بينما اعلن جهاز الاحصاء المركزي، امس الاثنين، ان اسعار السلع والخدمات لم ترتفع الا بشكل طفيف حسب مؤشر التضخم للشهر الماضي الذي شهد ارتفاع معدلات الاستهلاك، عزا البنك المركزي ثبات مستوى التضخم الى نجاح سياسته المالية، مؤكدا ان الدولة نجحت في خفض مؤشراته منذ نحو عامين، والحفاظ على اسعار ثابتة نسبيا.
ورغم تأكيد المسؤولين في وزارة التخطيط والمالية خلال حديث لـ\"العالم\"، انهم متفائلون بالمسار الحالي للتضخم، الا ان خبراء ومحللين ابدوا تخوفا من ان تعاود معدلات التضخم الارتفاع، بسبب \"مشاكل جوهرية\" يعاني منها الاقتصاد العراقي، وتأثر السوق بالفراغ السياسي والتراجع الامني.
وكشف تقرير للجهاز المركزي للاحصاء، تلقت \"العالم\" نسخة منه امس الاثنين، عن ارتفاع مؤشرات التضخم بنسبة 2,4% لشهر آب عن 2,0 % في تموز الماضي، وبنسبة 1,7% عن آب من العام الماضي.
وبحسب التقرير فإن الجهاز استمد تلك المعطيات عبر جمع البيانات ميدانيا عن اسعار السلع والخدمات المكونة لسلة المستهلك، من بعض منافذ البيع في عموم محافظات العراق بما فيها محافظات اقليم كردستان الذي دخل لاول مرة منذ عام 1991، في احصاءات الحكومة الاتحادية.
وبالنسبة لمؤشرات الأرقام القياسية لأسعار المستهلك على مستوى العراق، جاء في التقرير “بلغ الرقم القياسي العام لأسعار المستهلك 126.0، في شهر آب الماضي مسجلاً ارتفاعاً بنسبة 2.4% عن الشهر السابق.
وشهدت قطاعات الاغذية والمشروبات غير الكحولية والملابس والاحذية، الى جانب السكن والتجهيزات والمعدات المنزلية، والصحة، بالاضافة الى النقل والتعليم والمطاعم، ارتفاعا متباينا في الاسعار. وسجلت محافظات اقليم كردستان مؤشرات متقدمة في سلم الارتفاع تلتها محافظات الوسط والجنوب. فيما شهدت قطاعات التبغ والمشروبات الكحولية، والاتصالات، والترفيه والثقافة، انخفاضا متباينا ايضا.
وتعليقا على ارتفاع مؤشرات التضخم لشهر آب (اغسطس) الماضي اعتبر سعد زغلول مدير الأرقام القياسية في جهاز الاحصاء المركزي في حديث لـ\"العالم\" ان \"الارتفاع الحالي لا يبعث على الخوف، لانه ارتفاع نسبي وغير ملحوظ ويكاد يقترب من الصفر\" عازيا ذلك \"الى ارتفاع الطلب على مجموعة من البضائع والخدمات التي شهدها شهر آب والذي تزامن مع شهر رمضان وايام عيد الفطر\"، مشيرا الى ان \"معدلات التضخم السنوي في العراق انخفضت الى نسبة مرتبة عشرية واحدة تقترب من 3.6 % بعد ان كان يفوق 50% في عام 2006\".
ويضيف ان \"الكثير من الدول المستقرة سياسيا واقتصاديا، لا تتمتع بهذا المعدل من التضخم، كما ان السياسة النقدية التي انتهجها العراق اسهمت في السيطرة على معدلات التضخم عند هذه الحدود المتواضعة\".
وفي معرض جوابه عن سؤال حول عدم استشعار المواطن لفوائد الانخفاض الذي تتحدث عنه الوزارة، في مؤشرات التضخم، مقارنة بالارتفاع المتزايد لاسعار بعض البضائع والخدمات، اشار مدير الارقام القياسية في جهاز الاحصاء المركزي الى ان \"انعدام الخدمات الاساسية وغياب البنى التحتية في العراق يسهمان بشكل كبير في استنزاف دخل المواطن. فتردي وضع الكهرباء والطاقة وغيرها من الخدمات تستهلك جزءا كبيرا من المدخولات\". الا انه تابع قائلا \"ومع ذلك فان معدلات التضخم السابقة لو بقيت على حالها لارتفعت الاسعار بشكل جنوني يصعب تحمله من قبل ذوي الدخل المحدود، وحتى الموظفين الذين انتعشت مداخيلهم في الفترة الماضية\".
وبشأن وجود توجه لخفض مؤشر التضخم الى اقل من المستوى الحالي، قال زغلول \"هذا مرتبط بالسياسة النقدية التي هي من مسؤولية وزارة المالية والبنك المركزي، وتعتمد بشكل اساسي على حجم الاحتياط النقدي، وضخ الدولار في الاسواق، هم مهتمون بالسيطرة على التضخم\".
