بقلم: أياد السماوي
في زمن النظام الديكتاتوري المجرم كانت الديمقراطية والانتخابات وحرية الرأي وحق التظاهر , ضربا من ضروب المستحيل أو هي أحلام مستحيلة التحقيق بالنسبة لنا نحن العراقيون , وكثير منّا كان يتمّنى أن يعيش يوما واحدا ليشاهد نهاية الديكتاتور المجرم , وللأسف أنّ العديد من الأصدقاء والأحبة رحل دون أن يشهد نهاية هذه الحقبة المظلمة من تأريخ العراق وبداية ما يسّمى بالنظام الديمقراطي , ولا زالت ذاكرة الشعب العراقي تختزن مشاهد تلك الطوابير من الناس وهي تدلي باصواتها في أول انتخابات ديمقراطية حقيقة يشهدها العراق في العصر الحديث , وكانت مشاعر العراقيين حينها أنّ المستحيل أصبح ممكننا والأحلام التي كنّا نعتبرها ضربا من ضروب المستحيل قد أصبحت واقعا ملموسا نمارسه , وكان الجميع يتطلّع إلى بداية عصر جديد يعيش به الإنسان العراقي حرا في تفكيره وفي اختياره بدون خوف ويمارس حقّه الانتخابي بكل شفافية كما يحصل في بلاد الغرب الكافر , لكنّ هذه الفرحة بالنظام الجديد لم تدم طويلا , اذا سرعان ما تحوّلت هذه الديمقراطية الوليدة إلى أكذوبة تمارسها إحزاب السلطة لإحكام سطوتها على مقاليد الأمور ولتبدأ مرحلة أكبر عملية نهب للمال العام يشهدها العالم بأسره , ولربّ سائل يسأل ويقول وما الجديد في هذا الموضوع ليطلّ علينا السماوي بهذه الجنجلوتية العقيمة ؟ والحقيقة أن الانتخابات البرلمانية العامة التي جرت يوم أمس في الدنمارك هي مبعث هذه الجنجلوتية , وهي لا تعدو أكثر من حسرات وزفرات في الصدر.
يوم أمس الخامس من حزيران جرت في الدنمارك الانتخابات البرلمانية العامة , وقبل الانتخابات بأيام وصلت بطاقات الانتخاب إلى كل فرد يحمل الجنسية الدنماركية عن طريق البريد , والانتخابات في الدنمارك تجري بين كتلتين انتخابيتين , الأولى تمّثل أحزاب اليمين واليمين المتطرف والثانية تمّثل أحزاب الوسط واليسار , وفي كل انتخابات تكون المنافسة حادة بين الكتلتين , والكتلة التي تحصل على النصف زائد واحد هي التي تشّكل الحكومة بالكامل وهي التي تترأس البرلمان كونها الأغلبية , والكتلة الأخرى تذهب إلى مقاعد المعارضة , فمثلا في الانتخابات الماضية فازت كتلة اليمين بفارق مقعد واحد عن كتلة اليسار وشّكلت الحكومة بالكامل , وفي انتخابات يوم أمس فازت كتلة اليسار فوزا ساحقا وبفارق ستة عشر مقعدا , ليس هذا ما أردت قوله بل أردت أن أنقل للشعب العراقي كيف جرت هذه الانتخابات وكيف يمارس العالم الحر حرية الاختيار والانتخاب.
في الساعة الثامنة صباحا بدأت العملية الانتخابية وبدأ الناس يتوافدون منذ الصباح الباكر على صناديق الاقتراع , وفي الساعة الثامنة مساء قفلت صناديق الاقتراع في عموم الدنمارك , لتبدأ في الساعة الثامنة ودقيقتين عملية فرز الأصوات وهي عملية الكترونية بالكامل لا سلطة فيها لفاسد أو مرتش وضيع , والشعب الدنماركي كان يتابع لحظة بلحظة نتائج الفرز أولا بأول عن طريق التلفزيون بما فيهم زعماء الاحزاب السياسية المتنافسة.. في الساعة الحادية عشر مساء وبعد أن تجاوزت نسبة الفرز تسعين بالمئة وبات مؤكدا فوز كتلة أحزاب اليسار , اتصل رئيس الوزراء بزعيمة تحالف اليسار ليهنئها بفوزها وغادر مكتبه متوجها إلى البرلمان ليقلي كلمة للشعب الدنماركي يعلن فيها فوز تحالف اليسار وحتى قبل إعلان النتائج النهائية في الساعة الثانية عشرة ليلا , عملية العد والفرز وإعلان النتائج النهائية استغرقت أربع ساعات فقط.. لم ينتظر الشعب الدنماركي أياما وأسابيعا لمعرفة نتائج الانتخابات.. ولم يشتكي أحدا من وجود حالة تزوير في أي مركز انتخابي في عموم الدنمارك.. ولم يعلن عن صناديق وهمية ومراكز وهمية وتلاعب في الأصوات.. كما ولم يعلن عن تلّقي موظفين كبار في الهيئة المشرفة على الانتخابات عن رشاوى بملايين الدولارات.. ولم تسّجل حالة عطل جهاز واحد من الأجهزة التي استخدمت في نقل البيانات.. كما ولم تذهب هذه البيانات إلى دولة أخرى ثم تعود بعد ذلك للدنمارك.. ما أودّ قوله ما الذي ينقصنا في العراق لبلوغ هذا المستوى من النزاهة والشفافية ؟ ولماذا سرقت أحزاب السلطة الحاكمة فرحة الشعب العراقي بحقه بالانتخاب والاختيار ؟ وهل سنصل يوما إلى تحقيق هذا الحلم ؟.. ختاما أقول.. آه لأحلامنا الضائعة.
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً