سالم مشكور
في الدول العربية، تسمع شكاوى دائمة من أن تكريم المبدعين نادر أو لا يتم الا بعد موتهم، لكن الامر اختلف في العراق خلال السنوات التي تلت التغيير السياسي عام 2003. فقد انفتحت أبواب التكريم على مصراعيها، حتى فقد الامر قيمته.
في دول أخرى تسمع، من حين لآخر عن عملية تكريم لشخصية قدمت منجزاً علميا كبيراً أو قامت بدورٍ فاعلٍ في حلّ مشكلةٍ أو أزمة أو في مهرجان لاختيار فائزين في مجال فني او علمي، أو شخصية أفنت عمرها في العطاء في مجال فني أو خدمي أو طبي.
عندنا يفوق الامر كل التصورات. حفلات التكريم بالجملة قائمة على قدم وساق. بل أن التكريم بات فقرة رئيسة في كل احتفال.
مشهد أكداسٍ من "دروع" التكريم بات مألوفاً في أغلب الاحتفالات من دون اشتراط وجود مناسبة لذلك، ومعامل صناعة الدروع، من "التنك الأصفر" والخشب والزجاج تنتج على مدار الساعة لتلبي حاجة احتفالات التكريم
المتواصلة.
اللافت أن السرور يغمر أغلب من يتسلمون الدروع وكأنهم حصلوا على شهادة عليا، والحضور يهنئون المُكرَّم ويبادرونه بالقول: "مبروك تستاهل". وكثيراً ما تجد في مكاتب سياسيين ومسؤولين "معرضاً" كبيرا قد يصل الى السقف مليئاً بدروع التكريم مما لم يحصل عليه أي عالم أو بطل حقيقي في أي بلدٍ في العالم.
أحد المسؤولين أقام احتفالاً للصحافيين وجاء بأكوام من الدروع قدمها لكل صحفي حضر وكانوا بالعشرات، سألته: ما مناسبة هذا التكريم وعلى أي معيار، أجابني: "خليّهم يفرحون". وهناك شخص يرأس منظمة وهمية لا يساعده جيبه على شراء الدروع الزجاجية او الخشبية، فاستعاض عنها بأوراق كارتونية فيها عبارات اشادة وتكريم مع ترك مكان الاسم خاليا، يدور بها في المؤتمرات والاحتفالات، فيقوم، كلما رأى شخصاً معروفاً، بإخراج إحداها من كيسه البلاستيكي ليكتب عليها اسم الشخص ويعطي تلفونه لأحد المارة طالباً تصويره وهو يقدم "تكريمه" للمقابل لتنزل الصورة على صفحته في "الفيس" مع خبر عن تكريم منظمته لهذا
الشخص، وإياك أن ترفض عرضه بالتكريم لأنك ستتعرض الى غضبه واتهامه لك بالعجرفة
والتعالي. لا أعني بكل هذا أن كل الذين جرى تكريمهم في الاحتفالات والمناسبات خصوصا تكريم أبطال الحرب على داعش سواء كانوا عسكريين أو إعلاميين لا يستحقون، لكني أقول إن الإسفاف في هذا الامر يفقد هذه الممارسة قيمتها ويفرغها من أي مضمون، وبالتالي فان حالات التكريم الحقيقية ومعها المكَرَّم والمكَرِّم سيُظلمون وسط هذا العدد الهائل من عمليات التكريم الاعتباطية.