حجم النص
بقلم عبود مزهر الكرخي
ولو تأملنا في نهضة الحسين وما وقع في ملحمة الطف فهي ملحمة خالدة لم تماثلها أي من الثورات وحتى النهضات الأخرى وذلك لأنها نهضة سماوية كانت تستمد عنفوانها وخلودها من الله سبحانه وتعالى وكان مسددة من الله في سر ديمومتها وخلودها والحسين هو وراث رسالات الأنبياء والأوصياء فنحن عندما نزور الأمام الحسين(ع) ونقرأ زيارة وارث المأثورة والتي هي زيارة منقولة من الأمام الحجة المهدي(عجل الله فرجه الشريف) فهي في بدايتها تقول { السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله، السلام عليك يا وارث نوح نبي الله....}وهي تعني أن الأمام الحسين هو وارث وحامل رسالات الأنبياء وهو حامل لواء الإصلاح لكل رسالات الأنبياء والمرسلين والأوصياء. والأمر المهم في نهضة الحسين ان الإمام أبي عبد الله هو صوت كل المستضعفين والفقراء فهذه النهضة هي تعبر عن كل آمال وطموحات الفقراء والمقهورين والمستضعفين. ومن هنا كان هذا هو سر الخلود وعبر الزمان لملحمة الطف والتي كانت تعبر عن الكمالات الإلهية في تصحيح الرسالة المحمدية بعدما انحرفت ليصبح الدين الإسلامي هو أسم فقط والحقيقة هو دين حكام وملوك ولترجع الأمة الإسلامية إلى عهد الجاهلية الأولى وبصورة أشد وأقوى وعلى يد بنو أمية الطلقاء والملعونين على مدى التاريخ.
فواقعة الطف هي ليست حرب فهي ملحمة خالدة بين طرفين طرف هم من سبعين رجلاً وطرف آخر يتكون من سبعين ألف رجل فهذه ليست حرب ومناجزة كما تقال عنها العرب بالمعنى المعروف بل هي عبارة عن مواجهة الحق للباطل وبين معسكرين معسكر السبعين الذي هو معسكر النور والأخلاق المحمدية السامية يقابله نقيضه معسكر السبعين إلف رجل الذي هو معسكر الكفر والسفالة والأجرام بكل معانيه الحرفية وهذه المعركة ليس فيها طرف غالب وطرف مغلوب أو منكسر بالمعنى المادي كما ينظر إليها الكثير من أصحاب النظرة القصيرة بل هي فيها طرف يمثل كل قيم الشموخ والكبرياء والإباء وهو الذي أنتصر في هذه المعركة وهو الانتصار الروحي والمعنوي والذي يمثل أعلى قيم الانتصار والفوز والذي بقى تألقه باقي على مدى الزمان وحتى يكون شاهد على ما فعلته أمة نبيهم بابن بنت نبيهم والذي سفكوا دمه الشريف وبدون أي وجه حق ليكون وصمة عار في جبينهم وخزي يوم القيامة وإلى يوم تقوم الأشهاد على ما فعلته أيديهم المجرمة من جرائم وحشية يندى لها الجبين وهذه الخزي والعار هو يشمل الأولين والآخرين ولحد يومنا هذا ولحد قيام قائم آل محمد الحجة المهدي(عج).
وشهادة الحسين وقتاله هو مشيئة ربانية وقد تجادلت الأسباب والعلل ليخلق الحسين ليس ليقاتل بل ليُقتل ليكون في مصاف الأنبياء والمرسلين ولتصبح شهادته وشهادة أهل بيته
وأنصاره وتتخذ تلك النظرة العميقة والخالدة عبر التاريخ فشهادة الحسين وواقعة الطف لم تستغرق سوى ساعات ولكنها تألقت كالشمس لتصبح نهضة الحسين كالشمس لا تأفل مهما بلغ الزمان ولتصبح نهضة الحسين هي نهضة إنسانية وليس ثورة ثائر عادي الهدف منها قلب نظام الحكم وهذا ما أشار إليه الكاتب محمد شعاع فاخر بقوله { الحسين (عليه السلام) ثار لئلاّ يكون الإنسان داجناً وليظل طليقاً في عالم انسانيّته يستلهم من ملكاتة وقابليّاته مقومات حضارته.
