بيت شعر كأنه صمم على يد ارقى مصممي الديكورات للمسلسلات والافلام التاريخية بل تعدى الامر الى عرض مقتنيات واواني وعدد نحاسية يصل عمر بعضها الى قرن من الزمان، اجواء التاريخ العبقة تجدها فيه وعيونك تتجول في اركان الموكب، الذي حصلت فيه ثلاث كرامات ببركة الحسين الشهيد واخيه العباس عليهم السلام، خدماتهم كانت قليلة تقدم عبر مجالس حسينية محصورة في البيوت وتوزيع الطعام علي الجيران بصورة اشبه بالسرية، وفي عام 2009 تأسس الموكب بعد انتهاء حكم الطاغية وانطلق نحو العشق الحسيني.
كرامات حسينية وعباسية
ويقول الخادم في موكب بني كعب عبد الكريم رحيم الكعبي، لوكالة نون الخبرية، ان ثلاث كرامات للإمام الحسين واخيه العباس حصلت مع الموكب كانت الاولى في العام 2016 خلال توزيع مادة الحليب الحار على الزائرين صباحا وكنا نضعه في حافظة (ترمز) ولم يتبقى منه الا القليل وجاء عدد غفير من الزائرين وبقينا نجهزهم بالحليب وشرب الجميع دون ان ينقص شيء من الحليب القليل لدينا.
أما الثانية فحصلت عام 2017 حيث قام مؤسس الموكب الشيخ عقيل بتشغيل قنينة الغاز فاشتعلت على الفور من منطقة الصمام وتعرض الى لهب قوي على وجهه، فقمنا بابعاد القنينة عنه وسقطت على ابن اخيه الخادم في الموكب الذي كان ينام على الارض فشبت النار في ملابسه فتوقعنا انهم تعرضوا لتشوه نتيجة شدة اللهب والنار التي تعرضت لها اجسادهم، ولكن ببركة ابي الاحرار لم يشعروا بشيء البتة وحتى الالام التي يعاني منها الذي يتعرض للحرق لم يشعروا بها.
بينما تمثلت الثالثة بأن سائقا من اقربائنا اخبرنا بأنه جلب ثلاث باصات تقل زائرين ايرانيين الى الموكب قادمين منفذ الشلامجة يبلغ عددهم نحو 150 زائر بعد ان انهينا تقديم وجبة العشاء بالكامل ولم يتبقى الا قليل من الرز وبعض المرق، فتملكنا الحزن والخجل لاننا في موقف محرج ولا نستطيع تقديم شيء لهم، فتوكلنا على الله وناجينا ابي الفضل العباس عليه السلام فوصل الزائرون ومدت لهم سفرة من افضل ما يكون من نفس القدور التي لم يتبقى فيها من الطعام الا القليل، والحادثة مشهورة بين اصحاب المواكب القريبة منا.
محطة العرب والاجانب
ويؤكد الكعبي الى ان الموكب صار محطة رئيسية للزائرين العرب والاجانب القادمين من المنفذ الحدودي عبر الباصات للاستراحة وتناول الطعام، لان الموكب اعتمد على طباخين محترفين من ابناء العشيرة يتفننون في اعداد وجبات شهية لقاصدي الموكب، بينما يقف الخدام على رؤوس الزائرين لسد اي نقص في الطعام او تلبية اي حاجة للزائرين، مبينا انهم يقرأون افكار الزائر واي طعام يشتهيه، فمثلا اعتاد الناس على ان تكون وجبة الغذاء الرز والمرق فنطبخ الرز يوميا مع انواع من المرق مثل الفاصوليا والسبزي والباذنجان والبطاطة، ليتناول الزائر ما تشتهيه نفسه، اما في وقت العصر ولان درجات الحرارة ما زالت مستمرة فنقدم المعجنات مع العصائر او الفواكه والرقي والبطيخ واللبن والتمر والحلويات لتلائم ذوق الزائر.
