حجم النص
ألقى فخامة نائب رئيس الجمهورية الدكتور خضير الخزاعي كلمة في المهرجان الحسيني الذي يقيمه سنويا مكتب الشيخ الدكتور همام حمودي بعنوان (الحسين يوحدنا) وفيما يلي نص الكلمة: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على محمد واله الطاهرين.. لانعطي لثورة الامام الحسين (ع) حقها بان نصفها بانها ثورة وقد لاننصف الحسين(ع) بان نصفه بانه ثائر بل هو صاحب مشروع حضاري شامل ومتكامل، تعاقد على ارساءه قوافل من الانبياء والاولياء والصالحين، وما جرى في كربلاء هو محطة من محطات هذا المشروع، وما جرى بين الامويين والامام الحسين هو صراع حضاري التحمت فيه قوى الجهل من الامويين يقابلها حشد من المؤمنين يتزعمه الرسول (ص)، ثم دارت عجلة الزمان واذا بامير المؤمنين يواجه ذات النزعة بقيادة معاوية، ثم يكمل الامام الحسين (ع) هذا الخط الرسالي الصاعد بمواجهته التيار الاموي. يقول عمار بن ياسر لعمرو بن العاص في صفين وبيده راية سوداء: لقد قاتلت هذه الراية في عصر التنزيل ثلاث مرات، يوم احد وبدر وحنين، وهاأنذا اقاتلها المرة الرابعة، وهذا يعني ان معركة الجهاد بين الكفر والجاهلية والايمان واحدة, من هنا يخطئ من يتصور اننا يجب ان نقتطع تاريخ منفصل له لافتة اسمها الثورة الحسينية، بل ان الثورة الحسينية هي الجزء الحيوي العظيم من المشروع الاسلامي الكبير ومن اراد ان يدرك معاني الثورة الحسينية فعلية ان يقرأ التاريخ قراءة جديدة وشاملة حتى يعرف محطات وتفاصيل المعركة الخالدة المستمرة. الامام الحسين (ع) ليس فقط وارث الانبياء والمرسلين حينما نزوره ونقول السلام عليك يا وارث نوح نبي الله الى ان نقول السلام عليك ياوارث محمد رسول الله هذه الوراثة ليست وحدها التي شكلت معالم الخط الحسيني وانما هناك قضية كبرى هي ان الامام الحسين إمامٌ بشهادة رسول الله وليس وارثا فقط بل حارساً اميناً على هذا المسار الحضاري الالهي، فتكليفه الرسالي ان يقوم على حمايته وحراسته مهما كلفه ذلك من ثمن, لذلك ادرك الامام ان هذه الحماية هي القادرة وحدها ان تعطل المشروع الذي انطلقت قوى الشر والظلام يوم غيرت تكتيكاتها واسلوبها. كان رسول الله قد اطلق على اذناب هذا المشروع (الطلقاء) الذين تحولوا الى منافقين، ومن يقرأ التاريخ يجد سورة كاملة تؤكد ذلك، وبعد ذلك اختفى هؤلاء المنافقين بسبب تغيير استراتيجيتهم، عندما دخلوا بخبث يطلق عليه البعض دهاءً في تفاصيل حياة الأمة ومناشطها ومحاولتهم أن يشكلوا لوبياً خطيراً في الامة وطابوراً خامساً يحاول القضاء على معالم الخط الرسالي من خلال اقصاء وتشويه الرساليين وقتل الصالحين تحت شعار "لله جنود من عسل". ولذلك وقف الامام الحسين هذه الوقفة الخالدة لكي يعلم الناس ان الثورة الحسينية تمثل استمراراً لهذا المشروع الحضاري القرآني، وان التضحيات التي قدمها هو واهل بيته واصحابه هي بعض استحقاقات وفواتير وضرائب التصدي لمشروع التحريف الكبير والخطير. ان نتائج المشروع الحسيني كانت تداعيات كبرى حولت الامة الاسلامية من كونها امة ارقام مهملة الى ارقام فاعلة في الاحداث بعد توالي الثورات والاحساس العميق الايجابي بالمسؤولية الشرعية مثل ثورة التوابين التي مثلت مثل غيرها من ثورات الضمير وفاء للدم الحسيني المراق بلون المعاناة والتضحيات. كتب الحسين معالم ثورته باحرف من نور الرسالة وبوضوح لا لبس فيه: اولا: نظافة الاهداف والوسائل؛ لذلك صرح في بيانه الاول "اني لم اخرج اشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً". ثانيا: تشخيص هوية الثورة؛ وهي الهوية الاصلاحية "انما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي رسول الله". هدف الاصلاح ليس لتغيير البنى التحتية للفكر الاسلامي في عملية انقلاب بل لتصحيح ممارسات خاطئة مارسها المنافقون الذين قفزوا على منبر رسول الله فارادوا ان يحولوا الاسلام الى فلكلور شعبي او اسطورة تاريخية أو في أحسن الحالات حضارة سادت ثم بادت، لذلك وقف الامام الحسين بوجهها لمبدأيته القرآنية الهاشمية بكل ما اتاه الله من قوة واصرار وأهل أعزاء ونساء طاهرات تحولن الى اسرى وسبايا بيد الامويين