وصنعت الهاتف النقال أمامي،وأعددت نفسي للطلب.. وخشيت أن أضغط على الرقم المطلوب
انتظرت طلباً مقابلاً، لكنه لم يأت،ولم أطلب ،ذلك ان الكلام عندي قد تعطل تماماً بعد سماعي بانفجارات كربلاء الدامية التي طالت الزوار الابرياء.
كان ابني قد اعد نفسة لتغطية هذه الزيارة اعلامياً، وواجبة يقتضي ان يكون هناك .. وفي ساعة التفجيرات.. كان يفترض ان يكون قد وصل كربلاء.
فأي قلب ابوي يتحمل الصبر .. ازاء ابن مسافر ،وفي المكان الساخن يحدث الأس وتعم الفجيعة وتسيل الدماء ... فهل يقدم الاب العجوز الى سماع صوت ابنه، وما الذي يحول ان لا يكون واحداً من الضحايا .. والضحية في العادة لا تستأذن الرحيل؟ بقيت اعاند نفسي بين معرفة شيء عن ابني المسافر الى كربلاء ، وبين احتمال الصبر عند سماع خبر مكروه ومأساوي؟
لم يكن بوسعي احتمال صوتة ، ولا صوت من ينوب عنه... واّثرت ان اطلبة بدلاًمن هذا القلق المر الذي احاط بي.. طلبته،قال النقال))قد يكون مقفلاً او خارج نطاق الخدمة)) وتوسلت الصبر ان يصبر .. وتوسلت الفضائيات، تطمئنني بخير.. وما كانت ال وقوداً يشعل فتيل الترقب الذي حملته...
وبهدف احتمال القلق على بني ،كنت اضغط على جهاز تغيير القنوات عند دخول أي فرد من افراد العائلة الى الغرفة...كنت لا أتقن حفظ السر، فقد بدا القلق على ملامحي، وصار الجميع يسألوني عن وصول ابني الى كربلاء ، وكنت أهز راسي مجيباً حتى لا انطق بكلمة تفضح قلقي ومن ثم قلقهم..
ما كنت لاصبر.. كتبت رسالة فلم تصل ، وهاتفت ولا يجيب .. فكيف استقر وأترقب النتائج وانا مسترخ، ومكيف أعد نفسي لاحتمال الفاجعة؟
كانت الاخبار تتواصل عن تفجيرات كربلاء .. حتى خشيت على كل الزوار من هذا الكرب وهذا البلاء الذي اقترن بهذه المدينة .. اسماًوواقعاً..
في الفجر العميق، تمكنت من سماع صوت ابني .. واطمأنت نفسي الى وصولة بسلام بعد الحادث بساعات ... فالطرق مقفلة واجواء الاتصالات مغلقة .. ولم يكن مفتوحاً سوى قلبي وجراح الشهداء الذين ماكانوا لينطفئوا لولا ان القسوة في النفوس وطبع التدني والفساد في عوالبمها...فهما من يزرع الجفاء مع الاخرين.. حد الموت، فيا للمصاب والبلوى والصبر..
أقرأ ايضاً
- ثورة الحسين (ع) في كربلاء.. ابعادها الدينية والسياسية والانسانية والاعلامية والقيادة والتضحية والفداء والخلود
- من كربلاء.. فلسطين برقٌ يلمع من جديد
- أقول لمن قال وهذا واقع الحال.. الإعلام غير منصف مع كربلاء.. نعم.. قلت حقاً ونطقت صدقاً