تطوير الخدمة
وتابع ان تأسيس الموكب كان في ضريح ابي الفضل العباس عليه السلام فتعاهدنا على تقديم افضل الخدمات وتدرجنا بتطويره خلال سنوات عدة، فمن طاولة وتوزيع طعام وشراب قليل الى سرادق وكراسي وطاولات ووجبات طعام ومبيت وبيت شعر وحسينية ومبيت للرجال والنساء، مبينا ان الموكب هو لعشيرة الجواسب من بني كعب وفي السنة الاولى كانت كميات الرز المصروف في اطعام الزائرين مثلا كيس واحد وببركات الإمام الحسين وصلت الى ستة اكياس يوميا، مشيرا الى ان الخدمة في الموكب خصص لها ثلاثون شخصا بالتناوب لكن لدينا الزام من العشيرة بالحضور اليومي واستقبال الزائرين، وتقديم العون للخدام في اوقات الذروة، مبينا ان الموكب يعمل بطريقة توزيع المهام وتوقيتات تقديم الوجبات.
قصة بيت الشعر
اخذت الفكرة من وقائع تاريخ القضية الحسينية لان شكل مضائفهم يكون بيت شعر واواني ومعدات من صناعة يدوية، وعملت على نصب بيت الشعر بأفضل ما يكون قبل عامين، هكذا يسرد الشيخ عقيل عبد المهدي الكعبي قصة نصب بيت الشعر ويضيف انا موظف في شركة النفط وأشترك بسلفة سنوية وقمت بشراء معدات بيت الشعر من شيراز وبغداد والسماوة والناصرية، واشتريت بيت الشعر من منطقة الكطيعة في الناصرية التي يسكنها البدو عبر احد زملائي البدوي الاصل ورفض صاحبه البيع الا انه وافق على بيعه بمبلغ ثلاث ملايين دينار عندما علم انه لموكب حسيني، اما (الرواك) فاشتريته من السماوة باربعمائة وستون الف دينار، والفرش من قضاء الشطرة والعدل (النشرة التي تعلق في بوابة بيت الشعر) فاشتريتها من مدينة شيراز الايرانية.
ويكمل انه اشترى القدور (الصفرية) من منطقة الميدان ببغداد بمبلغ 4800 الف دولار ونقشت عليه اسم الموكب والقمقم سعر الواحد منها بستة ملايين دينار والكعود من قضاء سفوان بالبصرة وكذلك اشتريت من الميدان سماور فرنسي عمره 80 عاما بمبلغ 1200 دولار ومنسف يصل عمره الى مائة عام مع معدات اخرى بمبلغ مليون ومائتين وخمسون الف دينار، وايضا اشتريت الكثير من الاواني القديمة النحاسية والجلدية صار بمبلغ اجمالي وصل الى حوالي 30 مليون دينار، ما اضفى على بيت الشعر الاجواء التاريخية التي كان يعيشها العرب قبل اكثر من الف عام.
ويبين ابو مسلم ان الكثير من الزائرين وخاصة الخليجيين يجذبهم بيت الشعر ويجلسون لمدة طويلة بعد تناول الطعام لرغبتهم في التمتع بتلك الاجواء، كما اعتاد زائرون خليجيون وايرانيون كل عام على الحضور الى الموكب والجلوس فيه حتى في اوقات لا يكون فيها توزيع طعام، واصبح بيت الشعر دلالة للسائرين ومكان للتواعد للسير سويه، مبينا ان العديد من زبائن الموكب الدائميين قاموا باهداء الموكب معدات نحاسية وحاجات تراثية، كان آخرها سيف جلبه احد الزائرين من قرب مرقد السيدة رقية بنت الحسين (عليهما السلام).
قاسم الحلفي - البصرة
تصوير: عمار الخالدي
أقرأ ايضاً
- 400 مليون دولار خسائر الثروة السمكية في العراق
- هل ستفرض نتائج التعداد السكاني واقعا جديدا في "المحاصصة"؟
- "بحر النجف" يحتضر.. قلة الأمطار وغياب الآبار التدفقية يحاصرانه (صور)