المتوسطة لانها خريجة الدراسة الابتدائية".
الاعدادية والتفوق
انتقلت الكربلائية الى الدراسة الاعدادية، وهنا اوصتها امها ان "عليها ان تعتمد بالكامل على نفسها بالنجاح لانها لا تستطيع تدريسها ولا يمكنها ان تذهب الى مدرسات خصوصيات لانهم لا يملكون المال، فشدت عزمها واجتهدت وتمكنت من النجاح والوصول الى البكلوريا وتخرجت بمعدل 94 بالمئة وكانت خلال دراستها الاعدادية تدرس طلاب ابتدائية ومتوسطة دروسا خصوصية لتجمع مالا يساعدها في دفع نفقات الدراسة ولكن ما جمعته لا يسد 10 بالمئة من المصاريف، وكانت امنية حياتها ان تدخل كلية الصيدلة وتصبح صيدلانية، لكن استمارة الانسيابية لم تشفع لها وحصلت على دراسة الهندسة المدنية في جامعة كربلاء ولا فرصة للتعيين لانها ستلتحق بجيش العاطلين، فتوجهت الى كلية اهلية لتدرس الصيدلة لكنها فوجئت ان مبلغ قسطها السنوي يصل الى نحو ثمانية ملايين دينار، ثم اتجهت الى دراسة الهندسة الطبية وكان مبلغ قسطها يصل الى اربعة ملايين دينار، فوقف المال والفقر حائلا من جديد امام اليتيمة التي تفوقت بكل شيء الا بجمع المال".
كفالة صابرة اليتيمة
هنا شعرت صابرة اليتيمة منذ صغرها انها فعلا يتيمة وان الابواب اغلقت بوجهها، لكنها كانت تشعر ان الله سيدلها على الطريق، وفعلا دلها شخص مقرب من عائلتها يسكن قرب مؤسسة مبرة الاخاء لرعاية الايتام وطلب منها الذهاب الى المبرة وشرح حالتها، وبالفعل كان لمدير المؤسسة عامر الشوك موقفا مشرفا حيث اخبرها على الفور ان المؤسسة ستسدد كامل مبالغ الاقساط طيلة سنوات دراستها شريطة ان تكون متفوقة وتحصل على الشهادة الجامعية وبدون تزكية او اجراء كشف على بيتها ومعيشتها، ولم تصدق صابرة ما جرى وعاهدته على نيل افضل الدرجات، وفعلا نجحت سنة بعد سنة ولانها تفوقت في دراستها الجامعية ايضا، كانت خلال دراستها في كلية الهندسة الطبية تدرس مجموعة من زملائها في الكلية مقابل مبلغ من المال كما تدرس طلاب الاعدادية لتسد اجور المعيشة والدراسة لان العائلة تعيش على راتب تقاعدي قيمته 300 الف دينار".
منهج كفالة اليتيم
تؤكد الكربلائية ان موقف رئيس المؤسسة خط لها حياتها بان خير الناس من نفع الناس وان ليس من الضروري ان يكون الانسان غنيا ليساعد الفقراء والارامل والايتام بل ان من يطبق قوله تعالى (ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة) هو الاسمى عند الله ورسوله، فقررت وهي تدرس في الجامعة وهي على كفالة مبرة الاخاء ومن المبالغ القليلة التي تجنيها من تدريس الطلاب ان تكفل يتيما في نفس المؤسسة، وعرضت ان تتكفل طفلين ولكن ضروفها لم تسمح فتكفلت الطفل عباس منذ سنتين، وحصلت على فرصة عمل باحدى المؤسسات الحكومية وما زال هدفها كفالة اكثر من يتيم".
عائلة اليتيم عباس
تفاجئنا حين التقينا بصابرة والطفل المكفول عباس وامه ان الطرفين لم يلتقيا سابقا وهي لم تراه ولا تعرف اهله، وما ان تحدثت ام عباس حتى بكت بحرقة وقالت لقد تألمت كثيرا وانا اسمع صابرة تسرد قصتها، والان عرفت لماذا اشعر ببركة كبيرة بالمبلغ الذي تدفعه صابرة وقد مكنني من جمع ايجار ثلاثة اشهر للبيت الذي اسكنه وعائلتي، فهذا المبلغ البسيط يسد حاجات كثيرة، وانا عندي خمسة اطفال ووالدهم مات فجأة وهو عامل بناء، ورغم ان هدفي اتمام دراسة ابنائي، الا ان قصة صابرة ستدفعني الى ان اجعل كل اولادي الخمسة من الخريجين ويحصلون على شهادات عليا، وان من يحصل على اي مورد مالي ثابت يذهب على الفور لكفالة يتيم، وهذا درس لي ولغيري من الارامل لان الغاية ليست الحصول على المال وانفاقه بل للسير بالعائلة الى بر الامان".
قاسـم الحلفي - كربلاء
أقرأ ايضاً
- "بحر النجف" يحتضر.. قلة الأمطار وغياب الآبار التدفقية يحاصرانه (صور)
- انتخاب المشهداني "أحرجه".. هل ينفذ السوداني التعديل الوزاري؟
- فاطمة عند الامام الحسين :حاصرتها الامراض والصواريخ والقنابل.. العتبة الحسينية تتبنى علاج الطفلة اللبنانية العليلة "فاطمة "