وأخيراً ثار الحسين لتغيير نظام الأخلاق الدولية الأخلاق التي صنعتها له الدولة بسلوكيّات الحكم وطرائق الحكام لا بالقصد لذلك وفي مسير الإسلام منذ والبدء إلى اعلان الثورة الحسينية عايش الإنسان المسلم فترات صعبة احدثت فيه انقلابات داخلية ففي فترة الإسلام بلغ الغاية من سموا الأخلاق حتى ضارع المخلوقات النورانيّة وفي فترة الخلافة تدنّى مستواه الأخلاقي حتّى تجاوز خطوط الجاهليّة الاُولى والمشكلة في الإنسان المسلم أنّه ليس لنفسه فحسب بل هو لغيره أيضاً (خير أمة أخرجت للناس) فإذا تدنّى مستواه الأدبي تدنّى مستوى الدعوة كذلك}(1).
ولهذا فأن استشهاد الحسين وسفك دمه الشريف هو أمر رباني وليس بفعل طاغوت دكتاتور قام بهذا الفعل الدنيء والتي من خلال هذه الملحمة لينال هذه المنزلة السامية والعظيمة وليرتقي بها إلى أعلى عليين.
والدليل على ما نقول هو لقوله أخته الحوراء زينب(ع) عندما يوصي بالعيال وبابنه زين العابدين(ع) فيقول لها روحي لها الفداء{ تأسي بالله أخيه شاء الله، أن يراني مقتولاً وشاء الله أن يراكن سبايا }(2).
فهذا الحديث لسيد الشهداء هو حديث لإمام معصوم أُخبر به من قبل جده وأبيه وأمه(صلوات الله عليهم أجمعين) وهو أمر من الله سبحانه وتعالى لكي يهب هذه المكانة السامية والعظيمة وهو يؤكد ذلك في قول رسول الله(ص) { أن لك مكانة عند الله لن تنالها إلا بالشهادة }(3) فإذن عندما يقوم الحسين(ع) بهذا التكليف الشرعي فهو أمر وبلاء من الله وإلا أن قام بهذا الأمر من الفراغ أي عبث فهذا يفسر أن الله يقوم بأمر عبثي(أستغفر الله) وهذا مستحيل وحاشا لله من العبث في أوامره.
وهذا هو الواجب السماوي هو واجب أخلاقي عظيم لا يقوم به من أختاره جل وعلا لهذا الأمر الجليل ويعلم مدى عظمة هذه الشخصية التي تصبر على ما ابتلاها ويفوض أمره إلى الله محتسباً ومستسلماً للإرادة الربانية وهو يمثل منتهى الطاعة لله والتي خص بها عباده الصالحين.
وهذا يدلل على أن الأمام الحسين(ع) وكل ائمتنا المعصومين ليسوا طلاب سلطة كما يحلو للبعض قول ذلك بل أئمة يعملون بموجب تكليفهم الشرعي وهو تكليف من رب العزة والجلال وهذا هو مصداق لقوله سبحانه وتعالى في محكم كتاب { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ }(4).
وفي جزئنا القادم أن شاء الله سوف نلقي الضوء على أكمال مقالنا البحثي وما تضمنه من قيم ومعاني سامية تكون دليل عمل ومنهج للبشرية جمعاء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ كتاب الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية ، محمد شعاع فاخر ص 5 ـ 6.
2 ـ اللهوف في قتلى الطفوف: 50. بحار الأنوار، ج 44 ص331. كتاب الفتوح 5: 84 ذكر نزول الحسين(رضي الله عنه) بكربلاء.
3 ـ بحار الأنوار: 44 / 328، باب 37 ص310 الطبعة الحديثة.مقتل الحسين لأبي مخنف : وعنه ناسخ التواريخ :2. ينابيع المودة لذوي القربى القندوزي ج 3 ص 54.
4 ـ [الأنبياء : 73].