من جهته وصف المستشار في البنك المركزي مظهر محمد صالح في لقاء مع \"العالم\"، المؤشرات التي افصح عنها جهاز الاحصاء المركزي بـ\"الايجابية\" مؤكدا انها \"زيادة قليلة ولاسباب موسمية، فشهر رمضان وايام العيد من جهة وانتهاء الموسم الزراعي من جهة اخرى، اسهما في ارتفاع اسعار المواد الغذائية وغيرها من البضائع والخدمات\".
وابدى مظهر \"تفاؤله\" بواقع الاقتصاد العراقي مؤكدا \"انه يشهد امثل مستوى للاستقرار في تاريخه. فسعر صرف الدينار بقي ثابتا خلال الاشهر الاخيرة وهذا مؤشر ايجابي\" الا ان مصلح ابدى اسفه لـ\"عدم استثمار الاستقرار الاقتصادي في دفع عجلة التنمية والاستثمار في قطاع البنى التحتية\".
وتعليقا على ادراج مؤشرات الاستهلاك والتضخم لمحافظات كردستان لاول مرة في تقارير الحكومة الاتحادية، وأثره على الاقتصاد الوطني، قال مستشار البنك المركزي ان \"الاقتصاد الكردي يمثل ما بين 13 – 17 % من الاقتصاد العراقي، وهو بالتالي ليس له تأثير كبير على ارتفاع او انخفاض مؤشرات التضخم\"، الا انه استدرك قائلا \"هذا لا يعني غض النظر عن التجربة الكردية في مجال التنمية والاستثمار. الاكراد يمتلكون استقرارا وتنمية نابعة من عقلية منفتحة على الاستثمار والاعمار وهذا ما انعكس على حجم النمو الذي يشهده الاقليم\".
في غضون ذلك حذر الخبير المالي والاقتصادي ماجد الصوري من \"امكانية ارتفاع معدلات التضخم في المستقبل\" وطالب بعدم الركون الى الارقام الحالية.
وقال في حديث مع \"العالم\" ان الاقتصاد العراقي يعاني من \"عدم استقرار حقيقي في ظل غياب حكومة، وتردي الاوضاع الامنية التي رفعت بدورها تكلفة البضائع والخدمات\"، مشيرا الى ان \"الجمود على المستوى السياسي ينعكس جمودا على المستوى الاقتصادي\".
واوضح الصوري ان \"هناك عددا من العوامل يؤدي تظافرها الى الاستقرار الاقتصادي. الا ان ما نراه اليوم ليس سوى فوضى كبيرة تعم البلد بسبب عدم وجود رؤية واضحة لمستقبل الاقتصاد العراقي\".
وردا على \"التفاؤل\" الذي تبديه جهات حكومية حيال السيطرة على مؤشرات التضخم واستقرار سعر العملة، قال الصوري \"كيف نتحدث عن استقرار وانتعاش اقتصادي في حين ان الحكومة تشجع على الاستيراد وتتجاهل اعادة تأهيل الانتاج الوطني، الصناعة مهملة الزراعة مهملة، هناك تخبط واضح في القرار الاقتصادي، والاجراءات تتخذ بشكل مرتجل وغير مدروس\".
وبشأن الحديث عن نجاح السياسة النقدية التي اعتمدها العراق منذ 2006 ، اقر الصوري بهذا، مشيرا الى انه \"أمر غير كاف، لان استقرار اقتصاد اي بلد بحاجة الى وضوح في سياساته المالية والاقتصادية، بالاضافة الى انسجام وتناغم مع سياسته النقدية\".
وتساءل \"ماذا يفعل البنك المركزي فيما معدلات الاستيراد الخارجي ترتفع بشكل متواصل؟\"، مؤكدا \"ما لم تحل مشكلة البطالة وما لم يتم تفعيل الاستثمار وتفعيل المشاريع العامة، فإنه لا يمكن الحديث عن استقرار اقتصادي\".
وحمل الصوري \"غياب الدور الحكومي والتشريعي\" مسؤولية الشلل الذي يشهده الاقتصادي الوطني داعيا الى \"ارساء قواعد صحيحة لتنمية الاقتصاد المحلي\".
وفي ما يتعلق باعتبار دخول شركات عالمية عملاقة للاستثمار في العراق، دليلا على حيوية واستقرار الاقتصاد، قال الصوري ان قسما كبيرا من هذا الاستثمار \"توجه نحو قطاع النفط، كما ان الاعلان عن مشاريع استثمارية لا يعني تنفيذها، والتنفيذ غالبا ما يكون غير موافق للمواصفات المطلوبة. العراق يعاني من بطالة تصل نسبتها الى 37 % ، ويعاني ايضا من أزمة سكن كبيرة جدا، وقطاع زراعي وصناعي متهالك، وعند الفراغ من هذه الازمات يمكن الحديث عن استقرار في الجانب الاقتصادي\".
أقرأ ايضاً
- السوداني: العراق مستمر في استقبال المواطنين اللبنانيين
- تعقيباً على تصريحات رئيس النزاهة..المالكي يحذر من انهيار "النظام السياسي"
- النقل بسيارات لائقة.. السوداني من كربلاء: الزيارة الأربعينية تشهد تطوراً بنوعية الخدمات واحتياجات الزائرين