والمنافقين، ثم بنى آلية قديمة- جديدة وهي ترسيخ طلب الاصلاح في امة جده (ص) امراً بالمعروف ونهياً عن المنكر، اراد بها (عليه السلام) ان يعيد تشكيل العقل الاسلامي على مستوى الفرد والجماعة ثم رفع الحجب التي حاول اقامتها المنافقون عن انوار وشعاع سيرة جده وابيه بعيدا عن الشبهات لجعل الاقتداء بسيرة الصالحين ذاكرة ومنهاجا للامة، ودعوة دائمة لرؤية طريق الحق. اراد ان يرسم (ع) اوضح الطرق واكثرها يسرا وسهولة على الضمير العام للاقتداء بالنبيين والهداة المهديين ليقول للذاكرة والمستقبل: ان الخط هنا، وللذين يبحثون عن الحقيقة ان الطريق من هنا، فتبعه المخلصون من الناس الذين شاء الله ان يجعلهم من الفاتحين. السلوك الحسيني اعطى مفاهيم جديدة لتأكيد النظرية المعرفية للقرآن وسيرة جده وبدأت الثورة وكأنها حسب الشائع والمعتاد تسبح عكس التيار، ومن هنا نحتاج دائماً الى وقفة تاريخية متانية لفهم شخصية الحسين الذي خلف فهما جديدا ووعيا راكزاً لم يسبقه احد من العالمين ولم يجسده احد غيره من اللاحقين. فحينما ينطلق رجال الثورات وفرسانها يحشدون اكبر الحشود لها من الناس لكن الامام الحسين يقول للذين معه: "هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا"، فهو لايريد كمّاً بل يريد نوعاً وكيفاً. ويقول: "من لحق بنا استشهد ومن تخلف لم يبلغ الفتح". وما راينا احداً من الثائرين لم يمنِ اصحابه بالنصر وانما يبلغهم بالشهادة، لان فتحاً كبيراً هناك، وهو الفتح التاريخي الذي لون الحياة بالدم بلون التضحيات وبلون الرسل الذي رسمه الامام الحسين لكل الثائرين، فكل يوم من ايامه عاشوراء وكل شبر من ارضه كربلاء وهو يقول للاجيال التي تاتي من بعده واثقاً بلغة القرآن: لا للتحرف ولا للتزوير والتزييف ولذلك حيثما رأينا تحريفا وتزويرا وتزييفا يجب ان نقف هذه الوقفة وتحمل ما يترتب عليها من ضرائب واستحقاقات كبرى قدوة بامامنا الذي أبصر برؤيته القرآنية النافذة ان من تخلف عنه لم يبلغ الفتح، لذلك لم يفلح في هذا الفتح العظيم الا اثنان وسبعون فارسا، لم نجد في التاريخ افضل منهم؛ خيرة الاصحاب تحملوا الامر الصعب المستصعب الذي لا يطيقه الا ملك مقرب او نبي مرسل او مؤمن امتحن الله قلبه للايمان، لذلك كان اصحاب الامام الحسين اثنين وسبعين فارسا فقط. هذه الشخصية الكبرى التي شرفنا الله تعالى بالانتماء وبالولاء لها ينغبي ان تكون حاضرة في النفس والعقل والوجدان. كثيرة هي الشخصيات التي ارادت ان تكتب تاريخها بالمتاحف او النقوش الا الحسين الذي كتب تاريخه بدمه الطاهر وكان يدرك بعمق ان هذا اللون هو الانقى والاطهر والاكثر ثباتا وتاثيرا وعمقا. الحسين كتب تاريخه وخلوده بعمق الوجدان بدمه ثم كتب لها بتضاريس العقل اخاديد كبرى ظلت توحي للناس بان الطريق من هنا. في كل مكان عُرف فيه الحسين فأنه ينبض بالدم الحسيني الشريف، من جنوب لبنان الى ايران الى العراق الى البحرين ترى كل من اراد التغيير انتهج وسار بسيرة الحسين عليه السلام. نؤكد ان الطريق المعبد بالدم ينبغى ان يستمر لان هذه الثورة التاريخية هي ثورة الحسين وهي ثورة المحبة وستبقى ثورة مستمرة وخالدة على مدى العصور، وكان امير المؤمين (ع) قد ادرك ببصيرته الايمانيه ان يغير عاصمته من المدينة الى الكوفة، لانه (ع) يدرك جيدا ان العراقيين قادرون على حمل لواء الامام الحسين حتى وان فجر بقايا المنافقين مواكب زواره، ففي كل عام يزداد العدد لان هذا الشعب ليس له نظير وهو قادر على تغيير المعادلات، وسياتي اليوم الذي يخرج فيه مهدي ال محمد بأرض الكوفة ويلتحق العراقيون به فيملأ الارض قسطا وعدلا بعد ان ملئت ظلما وجورا. الحسين خلود، حب الحسين حضارة، جهاد الحسين اعادة صناعة للامة، وشعار الحسين يشرف كل من يرفعه: هيهات منا الذلة. السلام على الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين.
أقرأ ايضاً
- العتبة الحسينية تصل إلى نازحي الجنوب اللبناني في مناطق شمال لبنان(فيديو)
- تعرف على المناطق اللبنانية التي شملتها مساعدات مكتب السيد السيستاني يوم الأربعاء ٢٠٢٤/١٠/٩؟
- رئيس مجلس القضاء الأعلى يزور المحكمة العليا الروسية