ولو تأملنا في نهضة الحسين وما وقع في ملحمة الطف فهي ملحمة خالدة لم تماثلها أي من الثورات وحتى النهضات الأخرى وذلك لأنها نهضة سماوية كانت تستمد عنفوانها وخلودها من الله سبحانه وتعالى وكان مسددة من الله في سر ديمومتها وخلودها والحسين هو وراث رسالات الأنبياء والأوصياء فنحن عندما نزور الأمام الحسين(ع) ونقرأ زيارة وارث المأثورة والتي هي زيارة منقولة من الأمام الحجة المهدي(عجل الله فرجه الشريف) فهي في بدايتها تقول { السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله، السلام عليك يا وارث نوح نبي الله....}وهي تعني أن الأمام الحسين هو وارث وحامل رسالات الأنبياء وهو حامل لواء الإصلاح لكل رسالات الأنبياء والمرسلين والأوصياء. والأمر المهم في نهضة الحسين ان الإمام أبي عبد الله هو صوت كل المستضعفين والفقراء فهذه النهضة هي تعبر عن كل آمال وطموحات الفقراء والمقهورين والمستضعفين. ومن هنا كان هذا هو سر الخلود وعبر الزمان لملحمة الطف والتي كانت تعبر عن الكمالات الإلهية في تصحيح الرسالة المحمدية بعدما انحرفت ليصبح الدين الإسلامي هو أسم فقط والحقيقة هو دين حكام وملوك ولترجع الأمة الإسلامية إلى عهد الجاهلية الأولى وبصورة أشد وأقوى وعلى يد بنو أمية الطلقاء والملعونين على مدى التاريخ.
فواقعة الطف هي ليست حرب فهي ملحمة خالدة بين طرفين طرف هم من سبعين رجلاً وطرف آخر يتكون من سبعين ألف رجل فهذه ليست حرب ومناجزة كما تقال عنها العرب بالمعنى المعروف بل هي عبارة عن مواجهة الحق للباطل وبين معسكرين معسكر السبعين الذي هو معسكر النور والأخلاق المحمدية السامية يقابله نقيضه معسكر السبعين إلف رجل الذي هو معسكر الكفر والسفالة والأجرام بكل معانيه الحرفية وهذه المعركة ليس فيها طرف غالب وطرف مغلوب أو منكسر بالمعنى المادي كما ينظر إليها الكثير من أصحاب النظرة القصيرة بل هي فيها طرف يمثل كل قيم الشموخ والكبرياء والإباء وهو الذي أنتصر في هذه المعركة وهو الانتصار الروحي والمعنوي والذي يمثل أعلى قيم الانتصار والفوز والذي بقى تألقه باقي على مدى الزمان وحتى يكون شاهد على ما فعلته أمة نبيهم بابن بنت نبيهم والذي سفكوا دمه الشريف وبدون أي وجه حق ليكون وصمة عار في جبينهم وخزي يوم القيامة وإلى يوم تقوم الأشهاد على ما فعلته أيديهم المجرمة من جرائم وحشية يندى لها الجبين وهذه الخزي والعار هو يشمل الأولين والآخرين ولحد يومنا هذا ولحد قيام قائم آل محمد الحجة المهدي(عج).
وشهادة الحسين وقتاله هو مشيئة ربانية وقد تجادلت الأسباب والعلل ليخلق الحسين ليس ليقاتل بل ليُقتل ليكون في مصاف الأنبياء والمرسلين ولتصبح شهادته وشهادة أهل بيته
وأنصاره وتتخذ تلك النظرة العميقة والخالدة عبر التاريخ فشهادة الحسين وواقعة الطف لم تستغرق سوى ساعات ولكنها تألقت كالشمس لتصبح نهضة الحسين كالشمس لا تأفل مهما بلغ الزمان ولتصبح نهضة الحسين هي نهضة إنسانية وليس ثورة ثائر عادي الهدف منها قلب نظام الحكم وهذا ما أشار إليه الكاتب محمد شعاع فاخر بقوله { الحسين (عليه السلام) ثار لئلاّ يكون الإنسان داجناً وليظل طليقاً في عالم انسانيّته يستلهم من ملكاتة وقابليّاته مقومات حضارته.
