من البصرة تنطلق اولى خطوات الزيارة الاربعينية وفيها تنصب اولى سرادق العزاء الحسيني، ومن على ارضها تنتهي اولى مراحل الخدمة الحسينية، لكن ما يميزها هو ان الكثير من اهلها يعيشون في مصيبتين اولاهما مصيبة أبي عبد الله الحسين عليه السلام وثانيهما فراق الخدمة والتوفيق الالهي، اصحاب مواكب عدة بكوا بحرقة ونحبوا على رفع السرادق وانتهاء الخدمة وكأنهم فقدوا احد ابنائهم، او اصابتهم مصيبة عظيمة.
البصرة والشعائر
يؤكد طاهر محمد مريوش الساعدي (56 عاما) صاحب موكب خوة حسين وعباس من منطقة الكزيزة الذي اسس موكبه في العام 2014، ان "محافطة البصرة متمسكة بنهج ابي عبد الله الحسين عليه السلام منذ اسست واهلها جبلوا على اقامة الشعائر الحسينية كل عام، وفي احلك الضروف ولاسيما في حقبة النظام الدكتاتوري المقبور الذي صب جام غضبه على عشاق الحسين عليه السلام وقد شهدت اعتقال عدد ممن كان يؤدي شعيرة اللطم، الا ان اهل البصرة كانوا يقيمونها تحديا فكانت مجالس العزاء تقام سرا والطعام يوزع والكل تشارك، فضلا عن السفر الى كربلاء الشهادة لتجديد العهد والبيعة لمحمد وآل محمد في المشاركة باحياء مصيبة الطف الاليمة.
الانطلاقة الحسينية
أما بعد العام 2003 فيقول (ابو ماهر) في حديث لوكالة نون الخبرية، ان "إنطلقت البصرة بشيبها وشبابها ونسائها ورجالها من ابعد نقطة في منطقة رأس البيشة بقضاء الفاو، وبدأ نصب مواكب الخدمة على طريق الزائرين وكانت لا تسد الحاجة فزاد عددها عاما بعد عام، وحبا بالحسين عليه السلام ولنيل شرف الخدمة الحسينية قررنا ان نقيم موكبا للزائرين على طريق بغداد نقدم فيه مختلف انواع الطعام والشراب وتخصصا بخبز السياح ونخبز كل يوم كيسي طحين او اكثر يصل عدد ارغفتها الى 850 رغيف تقريبا وكان ولدي هو من أسسه ولكنه استشهد بعد سنتين دفاعا عن الارض والمقدسات في الحرب ضد عصابات داعش الارهابية"، مستدركا "لا يشعر بمعنى الخدمة الحسينية ولا يلمس بركاتها الا الذي يخدم الحسين عليه السلام بقلب سليم واموال حلال ونية خالصة لله، فبرغم من ان الخدمة لا تتعدى اسبوعا واحدا الا انها تعادل الدهر بطوله والنفس تحصل على استقرار وراحة وفخر واطمئنان لا وصف له، فيشعر الخادم انه قريب من الحسين عليه السلام قريب من الله ورضا الباري يحيط به.
وما ان سألناه عن لحظات وداع الزوار ورفع خيمة الموكب حتى خنقته العبرة ونحب وبكى بحرقة وكأنه سمع خبر فقدانه لمحب يخصه، وقال "والله انها اصعب لحظات عمري اشعر كأنني اواجه الموت وكأن اللطف الالهي انسلب مني ومن عائلتي، واشار الى انه تعرض لمحنة صعبة في احد الايام عندما خيروه بين الخدمة الحسينية والطرد من العمل، ففضل الخدمة الحسينية على العمل وطرد من وضيفته لكن الله عوضه خيرا".
احباب الزهراء
قلت له: اريد اجراء لقاء معك فرحب بشدة، وما ان ذكرت السبب عن انتهاء الخدمة في محافظة البصرة حتى بكى ونحب، انه حبيب ظاهر عبد الزهرة صاحب موكب احباب الزهراء ومسح دموعه، وقال ان "داري على شارع بغداد وكل زائري البصرة ومن يلتحق بهم من ايران او دول الخليج والمحافظات العراقية يكون مرورهم من امام باب داري فهرعت الى نصب خيمة فور انطلاق المسيرة الحسينية في العام 2003 وقدمنا كل ما نستطيع ان نقدمه للزائرين ووسعنا الخدمة حتى وصلنا الى تقديم الطعام والشراب على مدار اليوم وهي نعمة لا يدركها الا من خدم الحسين عليه السلام باخلاص، وكانت بداية عملنا هو تصنيع الجادر وتجهيز الموكب من بيوتنا بالفرش والمناضد ومعدات الطبخ"، مبينا انه " يشعر بالفرح والحزن في آن واحد لانه يرى انه خادما للحسين عليه السلام وهذا يكفي فخرا، ويشاهد لهفة المشاية في الجوع او العطش فيحزن على حالهم رغم انه مثابون على عملهم هذا وما فيه من متاعب.
ويشدد ان "لحظة وداع المشاية ما ان ذكرها الا وخنقته العبرة، وبكى بحرقة مؤدكا، ان كل لحظة وداع هي صعبة ولحظة فراق الخدمة تشبه مفارقة عزيز وكأننا في مصاب جديد وكل عام نشاهد البركات العظيمة من تلك الزيارة، وتبقى في القلب لوعة وحرارة ودائما ما يتملكنا الندم ونشعر بالتقصير تجاه الزائرين والامام الحسين عليه السلام، فنحن نخدم مع عائلاتنا جميعا، فهي قضية تخص كياننا وحياتنا وديننا، لذلك بعد رفع سرادق الخدمة الحسينية يخيم الحزن على جميع افراد عائلاتنا وحتى عندما نلتحق بمسيرة الزائرين ترانا نسيرة بغصة وحزن".
قاسم الحلفي ــ البصرة
تصوير ــ عمار الخالدي
أقرأ ايضاً
- بركات الامام الحسين وصلت الى غزة ولبنان :العتبة الحسينية مثلت العراق انسانيا(تقرير مصور)
- عمرها يتجاوز (500) عام :مهنة "رواف الملابس" اندثر سوقها في بغداد وتسير نحو الانقراض (مصور)
- بدأ براية ورجُلين :موكب رايات البصرة الحسيني يسير (22) يوما رافعا (30) راية (مصور)