حجم النص
كان نشوء الأحزاب الإسلامية في العراق في نهاية الأربعينات كحركة الإخوان المسلمين وفي خمسينات القرن الماضي كحزب الدعوة الإسلامية كرد فعل على انتشار الأفكار الماركسية بالدرجة الأولى، وقد تصدت المرجعية الشيعية في ذلك الوقت للرد على الأفكار الماركسية والأفكار القومية اليسارية كفكر حزب البعث العربي الإشتراكي وذلك بإصدار مجموعة من الكتب الفكرية للسيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس) ككتاب فلسفتنا واقتصادنا والبنك اللاربوي في الإسلام وغيرها. استلهمت الأحزاب الشيعية عند أول تأسيسها افكارها ومناهجها الإسلامية في مجال الحكم من حركة الإخوان المسلمين وحزب التحرير الإسلامي، فكان كتاب معالم في الطريق للسيد قطب وشبهات حول الإسلام لمحمد قطب وكتاب (الخلافة) الذي تسمى ب(نظام الحكم في الإسلام) لتقي الدين النبهاني من المصادر الأساسية في فترة الستينات والسبعينات لرسم المنهج السياسي للحكم الإسلامي سواء بالنسبة للأحزاب السنية أو الشيعية في العراق. بالنسبة للأحزاب الشيعية الإسلامية فأن منهجها لا ينفك عن المتبينات الفكرية للفكر الشيعي الذي تطور خلال فترة أثني عشر قرناً من خلال استمرار فتح باب الإجتهاد. فنشأت مدرستين أساسيتين شيعيتين ضمن أجواء الحوزة العلمية في العراق ولبنان أولاً ثم في إيران. فكانت احدى المدرستين تتبنى نظرية ولاية الفقيه والنظرية الاخرى لا تتبنى هذه النظرية وانما تحدد ولاية الفقيه ضمن مساحات محددة تتمثل بالقضايا الفقهية العبادية وقضايا المعاملات للمقِلد لذلك الفقيه، فضلاً عن اعطاء الفقيه الحق بالولاية في بعض الامور المصيرية والمفصلية والمهمة في حياة الأمة. لقد تبنت إيران والمرجعيات الشيعية في إيران مبدأ ولاية الفقيه العامة. أما أغلب العلماء في العراق فلم يتبنوا هذا المبدأ، لذلك نجدهم لم يتدخلوا في سياسة الدولة إلا في الامور المصيرية والمفصلية والمهمة في حياة الأمة. ولا نريد في هذا المجال ان ندخل في تفصيلات منهج حزب الدعوة الإسلامية أو المجلس الأعلى أو التيار الصدري وذلك لسبب بسيط، وهو أن جميع هذه الجهات قد تخلت عن آيديولجيتها ومنهجها الفكري للحكم حين دخلت العملية السياسية، واكتفت بوضع فقرات في الدستور تؤكد على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام وهو مصدر أساس للتشريع ولا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام، وأما منهجها السياسي فقد انحصرت أهدافه على وصول أفراد هذه الأحزاب والتنظيمات والتيارات للمشاركة في إدارة شؤون البلد، كأعضاء في مجلس النواب وكوزراء ووكلاء وباقي المناصب القيادية في الدولة والحكومة. وهنا نستطيع أن نزعم أنه وللأسف الشديد لم تكن مشاركة هذه الجهات في حكم البلد ناجحة في تطوير البلد من النواحي السياسية والإقتصادية والإجتماعية. فمشاركة هذه الجهات اعتمدت على عنصر المنصب الحزبي وليس الكفاءة في الإدارة أو النزاهة أو التخصص في المجالات المختلفة لتولي المناصب التنفيذية إلا بمقدار محدود وضئيل. واستطيع في هذا المجال أن أزعم أن البلد قد تراجع الى الوراء بشكل كبير