- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
لن ينساها أحد.. أحداث مؤلمة شهدها العراق في 2020
بقلم: حسين فرحان
اتخذت بعض الأعوام ضمن سلسلة الزمن التي أرخت لها شعوب الارض أسماء اقترنت بأهم أحداثها، فبين تاريخ اعتمد التقويم الميلادي الشمسي وآخر اعتمد التقويم الهجري القمري، وقعت من الأحداث ما طغى بعضها على طبيعة الحياة في تلك الأعوام، فاشتهرت بها ونسبت اليها.
ربما لا نعرف عن أسمائها الا القليل مما مر علينا ضمن قراءة عابرة للتاريخ أو ضمن منهج دراسي أو حتى ضمن دائرة اهتمام معينة، فكان مما عرفناه (سنين يوسف) وعام (الفيل) وعام (الحزن) وهي أعوام سميت بأسماء أشهر الأحداث فيها وأكثرها أهمية، وربما لم يخطر ببال أحد منا –سوى المختصين- أن نبحث عن أعوام أخرى أطلقت عليها شعوب الأرض أسماء بحسب وقائعها، فقد أطلقت العرب قديما بعض الأسماء على السنين والأعوام فكان التعبير عن الحدث يأتي بعد ذكر كلمة (سنة) أو (عام)، ولعل أهمها في تاريخ العرب: (عام الرمادة الذي وقع فيه جوع شديد سنة 18 للهجرة )، و (سنة 69 للهجرة التي سميت بسنة الطاعون الجارف)، كما عرفت سنوات القحط والغلاء في الجزيرة العربية بأسماء مثل ( بلادان و صلهام وجرمان وسحي وشيتة ) وقد جلا أهل الجزيرة في بعضها الى الزبير والبصرة، ومما عرف أيضا (سنة 1186 وهي سنة الطاعون) الذي وقع في بغداد والبصرة وعم العراق كله، وقد أحصي من مات فيه من أهل العراق 350 ألفا.
ولعل مراجعة أكثر عمقا من هذه الاحصائية المتواضعة لسبر غور تاريخ شعوب الأرض ستعرفنا على المزيد من الاسماء وربما الكنى والألقاب التي أطلقتها الشعوب على أعوام شهدت أحداثا ذات أهمية بالغة في حياتها، وقد يطغى على هذه التسميات أنها لا تحمل صفة عالمية الا في بعضها، حيث تتباين الأحداث من مكان لآخر في أرجاء المعمورة، التي قد تتفق على تسمية عام من الاعوام باسم حدث عالمي معين كالحرب أو الوباء.
لعل العام 2020 سيصبح واحدا من الأعوام التي يكون للبشرية فيها رأي آخر من ناحية الاتفاق على تسمية محددة له بحكم حدوث حالة ظهور وتفشي وباء عالمي مستجد هو وباء كورونا الذي استهلت به هذه السنة الكبيسة أحداثها به، ليدخل العالم في صراع دفاعي كبير معه، فمازال الفيروس يشن حملاته الواسعة الحاصدة للأرواح، دون أن يرى هجمات مضادة توقفه عند حده فتلحقه بنظرائه من الفيروسات التي قضت عليها اللقاحات منذ عقود من الزمن، ورغم الاعلان في بعض الدول المتقدمة عن اكتشاف اللقاح الذي حمل اسماء مختلفة، الا أن الأرض ماتزال ترتدي كمامتها وتدفن جثث موتاها، وما تزال الفوبيا المستجدة تلازم شعوبها.
مع انشغال العالم بالحدث الكبير (كورونا) وصدارته لقائمة الاهتمامات، أضيفت لبعض الشعوب هموم أخرى ربما ستجعلها تعيد النظر بنسبة سنة 2020 الى كورونا نظرا لتزاحم هذه الهموم وصراعها لصدارة المشاهد المؤلمة، ولعل من أبرز الشعوب في نيل حصص وافرة من الهموم هو الشعب العراقي، حيث استهل عامه المنصرم بفوضى عارمة وصراع سياسي وعسكري ومطالب شعبية واختلاف في الرؤى والتوجهات وبلوغه مراحل متقدمة من اللا استقرار، ورغم أن الأرض شهدت نزول الثلج على وسط الوطن وجنوبه في ظاهرة نادرة استبشر بها خيرا، الا أن الاحداث –كل الأحداث- كانت تخالف هذه البشارات، لتضرب أمريكا عرض الجدار سيادته باعتداء غاشم ينتهك كل المواثيق والاعراف فتقصف تارة مقرات الحشد المرابط لصد هجمات الأرهاب وتقصف تارة أخرى مطار بغداد في عملية أدت الى استشهاد قادة الانتصار على داعش كما وصفتهم بذلك المرجعية الدينية العليا، ثم يرد عليها بقصف ايراني لقاعدتها في عين الاسد، وتتوالى الأحداث في وقت تتجاذب فيه الأطراف السياسية وتختلف فيما بينها حول شخصية غير جدلية تتسنم رئاسة الوزراء لتذهب بعد تكليفها الى التهيئة والاعداد لانتخابات مبكرة تجرى بقانون عادل للانتخابات يعيد للمواطن العراقي الثقة بها، وبقانون لمفوضية مستقلة للانتخابات لا تخضع لشروط أو املاءات القوى السياسية، ليأخذ كل ذي حق حقه، ولتقف الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالحقوق عند هذه المطالب الثلاث المهمة وتنتظر ما ستفضي اليه جلسات واجتماعات الرئاسات الثلاث واجتماعات الكتل السياسية من نتائج.
