- مقالات
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الوكالة، وإنما تعبر عن رأي صاحبها
لاننس المقابر الجماعية في يومها الوطني
ونحن نعيش في أجواء اليوم الوطني للمقابر الجماعية في العراق والذي يصادف ( 16 آيار) ، ليس من شك في أن جريمة المقابر الجماعية التي ارتكبها النظام السابق هي من الجرائم النادرة التي ارتكبت بحق الشعب العراقي ، ولم يشهد لها مثيلاً في التاريخ المعاصر ، وأن ابعاد تلك الجرائم وتداعياتها السياسية والاجتماعية ما زالت تشكل عبئاً ثقيلاً على الشعب العراقي من خلال ما خلفته من آثار إنسانية واجتماعية خطيرة ، كما أن بشاعتها والأساليب اللاإنسانية التي ارتكبت بها مازال لها آثارها النفسية الظاهرة في المجتمع العراقي بكل طوائفه وإثنياته . فهي أكبر حملة تطهير وإبادة جماعية مورست خلال ثلاثة عقود من حكم البعث بحق الشعبين العربي في الوسط والجنوب وبحق الكرد في إقليم كردستان ، لكن من جهة أخرى لايمكن لنا أن نشك في أننا كشعب وكحكومة لم نعط هذه الجريمة التاريخية حقها ، وتعاملنا معها باستخفاف غريب ، بل أننا أولينا اهتماما بجرائم لاتشكل شيئا إزاء جرائم المقابر الجماعية ، والتي خلفت لنا ما يقارب النصف مليون من الضحايا الذين غيبوا ودفنوا قهرا مع ما يقرب من ستة ملايين من اليتامى والأرامل والآباء والأمهات . وأعتقد أن الجرائم التي أعارتها الحكومة اهتماماً وجدت من يقف وراءها ويطالب بفتح ملفات لها ، أما جريمة المقابر الجماعية فهي (جريمة الشعب العراقي بأكمله ) ولذلك فهي لم تجد من هذا الشعب من يتصدى لها ويطالب بحقوق ضحاياها . فجريمة الأنفال تصدى لها أهلها في إقليم كردستان ومثلها جريمة الأنفال ، أما جريمة تصفية الأحزاب الدينية ، وجد حزب الدعوة طريقاً للثأر من النظام السابق ففرض على محكمة الجنايات الكبرى فتح ملف لها ، وكذلك الأحزاب العلمانية والدجيل وغيرها من الجرائم بل حتى الجرائم الشخصية كجريمة اختيال الشهيد طالب السهيل انبرت كريمته صفيهة السهيل وأجبرت المحاكم العراقية على فتح ملف قضائي لها ، الكل بادر للثأر لضحاياه من النظام السابق جماعات وأفراد وبقيت هذه الجريمة الكبرى وكأنها بلا أهل ولا مدعي ، وخاصة أن الشعب العراقي وهو يعيش حالة من التخلف في الوعي الاجتماعي والسياسي فقد القدرة على المطالبة بحقه ، وهذه الخاصية قد أراحت الحكومة العراقية وبعض الأحزاب الحاكمة ، فهي لا ترى من مصلحتها السياسية أن تتعامل مع هذا الملف بجدية لأن ذلك قد يضر بمصالحها التصالحية مع الكثير من الأطراف التي تحسب هذه الجريمة عليها
من وجهة النظر الديمقراطية ، أو من وجهة نظر الشعوب الأصيلة التي تتعرض لمثل هذه الجرائم الكبيرة ، ينبغي أن تبادر هيئة الادعاء في محكمة الجنايات الكبرى ، وتطالب الجهات المعنية بفتح تحقيق في تلك الجرائم ، وخاصة أن هناك الكثير من الأدلة وهي لا تحصى تبرهن على أن هناك جريمة كبرى حصلت في العراق عندما كان حزب البعث يحكم العراق تسمى ( المقابر الجماعية ) وأن هناك مجرمين قد ارتكبوا تلك الجرائم ، وأن ميادين ارتكاب تلك الجرائم موزعة على جغرافية العراق ، إذن عناصر الجريمة موجودة ( الضحية والجاني ومكان الجريمة ) ، كما أن وسائل الإعلام العالمية والمحلية لم تقصر في الكشف عن تلك الجرائم بشكل صارخ . لكن وللأسف الشديد لم تبادر المحكمة الجنائية الاتحادية ولحد هذا الوقت في العمل بمسؤوليتها والشروع في التحقيق . وكان من المفروض على الشعب ومن خلال مؤسسات المجتمع المدني أن يبادر هو للضغط على الحكومة أو المحكمة الجنائية للشروع بهذه المهمة الإنسانية ، لكن وللأسف الشديد وللأسباب التي ذكرتها آنفا وهي قلة الوعي وغياب ثقافة الدفاع عن الحقوق والنفس لدى الشعب العراقي بقيت هذه الجريمة كما هي تتعرض لإمكانية تناسيها
نعم بادر (مركز العراق الجديد للإعلام والدراسات) ومن خلال مؤتمرين دوليين أقامهما في لندن وفي النجف الأشرف أن يحرك المياه الراكدة لتلك الجريمة ، وهو ما زال يتابع أعمالة ونشاطاته حتى لا تموت تلك الجريمة ويحاسبنا الله والتاريخ ، وأستطاع ومن خلال إمكانياته المتواضعة أن يقنع الحكومة العراقية باقرار التوصية الثالثة لمؤتمر لندن ، وفعلاً صادقت الحكومة على اعتبار يوم 16 آيار من كل سنة يوما وطنيا للمقابر الجماعية في العراق
نعتقد أن الاحتفال بهذا اليوم الوطني هو مسؤولية كل الشرفاء من أبناء شعبنا العراقي ، فهو على أقل تقدير يذكرنا بمئات الآلاف من أرواح الأبرياء التي أزهقت ظلما على يد النظام المقبور ، ويجعلنا نستشعر أن الحرية والديمقراطية التي نعيشها اليوم لم تأت مجانا وأن ثمنها قد دفع مسبقا وهو ثمن كبير جداً ومنها فاتورة المقابر الجماعية ، وأعتقد أن الشعوب التي لاتنسى مظلوميتها وتعتبر منها وممن ظلمها لهي شعوب وحدها من تستحق الحياة . لنبقى نحتفل بهذه الذكرى الأليمة إلى أن تتهيأ لنا الظروف المناسبة للمطالبة بحقوق الضحايا وذويهم ونفتح ملفات تلك الجرائم التي أريد لها أن تموت لأسباب يدركها المخلصون من هذا الشعب
www.thenewiraq.com
مركز العراق الجديد للإعلام والدراسات في بريطانيا
أقرأ ايضاً
- القتل الرحيم للشركات النفطية الوطنية
- العراق وأزمة الدولة الوطنية
- ملاحظات نقدية على الاستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم في العراق 2022-2031