وبالذات خلال السنوات الثماني الماضية من ناحية توفير الخدمات مقابل المبالغ المالية الكبيرة التي صرفت، وفي مجال توفير الأمن للمواطنين، وفي مجال القضاء على الفساد المالي والإداري والذي إستشرى بشكل كبير، بل ألادهى من ذلك كله هو تعميق الخلافات الطائفية، حيث أن الفئة الحاكمة حينما فشلت في تحقيق التطور والرخاء وألامان خشيت أن يفقدها هذا الفشل التأييد اللازم للفوز في الإنتخابات لذلك أتبعت سياسة تعميق الخلافات الطائفية والإيحاء أنها الجهة القادرة على حماية الطائفة قبال الطوائف والأعراق الأخرى. لقد أثرت هذه السياسة على المواطن بشكل كبير، فلم يسع المواطن لانتخاب الأصلح والأكفأ في إدارة البلد بغض النظر عن انتمائه الطائفي والعرقي، بل أخذ كل مواطن ينتخب من يمثله من طائفته وعرقه، ولا يتحرى إلا بما يحققه من ينتخبه من وعود يبثها في قدرته عن الدفاع عن الطائفة والعرق، فأدى ذلك الى تدهور البلد ضمن كافة المجالات وعلى كافة المستويات. وفي قبال هذا المنهج الواقعي وعلى الأرض في حكم البلد من قبل الأحزاب الإسلامية نجد أن المرجعية الدينية الشيعية قد تحركت بدرجة عالية من الوعي واستطاعت ان تحقق إنجازات إيجابية كبيرة على الارض قبال فشل الأحزاب الإسلامية. فأول عمل قامت به المرجعية هو الإصرار على كتابة دستور للبلد من قبل مجلس تشريعي منتخب. الامر الثاني هو حماية البلد من تداعيات الصراع الطائفي الذي كان من الممكن أن يشعل البلد من حرب طائفية مدمرة وبالذات بعد تفجير مرقد الإمامين العسكريين(ع) في سامراء. (في إحدى المناسبات عندما زرنا آية الله السيد السيستاني وكان الوفد يتشكل من شيعة وسنة، فقلنا له: إن فلان من إخوتنا السنة، فقال: لا تقولوا ألسنة إخوتنا، بل السنة أنفسنا) (وفي زيارة أخرى خاصة حينما لمحت له متسائلاً: أن ألإئتلاف الموحد ذو صبغة شيعية وهو مما يعمق النزاع الطائفي، قال: أنا لم أرد أن يكون ألإئتلاف بشكله هذا، إنما أردته أن يكون إئتلافاً شيعياً وسنياً، إسلامياً ومسيحياً، عربياً وكردياً وتركمانياً، وأردت أن يدخل فيه بعض ألأشخاص ألوطنيون ليبعدوا عنه هذه ألصبغة ألشيعية الطائفية) الامر الثالث هو إعطاء الموافقة على مجموعة من الأسماء المقترحة لرآسة الوزراء عام (2004)،أن هذه الموافقة لم يكن تأثيرها كبيراً في ذلك الحين ولكن أصبح تأثيرها كبيراً جداً عام (2014) حينما كاد البلد أن يتحول نظامه الديمقراطي الحر الى نظام دكتاتوري مستبد، وتمثل هذا الأمر بإصرار رئيس الوزراء السابق السيد نوري المالكي على الإستمرار بحكم البلد مع كل الإخفاقات والتبعات السلبية الكبيرة على كافة الأصعدة والنواحي الإقتصادية والإجتماعية والسياسية خلال سنوات حكمه الثمان.