لقد كان العام 2020 عاما متخما بالأحداث، ففي وسط الاجواء السياسية المشحونة بالخلافات، دخلت جائحة كورونا على الخط كحدث عالمي، فكان شديد الوطاة على العراقيين حيث اضاف لهم المزيد من العناء لأن البلد وبحكم المشاكل السياسية والسيادية وتفشي حالات الفساد الاداري والمالي والتراكمات الكبيرة لمشاكل الماضي -وهي عوامل أنهكت قدراته على مواجهة الوباء- قد لا يصمد طويلا وقد يكلفه ذلك خسارة الآلاف من ابنائه في موجة وبائية يعجز عن صدها، وهو أمر غير مستبعد مع تهالك وقدم منشآت المؤسسة الصحية التي طالتها يد الفساد الاداري والمالي ودفعت –كغيرها من المؤسسات- ثمن اهمال المسؤولين وانشغالهم بصراعاتهم ومصالحهم الفئوية والحزبية الضيقة.
كان الدافع المعنوي هو سيد الموقف لمواجهة الوباء، ورغم ضعف الامكانات انطلقت فتوى مرجعية السيد السيستاني في النجف الاشرف بضرورة التكافل الاجتماعي لسد حاجة المتضررين من الحجر الصحي واجراءات حظر التجوال، فكانت السلال الغذائية تصل الى العوائل المتعففة والمتضررة وذلك بجهود المواكب الحسينية والمؤسسات الخيرية، وعادت المرجعية الدينية مرة أخرى لتمنح الكوادر الطبية والصحية تشجيعا ودعما معنويا كان له الأثر البالغ في عملهم، وفتحت مدن الزائرين في المدن المقدسة لاستقبال الحالات المصابة، وانطلقت العتبتان الحسينية والعباسية في حملة كبيرة لاسناد القطاع الصحي فأنشأت (مراكز الشفاء وردهات الحياة) في عموم محافظات العراق وفي مدة زمنية وجيزة وزودتها بأحدث المعدات الطبية، بالاضافة لتزويد المستشفيات الحكومية بمعامل متكاملة لانتاج الاوكسجين.
كانت هنالك جوانب تضامنية كبيرة ومشرقة في ظل الازمة الوبائية، لكن تعرض البلد لأزمات أخرى مصاحبة للوباء جعل من سنة 2020 سنة عناء ومشقة، خصوصا مع انهيار اسعار النفط العالمي وهبوطه لأدنى المستويات مما أثر وبشكل كبير على الوضع الاقتصادي للعراق الذي يكاد أن يكون النفط فيه المصدر الوحيد للدخل نتيجة لسوء الادارة وغياب التخطيط وعجز واضح للحكومات المتعاقبة على ايجاد البدائل المناسبة، لتجتمع بذلك أزمات عدة في وقت واحد حيث ازمة تفشي الوباء وأزمة الفوضى السياسية والأزمة الاقتصادية التي ستلقي بظلالها على موازنة السنة القادمة وربما السنوات القادمة، فهي تنذر بمخاطر الافلاس والسعي باتجاه محاولات الاقتراض من جهات عالمية تثقل كاهل الدولة والشعب بفوائد جائرة لا يمكن الخلاص منها بسهولة.
لم يبق من هذه السنة الكثير لنتوقع حدوث المزيد، لكننا نأمل أن تنقضي دون خسائر تضاف لرصيدها فيما بقي لها من ساعات، نأمل أن لا يفقد هذا الشعب المزيد من أبنائه في موجة جديدة للوباء، وأن لا تفقد أوساطنا العلمية والفنية والرياضية وغيرها أشخاص أحبهم هذا الشعب ولم ينس ما قدموه، نأمل أن تحمل السنة القادمة بشائر خير بواقع سياسي جديد يتحمل مسؤولياته بشكل ناضج لا مكان للأنا فيه، وواقع اقتصادي يرقى لمستويات متقدمة تنعكس نتائجها على حياة هذا الشعب لتخرجه من مرحلة العناء الى مرحلة الازدهار والتقدم والتنعم بخيرات هذه الارض، أما ما تعنيه سنة 2020 للعراق أو العالم بأسره فقد يكون مدعاة لأن يطلق عليها اسم معين يميزها عن سائر السنين، ولعله سيكون (كورونا).
أقرأ ايضاً
- أهمية التعداد العام لمن هم داخل وخارج العراق
- الحرب النوعية
- توقعات باستهداف المنشآت النفطية في المنطقة والخوف من غليان أسعار النفط العالمي