- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
انتبهوا .. لعّابة تقى ..أيتمها الكاتيوشا
تقى هذا هو اسمها أو تقاوي كما يحلو تسميتها لآية حفيدتي اليتيمة هي الأخرى التي اغتيل أبوها بوضح النهار حيث أفرغت أحدى العصابات أو شقاوات ما بعد التحرير من الذين لم يتفقوا على حكم الجائز وغير المباح أفرغت شواجير معبأة بالإطلاقات لتخرم جسده وثلاثة من المساكين معه الذين كانوا يكدحون من أجل لقمة يسدون بها أفواه أطفال بعمر الورود مثل آية ومحمد باقر وعبير ومصطفى وغيرهم كل ذلك من أجل أن يسكتوهم عن قولة الحق ويحتلوا هم الأماكن التي كان هؤلاء الراحلون يشغلونها وهي لا تستحق إراقة قطرة دم من ( طلي ) صغير ليس من إنسان محترم .
تقاوي .. ربما لا يمر يوم دون أن تزورنا إما زيارة عادية أو للمساعدة في أعمال المنزل إذ هي مغرمة بالعمل داخل المنزل من كنس وتنظيف وطبخ إذا اقتضت الضرورة ومساعدة ( خاله ) تستجيب لاستغاثتها لأن عذراء تنام أكثر مما تعمل وهي تعد كثرة النوم كسلا وإهمالا فتستنكره وتسخر من عذراء التي لا تتحمس كثيرا للقيام بالأعمال المنزلية
تحاول أن تلتزم كثيرا بحجابها فما أن تسمع صوتي حتى تهرع مسرعة لارتداء العباءة خصوصا عندما تفزعها آية ممازحة أو ساخرة منها أجه عمو أبو أسيل تهرول تتعثر تسرع في تناول العباءة لترتديها فهي ( امرية ) كبيرة .
ليس من السهولة واليسير لنا أن ننسى تقى . فكيف يكون ذلك وغالبا ما نردد ( راحت تقى إجت تقى ) . ورب سائل يسأل حين يكون هكذا حالكم فما حال أمها التي غالبا ما تردد هي إيدي اليمنة واليسرة أو هي إيدي ورجلي ـ وهذه الحقيقة تدركها الأمهات أكثر من سواها ـ وهي التي تنظر إليها بقلبها لا بعيونها كما نفعل نحن .
تحاول هي أن تنسلخ من براءتها أو تتمرد على سنواتها الإحدى عشرة لأنها تريد أن تكبر وتصبح أكبر وأكبر . وهي حقا أكبر من أناس كثيرين قد تصاغروا بعينيها بسبب أفعالهم الشنيعة المخزية إذ آثروا محاربتها . لِمَ يخشونها ؟ فإنها كانت تشدو في ليلة النصف من شعبان ( أيامكم سعيدة .. سعيدة ..سعيدة .. يا العدكم عقيدة ..عقيدة ) .. وتدور حول صينية المهدي التي ملئت بأصناف متعددة من الحلوى والشموع وكانت تشترك مع آية ومحمد باقر في تلاوة النشيد وهم يصفقون ويمارسون حركات فكاهية مقصودة يقهقه لها الجميع في البيت . كانت تدور ببدلتها البيضاء وللأسف لا تدري إن بعد ساعة أو اقل سيطرز الدم هذه البدلة بل يصبغها.
تصر تقى أحيانا على أن تتقمص شخصية المرأة الختيارة الكبيرة بالسن تتهيأ للمناسبات كثيرا سواء كانت هذه المناسبات سرائية أو ضرائية وتتوق وبشدة للذهاب إلى المتنزه أو إلى المطعم لتناول العشاء الراقي ولكنها أشد رغبة وأكثر شوقا للذهاب إلى زيارة العتبات المقدسة خصوصا في المناسبات الدينية والزيارات الخاصة . تلح على الذهاب إلى حضرة سيد الشهداء الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام وحين ترفض أمها تصر على أن تصاحب (خاله أم أسيل ) أو إحدى بناتها فترتدي إما الشال أو الربطة والعباءة والمعاصم وبعفة كاملة وتخرج مع النسوة للزيارة . تحاول أن لا تفوت فرصة . وهذه ليلة النصف من شعبان الليلة الجميلة المباركة الكل فرحان هذا يحمل شمعة وآخر يحمل غصن ياسمين والبعض يصفق حتى وإن اعترض البعض الآخر على التصفيق إذ أنه يذهب ببعض بهاء وجلالة وقدس هذه الليلة . فبعد أن احتفلت تقى في بيتنا ودارت حول صينية الفرح وأنشدت أيامكم سعيدة هي وآية ومحمد باقر قررت أن تذهب مع عمتها إلى الزيارة فمرة تسرع بالمشي وأخرى تبطئ تتسابق مع شيء لكنها لا تدري مع من تتسابق تريد أن تصل سريعا كأنها على موعد محتم لكن مع من وأين وماذا وكيف ؟ لا تعلم .