ولكن موقف المرجعية الدينية الحازم كان له الدور الأساسي والمفصلي في القضاء على الدكتاتورية والتي لم تكن نتاج توجهات شخصية لشخص الحاكم فحسب بل الذي ساعده عل هذا الأمر هو قيادته لحزب اسلامي شمولي، فالخصائص التي تمثلت فيها الأحزاب الشمولية غير الإسلامية لا تختلف كثيراً عن الخصائص للأحزاب الإسلامية لنشوء الدكتاتورية. فكما ولدت الشيوعية دكتاتوريات تاريخية كستالين وتشاوتشيسكو، أو الأحزاب الفاشية التي ولدت دكتاتوريات هتلر وموسوليني، أو حزب البعث العربي الإشتراكي الذي ولد صدام حسين. فالأحزاب الإسلامية الشمولية سواء كانت شيعية أو سنية نجد انها توفر البيئة لنشوء دكتاتوريات مستبدة. ولكن لحسن حظ العراق وجود مرجعيات إسلامية حكيمة استطاعت أن توقف مثل هذه التداعيات في الوقت المناسب. قد يتساءل البعض، لو تولى شخص من المجلس الاعلى أو من التيار الصدري الحكم في البلد فهل يمكن أن تنشا دكتاتورية مستبدة كالتي كان يمكن أن تكون لو استمر حاكم من حزب الدعوة الإسلامية في الحكم؟ نستطيع أن نقول أن الإحتمالات ستكون أضعف بكثير وذلك لإلتصاق المجلس الاعلى والتيار الصدري بدرجة اكبر بالمرجعيات الدينية الشيعية. فالمرجعية الإسلامية الشيعية لها عمق تأريخي يتجاوز الألف عام، وقيادة المرجعية الشيعية للأمة عقيدة راسخة في ضمير الأمة، لذلك نجد أن قيادة حزب الدعوة قد توجهت قبل بضعة اشهر بسؤال المرجعية ان كانت راضية ببقاء الحاكم أم انها تريد إزاحته، فأفتت المرجعية بإزاحته، والتزمت هذه القيادة بقرار المرجعية، فأزيح المالكي من رئاسة الوزراء ونصب السيد حيدر العبادي رئيساً للوزراء، ولعل هذا الحدث دليل على ابتعاد حزب الدعوة عن متبيناته السابقة في وجوب قيادته للأمة، وأن الفقيه الأولى بألإتباع هو فقيه الدعوة وليس مرجع الأمة، واقراره بارجحية رأي المرجعية الدينية في القضايا المصيرية والمفصلية للأمة. في تصوري يعتبر هذا التطور أعظم إنجاز حققته الأحزاب والحركات الإسلامية في التعامل مع المرجعية الدينية كصمام امان يحمي الامة في الأوقات المصيرية والمفصلية من حياة الأمة. المعضلة الأخرى التي اشتركت فيها اغلب الجهات السياسية من إسلامية وغير إسلامية في العراق هي التعامل مع المناصب التنفيذية وبالذات الكثير من الوزارات والهيئات المختلفة، حيث تعاملت مع هذه الوزرات والهيئات على اعتبار انها مصدر مالي لتمويل هذه الجهات السياسية، وللأسف الشديد اصبح هذا الأمر ثقافة واقعية، واخذت اكثر الجهات والأحزاب السياسية تتمادى في الفساد لتمويل الحزب أو الجهة السياسية، ويضطر ذلك الحزب أو الجهة السياسية السكوت عن فساد الجهات السياسية الأخرى، بل اضطرت هذه الجهات السياسية الدفاع عن وزرائها المفسدين لأنهم غدوا مصدر تمويل ذلك الحزب او تلك الجهة الساسية، للأسف استطيع ان اقول أن ذلك كان منهج أغلب الجهات السياسية وألأحزاب الموجودة في السلطة، وكان ذلك سبباً لأن يغرق البلد في مستنقعات الفساد وأن تفشل الحكومة في تطوير البلد مع وجود إمكانيات مالية ضخمة وكبيرة، واستطيع أن ازعم أن البلد قد تراجع ألى الوراء خلال اثني عشر عاماً من القضاء على نظام صدام حسين على كافة الأصعدة مقارنة بالموارد المالية الضخمة التي دخلت ميزانية البلد خلال هذه الفترة. ختاماً يمكن تلخيص الأمر والإدعاء بأن الإسلاميين قد حكموا العراق كحكم ثابت ومستقر لفترة تجاوزت الثمان سنوات ولكنهم فشلوا في تطوير البلد وتوفير الخدمات وبسط الأمن والعدل والقضاء على البطالة،والقضاء على الطائفية، بل تعميق