حجم النص
نــــــــزار حيدر إنْ صحَّ ما قيل في المأثور من انّ [كل شي بوَقته حلو] تكون فتوى شيخ الأزهر اليوم غير حلوة بالمرّة على الرغم من أهميتها القصوى، لانها تاخّرت عن الصّدور مدة لا تقل عن عقدٍ كاملٍ من الزمن، فهي تُسمّى في احسن الفروض (فتوى قضاءاً) على غرار العبادات الواجبة التي يقضيها المُسلم اذا فاته وقتها، وان كان وقت القضاءِ، عادةً، محدوداً. لقد أحرجت جريمةُ الارهابيّين الاخيرة فقهاء مدرسة الخلافة بدرجة كبيرة، فلا هم قادرون على إدانتِها بشكل صريحٍ وواضحٍ كونها ليست بدعاً من تاريخهم فلقد فعلها اول من فعلها خليفتَهم الاوّل، قيل لتبريرِها انّه ندِم عليها كلّ حياته كما قيل ان الاول والثاني ندِما على حرقِ بيت بضعة رسول الله (ص) فاطمة الزهراء عليها السلام بعد ساعات فقط من رحيل ابيها سيّد الكونين (ص) الى بارئِه، كما فعلها خليفتهم معاوية بن ابي سفيان عندما أمر بوضع (خال المؤمنين) شقيق (أم المؤمنين عائشة) محمد بن ابي بكر في جلدِ حمارٍ وإحراقهُ حيّا، طبعاً لم يذكر لنا التّاريخ انه ندِم على فعلته ابداً!. ولا هم بقادرين على تجاوزها والسّكوت عنها، كونها ليست من الدين الحنيف بشيء، الامر الذي يحتاج الى ادانة التاريخ اولا قبل ادانتها، ما يعني تخطئه افعال (الصحابة) قبل ذلك، وهو ما يحتاج الى تنظيف تراثهم من كل الخزعبلات والاكاذيب التي نشرها الامويّون في كتب المسلمين خاصة تلك التي تؤلّه الصحابة وتقدّسهم وترفعَهم فوق مستوى البشر ودون مستوى الاله. وانا هنا أودّ ان احيّي الشيخ الأزهري الشاب الذي ظهر اليوم في برنامج حواري على قناة (بي بي سي) فلأوّل مرّة في حياتي، على الأقل، اسمع شيخاً من مدرسة الخلافة يخطّئ (صحابي) بوزن الخليفة الاول، وينزّه رسول الله (ص) فالقاعدة عندهم تقوم على أساس التبرير للصّحابة كلّ افعالهم مهما كانت قبيحة وسيئة ولصقها برسول الله (ص) من باب شرعنة الأخطاء كما ذهب الى ذلك احد فقهاءهم مؤخراً، من قبيل (رزيّة الخميس) التي يوردونها في كتب الحديث في باب (الوصية) فيبنون عليها ويستنبِطون منها موقفاً شرعياً بشأن جواز او عدم جواز الوصيّة لمن غلب عليه الوجع، والتي تُنسب الى الخليفة الثاني كما هو معروف، او كتفسيرهم لسورة (عَبَسَ) التي يقولون انها نزلت بحق رسول الله (ص) ناسين او متناسين قول الله تعالى {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ} لانّ الخليفة الثالث أجَلَّ وأعظم من ان تصدر مِنْهُ مِثْلَ هذه الالتفاتة غير الاخلاقية المستهجنة!. انا اعتقد ان الأزهر سيحقق انجازاً عظيماً اذا قرر، مثلاً، تشكيل لجنة خاصة من علماء المسلمين في مشارق الارض ومغاربها لإعادة قراءة التراث والتاريخ في آن وتطهيرهِ من الخزعبلات ومن (الأمويّات) التي بُثّت في ثناياه، والتي شوّهت سمعة الاسلام وصورة رسول الله (ص) ووظّفها الارهابيون على مرّ التاريخ، والا فانّه سيعجز عن مواجهة الحقيقة وسيفشل في مواجهة الارهاب الذي اختطف الدين الحنيف، ليس عبثاً وانما بنصوص من التراث والتاريخ هي مقدّسة عند كلّ اتباع مدرسة الخلافة، فلا يمكن إقناعهم بخطأ جرائم الارهابيّين وكونها ليست من الاسلام في شيء قبل رفع الحصانة والقدسيّة عنها. اتمنّى ان يسرع الأزهر باتّخاذ مثل هذه الخطوة الجريئة والشجاعة والتاريخية والدينية والإنسانية ليخلّد دوره في تطهير الاسلام من التهم الباطلة وليقدّم اعظم خدمة للإسلام ولرسول الله (ص) وللحقيقة وللبشريّة. لا يصحُّ ان نطعن بجرائم الارهابيين ومثلها حِمْلُ بعيرٍ في التراث، فامّا ان نستهجن جرائم الماضي لنؤسّس للحاضر، او ان نواجه الحقيقة في صراعها مع الباطل، كما أشار الى ذلك معاوية بن ابي سفيان في معرض ردّه على رسالة محمد بن ابي بكر الذي طعن فيها بأفعاله وجرائمه وموبقاته ضد أمير المؤمنين (ع) قائلا له كما يذكر نصها ابن قتيبة الدينوري في كتابه المشهور (الإمامة والسياسة)؛ فقد كُنّا، وأبوك فينا، نعرف فضلَ ابن أبي طالب وحقّه لازماً لنا مُبرّراً علينا، فلمّا اختارَ الله لنبيّه عليه الصلاة والسلام ما عندَه وأتمّ ما وعدَهُ وأظهر دعوتهُ وأبلجَ حُجّتهُ وقبضهُ الله إليه صلوات الله عَلَيْه، فكان أبوكَ وفاروقَهُ أوّل من ابتزّهُ حقّه وخالفه على أمره، على ذلك اتفاقاً واتساقاً، ثم إنّهما دَعَوهُ إلى بيعتهِما فأبطأ عنهما وتلكّأ عليهما فهمّا به الهموم وأرادا به العظيم ثمّ إنّه بايعهُما وسلّم لهما وأقاما لا يُشركانهُ في أمرهما ولا يُطلعانَهُ على سرّهما حتى قبضهُما الله، فأبوك مهّد مِهادهُ وبنى لمُلكِهِ وسادةً، فإن يكُ ما نَحْنُ فيه صواباً فأبوك استبدّ به وَنَحْنُ شركاؤه ولولا ما فعل أبوك مِن قَبْلُ ما خالفْنا ابن أبي طالب وسلمنا إليه، ولكن رأينا أباك فعلَ ذَلِكَ به قبِلنا فأخذنا بمثله، فعِبْ أباك بما بدا لكَ أو دع ذلك!. فلا تُجَمِّلوا ولا تُجامِلوا فتندموا