وأخيراً ثار الحسين لتغيير نظام الأخلاق الدولية الأخلاق التي صنعتها له الدولة بسلوكيّات الحكم وطرائق الحكام لا بالقصد لذلك وفي مسير الإسلام منذ والبدء إلى اعلان الثورة الحسينية عايش الإنسان المسلم فترات صعبة احدثت فيه انقلابات داخلية ففي فترة الإسلام بلغ الغاية من سموا الأخلاق حتى ضارع المخلوقات النورانيّة وفي فترة الخلافة تدنّى مستواه الأخلاقي حتّى تجاوز خطوط الجاهليّة الاُولى والمشكلة في الإنسان المسلم أنّه ليس لنفسه فحسب بل هو لغيره أيضاً (خير أمة أخرجت للناس) فإذا تدنّى مستواه الأدبي تدنّى مستوى الدعوة كذلك}(1).
ولهذا فأن استشهاد الحسين وسفك دمه الشريف هو أمر رباني وليس بفعل طاغوت دكتاتور قام بهذا الفعل الدنيء والتي من خلال هذه الملحمة لينال هذه المنزلة السامية والعظيمة وليرتقي بها إلى أعلى عليين.
والدليل على ما نقول هو لقوله أخته الحوراء زينب(ع) عندما يوصي بالعيال وبابنه زين العابدين(ع) فيقول لها روحي لها الفداء{ تأسي بالله أخيه شاء الله، أن يراني مقتولاً وشاء الله أن يراكن سبايا }(2).
فهذا الحديث لسيد الشهداء هو حديث لإمام معصوم أُخبر به من قبل جده وأبيه وأمه(صلوات الله عليهم أجمعين) وهو أمر من الله سبحانه وتعالى لكي يهب هذه المكانة السامية والعظيمة وهو يؤكد ذلك في قول رسول الله(ص) { أن لك مكانة عند الله لن تنالها إلا بالشهادة }(3) فإذن عندما يقوم الحسين(ع) بهذا التكليف الشرعي فهو أمر وبلاء من الله وإلا أن قام بهذا الأمر من الفراغ أي عبث فهذا يفسر أن الله يقوم بأمر عبثي(أستغفر الله) وهذا مستحيل وحاشا لله من العبث في أوامره.
وهذا هو الواجب السماوي هو واجب أخلاقي عظيم لا يقوم به من أختاره جل وعلا لهذا الأمر الجليل ويعلم مدى عظمة هذه الشخصية التي تصبر على ما ابتلاها ويفوض أمره إلى الله محتسباً ومستسلماً للإرادة الربانية وهو يمثل منتهى الطاعة لله والتي خص بها عباده الصالحين.
وهذا يدلل على أن الأمام الحسين(ع) وكل ائمتنا المعصومين ليسوا طلاب سلطة كما يحلو للبعض قول ذلك بل أئمة يعملون بموجب تكليفهم الشرعي وهو تكليف من رب العزة والجلال وهذا هو مصداق لقوله سبحانه وتعالى في محكم كتاب { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ }(4).
وفي جزئنا القادم أن شاء الله سوف نلقي الضوء على أكمال مقالنا البحثي وما تضمنه من قيم ومعاني سامية تكون دليل عمل ومنهج للبشرية جمعاء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 ـ كتاب الحكم والأخلاق في منطق الثورة الحسينية ، محمد شعاع فاخر ص 5 ـ 6.
2 ـ اللهوف في قتلى الطفوف: 50. بحار الأنوار، ج 44 ص331. كتاب الفتوح 5: 84 ذكر نزول الحسين(رضي الله عنه) بكربلاء.
3 ـ بحار الأنوار: 44 / 328، باب 37 ص310 الطبعة الحديثة.مقتل الحسين لأبي مخنف : وعنه ناسخ التواريخ :2. ينابيع المودة لذوي القربى القندوزي ج 3 ص 54.
4 ـ [الأنبياء : 73].