الطائفية مع العلم أن الاسناد السياسي الدولي الذي حظيت به الدولة العراقية منذ عام (2003) لم تحظ به أي دولة في تاريخنا المعاصر كما أن الموارد المالية الضخمة قد تجاوزت الترليون دولار خلال ثمان سنوات ولكن النتيجة للأسف الشديد هي الفشل. لا نريد أن نناقش الآيديولوجية الإسلامية في الحكم فهذا ألأمر يحتاج إلى مجلدات عديدة وبالذات إن أخذنا وجهتي النظر الشيعية والسنية، والحقيقة إننا في غنى عن هذا البحث ولسبب بسيط، وهو تخلي الطرفين وهي الأحزاب الإسلامية الشيعية والسنية عن إطروحتهم الإسلامية الشيعية والسنية في الحكم في عراق اليوم، البديل المطروح حكومة مدنية وهو ما يطبق في عراق اليوم فعلاً، ولكن لم تنجح هذه التجربة إلى حد الآن، والسبب إن الإسلاميين تبنوا منهجاً غريباً، حيث اعتبروا ان تصديهم للحكم كأنه أمر إلهي، لقد إقتصرت نظريتهم في أن يتصدوا للسلطة، وهذا جهل كامل بألإسلام، لقد سألت الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قدس) عام ١٩٧٦ عند رجوعي من سفرة إلى بريطانيا، لماذا هناك تميز في بعض صفات المواطنين في الغرب نفتقر إليها في الشرق، فأجابني السيد الشهيد (قدس) إن الحاكم في الغرب يعمل بإخلاص من أجل مصلحة المواطن، فينعكس هذا على سلوك المواطن في تعامله مع الدولة ومع الحاكم ومع المواطنين الآخرين ويتحول هذا السلوك بمرور الوقت إلى حالة من (المراس الحضاري)، وهذه أول مرة أسمع بهذا التعبير الذي إستخدمه السيد الشهيد في ذلك الزمن، أما في بلداننا (والكلام للسيد الشهيد)فالحاكم هو عدو الشعب وهذه العلاقة العدائية تنعكس بشكل سلبي على العلاقة بين المواطن مع الدولة ومع الحاكم ومع المواطنين الآخرين. للأسف كنا نتوقع بعد سقوط الطاغوت ومجيء الإسلاميين إلى الحكم أن يتصرف الحاكم من أجل مصلحة بلده كما يتصرف الحاكم في الغرب، ولكن الحاكم الإسلامي رأيناه (كصدام مصغر)، لذلك من الطبيعي أن تستمر المعاناة ويستمر الظلم ويستمر التدهور ويستمر الفقر ويتفشى الفساد والإرهاب وقتل الأبرياء، إنه إمتحان كبير للإسلاميين، للأسف الذين تصدوا منهم خلال السنوات الثمانية الماضية تصرفوا خلاف المباديء الإسلامية العظيمة وخلاف منهج الشهيد الصدر الذي يزعمون انهم على خطه ومنهجه. أنا أريد أن أناقش الأسلاميين حسب متبنياتهم الفكرية؛ أيهما أفضل حاكم إسلامي يسرق، أم حاكم غير إسلامي نزيه؟، أيهما أفضل حاكم إسلامي ظالم، أم حاكم غير إسلامي عادل؟، لقد افتى الكثير من الفقهاء في فترة تاريخية سابقة (أن الحاكم الكافر-وليس المسلم- العادل خير من الحاكم المسلم الظالم)مانفع الحاكم الإسلامي السارق ومانفع الحاكم الإسلامي الظالم، بل ما نفع الحاكم الإسلامي الذي لا يعرف كيف يدير البلد. البديل عطفاً عما ذكرناه سابقاً فضلاً الإستفادة من تجربة الإثني عشر سنة السابقة يمكن طرح بديل للوضع القائم منذ عام ٢٠٠٣، وفي تصوري هذا البديل لا يكتمل إلا بمشاركة المواطنين الأعزاء، حيث من المهم أن يدلي كل بدلوه وبعد فترة يمكن تجميع كل هذه الأفكار لطرح البديل المتكامل الذي سيكون نتاج ثلة من المواطنين الأعزاء وليس رأي شخص