كان يمشي بأمان الله وهو الموظف البسيط في قضاء شهربان بمحافظة ديالى، ففجر الارهابيون عبوة ناسفة على المدنيين الآمنين وأصيب اصابة بالغة جدا، بترت جرائها ساقه وقطعت يديه الاثنين وفقد احدى عينيه، فصار لا يتنقل الا عبر عربة المعاقين، وجاءت الزيارة الاربعينية وهو الحسيني منذ نعومة اظفاره الذي ما ان سقط نظام الطاغية المقبور حتى سار الى كربلاء المقدسة على اقدامه، فكيف به الآن وهو بلا يدين ولا ساق ولا عين، ورغم ذلك اصر على الالتحاق بقافلة السائرون نحو الحسين (عليه السلام)، وكان له ما اراد وهو الذي ما زال يسير الى مولاه الحسين منذ (18) عاما، حتى ان البيت الشعري (لو قطعوا ارجلنا واليدين ..نأتيك زحفا سيدي يا حسين) ينطبق عليه قلبا وقالبا.
اصابة بالغة
اوقفنا "حسن خميس خاطر" الرجل المعاق من محافظة ديالى البالغ من العمر (50 عاما) الذي يدفعه ولده سجاد بعربة المعاقين على الطريق الرابط بين العاصمة بغداد ومحافظة كربلاء المقدسة، فأكد لوكالة نون الخبرية بالقول ان" اعاقتي جاءت نتيجة تفجير ارهابي بعبوة ناسفة على المواطنين الآمنين في السوق بقضاء شهربان في العام (2004)، واصبت به اصابة بالغة نتج عنها بتر ساقي الايمن وذراعي الايمن والايسر وفقدت احدى عيني، وانا منذ بدأت مرحلة الادراك عرفت الشعائر الحسينية حيث كانت تقام المحاضرات الدينية في المساجد والحسينيات وتسير مواكب اللطم والزنجيل في شوارع القرية، كما تقيم نسائنا مجالس عزاء حسينية نسائية في البيوت وكنا صغارا ونسمع القصائد واللطميات النسائية، وكبرنا وكبر معنا حب ابي عبد الله الحسين (عليه السلام)، وكان احد الخطباء هو ابن عمي الطالب الحوزوي، وفي نهاية العقد الثمانيني والعقد التسعيني ايام التضييق الامني والمطاردات، كنا نكتفي باقامة مجالس عزاء حسينية مصغرة في البيوت وبدعوة اشخاص محدودين وبدون مكبرات صوت او اشهار، وكذلك نحرص على زيارة ابي عبد الله الحسين (عليه السلام)، في العاشر من المحرم والاربعينية والنصف من شعبان، وكذلك في باقي المناسبات التي تخص وولادات ووفيات الائمة".
مرحلة جديدة
ويصف انفراج الامور ودخول العراق في مرحلة جديدة بعد زوال حكم الطاغية بقوله ان" المجالس الحسينية اصبحت تقام في الشوارع وقمنا بتسيير مواكب اللطم والزنجيل بين القرى وفي شوارع المناطق السكنية مثل مناطق الكيلوات والعنبكية، وخرج مئات الالاف من محافظة ديالى للسير نحو كربلاء الشهادة في اربعينية الامام الحسين (عليه السلام)، ورغم اعاقتي وفقداني لأطرافي وعيني الا اني قررت المسير الى حرم سيد الشهداء في اربعينيته، فسافرنا انا وزوجتي من ديالى الى النجف الاشرف بالسيارة في العام (2006)، ومنها جئنا الى كربلاء المقدسة بالعربة تدفعني هي لتساعدني على المسير، وعندما اشعر بالتعب اقوم بالسير بالعربة بمفردي دون الاستعانة بزوجي بطريقة عكس سير العربة اثناء دفعها بعد ان اضع قدم الرجل التي بقيت عندي في الارض وادفع العربة وانظر خلفي واسير مع الزائرين، ولدي اصرار كبير على مواصلة المسير رغم التعب والاجهاد والاجواء التي تكون اما باردة في الشتاء او حارة في الصيف، وبقيت على هذا الحال لسنوات عدة اقطع طريق النجف الاشرف بثلاثة ايام".
المسير من بغداد
تحول خط مسير "ابو سجاد" من النجف الاشرف الى العاصمة بغداد وعن اسباب ذلك يقول" لم اكن قد رزقت بذرية في السنوات التي تلت اصابتي، ثم رزقني الله بولدي "سجاد" وبعد ان كبر ولدي وصار عمره (12) عاما اخترت ان يكون مسيري من العاصمة بغداد قبل حوالي اربع سنوات، واسافر من ديالى الى منطقة الدورة في بغداد لانطلق منها سيرا بالعربة الى كربلاء المقدسة، ورغم فارق المسافة بين النجف الاشرف وبغداد وكربلاء التي تصل الى حوالي (25) كيلومتر، الا اني تعودت على قطعها بالعربة بمفردي او بمساعدة ولدي وقيادة العربة بطريقتها الطبيعية او بالعكس، واستمر بالمسير على طريق بغداد لمدة خمسة ايام وابيت في الموكب بعد ان يحل الظلام لأواصل المسير في اليوم التالي، واصبحت نموذجا لكثير من اهالي منطقتي فالتحقوا بمسيرة الزائرين معنا، وكثيرا ما اسمع كلمات الثناء والدعاء بالتوفيق من الزائرين الذين يسيرون الى كربلاء المقدسة، بل ان الكثير منهم يقبلون رأسي ويثمنون اصراري، وبالاخص عندما اسير بعربتي بالعكس واقودها بمفردي وانظر خلفي الى الزائرين"، بينما يقول ولده "سجاد" انه "عندما بلغت التاسعة من عمره رافقت والده بالمسير الى كربلاء المقدسة من مدينة النجف الاشرف بعد ان عرفت ان والدي رغم عوقه يسير الى كربلاء المقدسة بعربة المعاقين، وكنت قبلها أطلب منه مرافقته لكن ابي كان يخبرني بأنني صغير على هذه الامر، ورغم شعوري بالتعب في اول مرة واستغرابي لكثير من الامور مثل المبيت في المواكب او تناول الطعام والشراب في الطرق العامة واصوات الضجيج والتشابيه وغيرها من الصور التي لم اطلع عليها سابقا، فانا افخر بوالدي واصراره على المسير فقد زرع في نفسي حب الحسين (عليه السلام)، كما افتخر في مدرستي وانا طالب في الصف الثالث بما يفعله والدي وما علمني عليه".
قاسم الحلفي ــ كربلاء المقدسة
تصوير ــ عمار الخالدي
أقرأ ايضاً
- خاص للنازحين .. العتبة الحسينية تفتتح مركزا طارئا لغسيل الكلى في مستشفى رفيق الحريري (فيديو)
- فزعة "حسينية كربلائية" :العتبة الحسينية تأوي النازحين اللبنانيين واهالي كربلاء يساندون جهودها
- فيها تدريبات على جهازي "الروبوت" و"اريكو": العتبة الحسينية تقيم ورشة عمل للمعالجين الطبيعيين من عموم العراق