تلتقيها في الطريق أحداهن ..الله كأنك عروس ما هذه البدلة الحلوة .. ؟ فعلا هي عروس لكنها ليست كالعرائس اللواتي سيلتقين بشريك العمر ولعل هذه البدلة البيضاء الجميلة سيتحول لونها إلى لون آخر .. وهذا ما حصل وأصطبغت البدلة البيضاء النظيفة الجميلة بالدم القاني. لم تدم فرحة تقى لم تستطع أن تكمل رحلتها التي خرجت من أجلها وهي زيارة سيد الشهداء عليه السلام . فإنها لم تبلغ إلا منتصف الطريق
تسير بأمان واطمئنان كما يسير زوار ليلة النصف من شعبان دون أن يخطر على بالها بأن ثمة أشخاصا مجرمين يجلسون وراء منصة صواريخ ينتظرون مرور تقى وسلوان البالغ من العمر خمس سنوات والآخر الذي لا أعرف اسمه الذي بترت ساقه والأمهات الحاضنات رضائعهن فيطلقون بكل خسة وصلافة وإجرام الصواريخ على زوار جاءوا يجددون العهد مع أبي عبد الله الحسين عليه السلام .
وتسقط تقى على الرصيف دون أن يشعر بها أحد إلا خالها الذي أرعبه الموقف فيحضنها ويهرول وهو فاقد الشعور لا يدري أين يتجه لو لا سيارة الشرطة التي أسرع سائقها الشهم لينقلها إلى المستشفى إذ أن هنالك الموعد . وفي ظهر اليوم الثاني آن أوان الرحيل وفي الليلة نفسها تخبرني ابنتي وهي ترتعش وتهيل الدموع والتي لا زالت تعاني من الصدمة بأنها شاهدت تقى وقد فتحت عينيها ويبدو أنها كانت تنظر إليها لتحملها رسالة وهي تتساءل من فعل هذا بي ؟ ولم فعل ؟ ما الذنب الذي اقترفته ؟ لم هذا الصمت ؟ لم أنتم صامتون ؟ وإلام تبقون هكذا ؟ متى تتحطم هذه المنصات التي تطلق بها الصواريخ على رؤوسنا ؟ ومن سوف يحطمها ؟ لنبني محلها منصات يرتقيها الإنسان ليقول كلمته النافعة.
لم توصني تقى أن أكتب إليكم هذه الرسالة وحين ودعتها أنا وآخرون تواجدوا معي في وادي السلام ساعة وداعها ولم يتمالك أحد منا نفسه مثلما لم تكتفِ العيون بإغروراقها بل إنها والله صبت دموعا ساخنة كثيرة ونشج البعض نشيجا عاليا .
وكان يجب على أمها أن لا تصنع ما صنعته حين طلبت منا أن نواري ( لعابتها ) الثرى معها تلك الدمية الجميلة ذات الشعر الذهبي والوجه الجميل الذي ما رأيته حتى تذكرت صاحبتها التي كانت قبل أمس تلاعبها .
وقد عدت مع العائدين من دفن تقى والألم يعتصرني ونفسي تحدثني ويحيا التساؤل فيها: ما الذي يمكن أن نفعله لنحمي أطفالنا من السقوط المتوالي على الأرصفة بعد انطلاق الصواريخ ؟ لم أجد أي مجيب وأية إجابة وهذا ما يؤلم ولكن ما آلمني أكثر وجعل الوقع أقوى علي حين علمت عند المساء أن أم تقى بين أن تكون في حالة فقدان الوعي والشعور او الهستيرية أو أن تكون بكامل وعيها وشعورها ومصيبة جدا في رأيها عندما طلبت أن تقيم حفلا لتقى في اليوم الأول من مواراتها الثرى تحضره آية ومحمد باقر ليقطعا الكيكة ويوزعاها على الأطفال هنيئا لمن يحصل على قطعة من هذه الكيكة التي هي لمناسبة رحيل تقى . نرجو أن لا نزيد من هكذا مناسبة . رحم الله من شارك في الحفل حتى ولو بالبكاء ليكسر حاجز الصمت ويخترق كل الحواجز فيرضي تقى الشهيدة الصغيرة .
تركت تقاوي لدى أخيها لعبتها الجميلة ورحلت ولم تبال بكل شيء .وجدتُه متمسكا بها رغم أن عمره يضاعف عدد سنوات عمرها وكأنني أحسست أنه يعاتبها بانهمار دموعه الغزيرة ويخاطبها بنظراته لم فعلت هذا ؟ لم تركت أمي وحيدة حائرة لا تجد إلا النواح وخمش الخدود ؟ ومرة أخرى يعاتب أمه لأنها جلبت معها إلى هنا هذه اللعبة وقد أدمت بها عيون رجال يأنفون كثيرا من ذرف الدموع حين تصوروا أنها ستدفن معها .
كم تمنيت أن أحمل هذه الدمية وأجلسها أمام النكرة القابع في زوايا الحرامية المظلمة يتحين الفرص منتظرا جنوح الظلام ليفعل فعلته الشنيعة فيطلق صواريخه ليحصد أرواحا بريئة لأناس لا علاقة لهم بالسياسة ولا بالحرب ولا بالقاعدة ولا بالتنظيمات ولا بمنظميها المتكالبين على حيازة كرسي هزاز
أقرأ ايضاً
- الرزق الحلال... آثاره بركاته خيراته
- نتائج التسريبات.. في الفضائيات قبل التحقيقات!
- القرآن وأوعية القلوب.. الشباب أنموذجاً