واحد، يمكن إرسال آرائكم إلى الموقع التالي: [email protected] لتضمينها في المقال النهائي في العراق اليوم هناك مشكلتين أساسيتين مرتبطتين بحكم الإسلاميين في العراق، المشكلة الأولى مشكلة أمنية وآيديولوجية متمثلة بفكر داعش وإحتلالهم لثلث مساحة العراق، ويرتبط بهذه المشكلة ملفين شائكين، ملف الطائفية السياسية وملف حزب البعث المنحل، والمشكلة الثانية مشكلة الفساد ويرتبط بها ملف السلطة التنفيذية وصلاحياتها وألأساس المعتمد في تشكيلها؛ وتدخل ضمن هذه الملفات الثلاث دور المرجعية الدينية الأيجابي وبالذات في ملف الطائفية السياسية وملف التعامل مع السلطة التنفيذية، ونتناول هنا هذه الملفات الثلاث لتتضح صورة الوضع البديل ضمن ملف حكم الإسلاميين في العراق: ١.ملف الطائفية السياسية: افضل شخص تعامل بأعلى درجة من الوعي هو آية الله العظمى السيد علي السيستاني دام ظله، وقوله المشهور (لا تقولوا إخواننا السنة، بل السنة انفسنا)، واكثر من ذلك فإنه في لقاء الدكتور حسين الشهرستاني والشيخ عبد الحليم الزهيري بالسيد محمد رضا السيستاني في الشهر الأول من عام ٢٠١٣ نقل السيد محمد رضا السيستاني عن والده اية الله السيد علي السيستاني إثني عشر مطلباً، من أهمها التجاوب مع مطالب المتظاهرين في الأنبار والحويجة وصلاح الدين وعدم وضع الشرطة الإتحادية والجيش بمواجهتهم، بل الشرطة المحلية، حيث إذا وقع معهم صدام لا يتحول إلى صراع طائفي حيث سيكون الصدام بين السنة انفسهم فلا يأخذ بعداً طائفياً، ولكن المالكي أيغالاً في إشعال الحرب الطائفية لم يكتف بإرسال الجيش لمواجهة إعتصامات الحويجة في الشهر الثالث من نفس السنة، بل أرسل قوات سوات المرتبطة مباشرة به، وبعد أن تأكد أن المعتصمين لا يمتلكون سلاحاً في ساحات الإعتصام، أوعز إلى الجيش وقوات سوات بفتح النار عليهم فقتل حوالي السبعين منهم وجرح حوالي الثلاثمئة، إنه الإيغال ليس بإشعالها حرباً طائفية فحسب، بل هي رسالة من المالكي لآية الله السيستاني، “أنت تسمي السنة أنفسنا وأنا هكذا أتعامل معهم”، هذه السياسات من الطبيعي أن تثير المشاعر الطائفية، وأن تجعل الكثير من السنة ممن قتل إخوانهم وآباءهم من الأبرياء ظلماً وعدواناً أن يتعاطفوا مع داعش، ولكن منهج داعش أسوء من منهج المالكي، لذلك وقع الكثير من السنة بين نارين نار داعش ونار المالكي؛ تشكلت لجنة التوازن لإعادة النظر في التعيينات وإيجاد حالة من التوازن، في الحقيقة نجد أن تشكيل مثل هذه اللجنة ومهامها هو تكريس للطائفية، يجب إلغاء مثل هذه اللجان وتبني معايير الكفاءة في التعيينات، وبشكل طبيعي إن تم التعيين إستناداً إلى الكفاءة بشكل جدي فسيتحقق التوازن. كما يجب سن قانون من قبل مجلس النواب بالنسبة للتمييز على الأسس العرقية والطائفية، حيث يجب فرض عقوبات شديدة على كل من يمايز بين الناس على اساس طائفي او عرقي في التعامل والتعيين وما يطرح في الإعلام وتصريحات المسؤولين، بل يجب متابعة ما يكتب في مواقع التواصل الإجتماعي ومعاقبة من يتبنى الخطاب الطائفي. لا يمكن إصلاح الوضع إلا بألتطبيق الفعلي والعملي لمقولة السيد السيستاني (السنة أنفسنا)، لو إلتزمت السلطة السياسية بهذا المبدأ وكان مطبقاً بحذافيره، هل كان بإمكان داعش دخول الموصل أو المكوث فيها؟؟؟ الجواب: كلا، و بالتأكيد سيكون الوضع مخالفاً بشكل كامل لما نحن فيه اليوم، بل أستطيع أن أقول بكل ثقة أنه كان من المستحيل على داعش أن تحتل الموصل وأن تتمدد في الأنبار، وما كان يمكن أن تكون هناك مجزرة سبايكر في صلاح الدين إن تبنت السلطة السياسية منهج السيد السيستاني في التعامل مع السنة….. نستنتج مما ذكرنا أن أهم ميزة للنظام البديل وبالذات الأحزاب الإسلامية الشيعية التي تشكل أكبر تجمع في البرلمان أن تتعامل مع المرجعية المتمثلة بآية الله السيد السيستاني كصمام امان وعدم الخروج عن توصياتها في القضايا المهمة والمصيرية للأمة، الحمد لله نجد أن الدكتور حيدر العبادي يتعامل مع المرجعية بشكل مناقض لمنهج المالكي في التعامل مع المرجعية؛ صحيح أن السيد السيستاني يلقب بالمرجع الشيعي، ولكنه لا يفكر بنفس طائفي بالمرة، أنا أعرفه، أنه يفكر بمصلحة جميع العراقيين بجميع طوائفهم وأعراقهم، وأنا متأكد بأن أغلب السنة والمسيحيين والكرد والتركمان يعرفوا هذه الحقيقة ولذلك فمن مصلحتهم جميعاً التعامل مع آية الله السيستاني كصمام امان للأمة في القضايا المصيرية، فهو أكثر شخص مدافع عنهم واكثر شخص قادر على حفظهم وحفظ مصالحهم ومصلحة البلد بشكل عام. ٢. ملف إجتثاث البعث:وإني أستميح عذراً من الأخ طارق الحلبوس في ذكر المحادثة التالية بيني وبينه عام ٢٠٠٦ عندما كنت وزيراً للإتصالات، ولا أظنه سيمانع من نشرها الآن لأنها تكشف ماكان يريد إيصاله إلى الحكومة في وقتها حيث كنت في ذلك الوقت ممثلاً للحكومة في التقريب بين الشيعة والسنة، وكان الأخ طارق الحلبوس ممثلاً لمؤتمر أهل الرمادي في عمان، وكان حديثاً طويلاً ومتشعباً، وكان مما قاله إن قضية إجتثاث البعث موجهة ضد السنة، فلم اوافقه الرأي وقلت له (أن إجتثاث البعث موجه ضد الشيعة والسنة على حد سواء، وإن الإجتثاث يرفع إذا ما قدم المجتث طلباً بذلك) فأجابني بألإيجاب ولكنه قال (ان الشيعي إذا رفع عنه الإجتثاث يتحول إلى إنسان موالٍ للحكومة بشكل كامل، أما السني فلأنه سني فإن ولاءه يظل مشكوكاً فيه، وتبقى قضية إجتثاث البعث سيفاً مصلتاً على رأسه تضربه الحكومة به متى ما شاءت ذلك) لم يقنعني كلامه في ذلك الوقت، ولكن بمرور الوقت ومن إطلاعي على أسلوب حكم المالكي عرفت أن هذه حقيقة واقعة، لذلك انا الشيعي من الذين كانوا أشد الناس عداءً لفكر البعث وحزب البعث، أستطيع أن أقول إن قضية إجتثاث البعث هي قضية غدت بسبب سوء تطبيقها موجهة ضد السنة بالدرجة الأولى، بل الأمر أوسع من ذلك، فقد إستخدم المالكي قضية إجتثاث البعث بشأن الشيعة في المناصب العالية في البلد لضمان ولاءهم له، فمن شك بولائه ضربه بسيف الإجتثاث، فهيهات للشيعي ضمن الماضي البعثي أن يفكر ولو للحظة أن يخل بولائه للمالكي، لقد بدأ عهد حيدر العبادي بإعادة النظر بقانون المسائلة والعدالة، وبقضية تجريم فكر البعث، لقد اصبح فكر البعث في قمامة التأريخ، وأصبح من المستحيل رجوع هذا الفكر المتخلف، ولا أظن أنه يوجد إنسان في العراق اليوم يدرس فكر البعث، ويبشر بهذا الفكر ويدعوا إليه، إن أول من إجتث فكر البعث وأول من حول أفراد حزب البعث من حزب سياسي يتبنى الطرح السياسي القومي العربي إلى زمرة من الأتباع والعبيد للحاكم هو المقبور صدام حسين، للأسف لا زال الكثير من سياسيينا اليوم يفكرون بالعواطف وبمشاعر الإنتقام. يجب أن تنتهي قضية الإجتثاث بعد دخولنا في السنة الثالثة عشر من سقوط نظام الطاغوت، يجب أن تتوقف عملية إستخدام قضية الإجتثاث سيفاً يستخدم لمعاقبة المعادين، ومجازات الموالين، وترويع من يفكر من الموالين بإتخاذ موقف مستقل، لقد آن ألأوان لتنتهي هذه المهزلة، وتحويل ملف الإجتثاث إلى القضاء، فمن أجرم بحق الشعب عوقب، وغير المجرمين يجب أن يتمتعوا بكافة حقوق أي مواطن، إن إستمرار قضية الإجتثاث لا توفر الأرضية الصالحة لتلاحم أبناء شعبنا ليكونوا يداً واحدة أمام عدوهم الداهم وعدوهم جميعاً متمثلاً بفكر داعش التكفيري الإرهابي الخارج عن الدين والمعادي لجميع المسلمين سنتهم وشيعتهم بل حتى لغير المسلمين من مسيحيين وأزيديين وغيرهم. ٣. ملف السلطة التنفيذية والفساد: لا يوجد من الإسلاميين اليوم من الشيعة أو السنة من يدعو إلى تطبيق الآيديولوجية الإسلامية في الحكم، ولا حاجة بالمرة حتي بالمنطلقات الآيديولوجية للإسلاميين أن يتولى السلطة التنفيذية إسلاميون، المهم أن يتمتع الشخص الذي يتولى ألمهمة التنفيذية بثلاث خصال، قدرات إدارية، كفاءة في مجال المهمة التنفيذية الموكلة إليه، والنزاهة. إن أي خلل في أي واحدة من هذه الخصال معناه خلل في أداء السلطة التنفيذية؛ للأسف نجد القليل جداً من الذين تولوا مهام تنفيذية في السابق ممن يمتلكون تلك الخصال الثلاث، وبالذات الخصلة الأخيرة وهي النزاهة. إن الحكام في الغرب والكثير من دول الشرق غالبيتهم يتمتعون بهذه الخصال الثلاث، وبذلك حصل هذا التطور الكبير على كافة المستويات في تلك البلدان. لقد تم التطرق إلى القضاء على الفساد في مقال سابق بعنوان (هل هناك إمكانية للقضاء على الفساد في العراق) وذلك لتبني إسلوب عملي وفعال للقضاء على الفساد، ويمكن إضافة المقترح التالي لما ذكر في المقال السابق؛ وارغب في هذا المجال بذكر الحادثة التالية التي حصلت معي عام ٢٠٠٩ لنتوصل إلى المقترح الذي سنذكره، حيث كما هو معلوم في مؤتمر مدريد خصص للعراق منح من دول متعددة بلغ مقدارها حوالي الخمسمئة مليون دولار، وقد تولى البنك الدولي بالتنسيق مع وزارة التخطيط توزيع هذه المنح إلى مختلف الوزارات، وأذكر أني عندما كنت وزيراً للإتصالات عام ٢٠٠٦،عينت مدير عام في دائرة التخطيط والمتابعة، إمرأة فاضلة (لم أذكر إسمها لعلها لا ترغب بذلك) تتميز بإعلى درجات المهنية والإخلاص والنزاهة، وكانت مسؤولة عن التعامل مع منحة البنك الدولي، وإستطاعت صرف كامل المبلغ لمشاريع في قطاع الإتصالات للوزارة، بل تم الطلب من البنك بزيادة التخصيصات فقام بتحويل تخصيصات من الوزارات الأخرى لوزارة الإتصالات، بحيث بلغ مجموع مشاريع الوزارة حوالي السبعين مليون دولار، وفي نهاية عام ٢٠٠٧ تركت الوزارة والتحقت بمجلس النواب. طلب ممثل البنك الدولي اللقاء بي في عام ٢٠٠٩ واخبرني أنه لم يبلغ كل ما صرف من منحة مؤتمر مدريد اكثر مئتي مليون دولار، وتبقى اكثر من ثلاثمئة مليون دولار سترجع خلال بضعة أشهر للدول المانحة، وهي خسارة كبيرة للعراق، وطلب البنك الدولي مني أن أتدخل مع وزارة التخطيط والوزارات الأخرى، لم أستطع فعل الكثير، ولكن ولله الحمد قامت الولايات المتحدة الأمريكية بالطلب من الدول المانحة تمديد المنحة لفترة أطول، الذي إكتشفته أن منحة مؤتمر مدريد تخضع لآليات البنك الدولي وإشرافه، وهذه الآليات لا تمكن المفسدين في الوزارة من الإستفادة والحصول على عمولات، لذلك يفضل الكثير من الوزراء إستخدام موازنة الدولة من أموال الشعب للإستفادة من العمولات والتضحية بالمنح لأنها لا تحقق لهم أي فائدة… ذكرت هذا المثال للإستفادة لطرح المقترح التالي، هذا المقترح يمكن تطبيقه من اليوم من قبل الدكتور حيدر العبادي لإيقاف عمليات الفساد، حيث يمكنه لجميع المشاريع التي تتجاوز قيمتها مقدار معين كخمسة ملايين دولار على سبيل المثال أن يعين شركة إستشارية عالمية للتأكد من أن مواصفات المشروع هي مواصفات عالية وعالمية، ومن ثم تتولى هذه الشركة الإستشارية العالمية تعديل آليات المناقصة بحيث لا يمكن ألإفساد وألإستفادة بطريقة غير مشروعة، وتتولى هذه الشركة الإستشارية الإشراف على كافة مراحل المناقصة، ولا تأخذ تلك الشركة إلا نسبة ضئيلة من كلفة المشروع لا توازي ما تحققه من فائدة للبلد، وإني أستطيع أن أقول بكل ثقة لو أنه أتبعت هذه الطريقة في مناقصات الدولة فإن كافة المشاريع ستنجز وبأعلى المواصفات ولن يكون هناك أي مشروع متلكئ ولن يقدر أي موظف الحصول على أي عمولة او رشوة او سرقة، ولكن في نفس الوقت يجب الإسراع بتشريع قانون الأحزاب وتخصيص مبالغ شهرية للأحزاب السياسية لكي يلقى هذا المقترح إسناداً من الأحزاب والجهات السياسية المختلفة. للأسف كان الوضع قبل مجيء الدكتور حيدر العبادي لا يتم التعامل مع الوزراء إلا على أساس الولاء، لذلك فإن مقولة المسؤولية التضامنية بين رئيس الوزراء والوزراء غير صحيحة، المطلوب من الأخ حيدر العبادي أن يشرف بشكل مباشر على كافة مشاريع الوزارات وأداء كافة الوزراء لكي تكون المسؤولية تضامنية ويشعر الوزراء أن تقيمهم يتم لأدائهم وليس لولائهم، فهكذا يجب أن يبنى البلد وهكذا يتطور ويتقدم ويزدهر……. بعد هذه المقدمة المطلوب من المواطن الكريم إغناء هذا البحث بمقترحات عملية من أجل إستكمال الدراسة وطرحها كبرنامج عملي لإعادة بناء بلدنا وإعمار ما خرب منه خلال الحقبة السابقة للنظام البائد والحقبة الحالية وبالذات الخراب الكبير لمفهوم الدولة والحكم والسلطات الثلاث خلال السنوات الثمان الماضية. يمكن إرسال هذه المقترحات إلى الأيميل التالي [email protected]
أقرأ ايضاً
- السفير الايراني لدى بغداد يعلق على انتخاب المشهداني رئيسا للبرلمان العراقي
- الإطار التنسيقي يصدر بياناً بعد انتخاب المشهداني رئيساً للبرلمان
- المشهداني في أول خطاب بعد انتخابه رئيساً للبرلمان: سنراقب الحكومة