يستشهد الإمام الحسين عليه السلام ابو الشهداء وأبو الأحرار في مثل هذه الايام بعد أن ألقى على الأمة الاسلامية دروسا عظيمة خالدة فيها خير الدنيا و الآخرة فيها طمأنينة النفس وعزها و راحة الضمير وحياته وصلاح الانسان وكماله، فيها الوصول الى الحق و القرب الى الله تعالى، فيها كل ما يؤدى بالفرد و المجتمع الى ذروة الكمال الانساني المنشود.
فالحسين مدرسة وفكر وعطاء لكلّ الناس على اختلاف طوائفهم ومشاربهم واعتقاداتهم.
والحسين قدوة لكلّ العاملين على إقامة حكم الحقّ واالعدل والحرية. نعم تمتاز نهضة الحسين بن علي عليه السلام عن بقية النهضات والثورات أنها كانت نهضة انسانية ودينية خالصة لله لا يشوبها شائبة الملك والسلطنة وما شابهها من الاغراض الدنيوية التافهة. و لقد شاء الله تعالى أن يثور سيد الشهداء ضد الظلم والطغيان لاعلاء كلمته وابقاء شريعته واحياء دينه، فقام ثائرا في سبيل انفاذ أمره عزوجل، وضحى بدمه الزاكي ودماء الطيبين من ذريته وذويه وأصحابه. كان أوّل من أتى على ذكر الحسين بعد فاجعة كربلاء هو الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري، فقد زار قبر سيّد الشهداء، و ذرف هناك دموعاً شاهدة على مدى الظلم الذي لحق بالحسين عليه السلام من الطغاة وقسوتهم.... و في آتي الأيّام، سيتّجه عشّاق درب الحسين نحو كربلاء (اي كربلا مازلت كربا وبلا...مالقى عندك اولاد المصطفى؟)، حيث يذرفون الدموع، ويحيون ذكرى الحسين، ويبقون دم الحسين حيّاً مشتعلاً بالثورة، ويصونون درس الشهادة لله حيا للأجيال القادمة، فلا ينسى الناس ثورة أبي الشهداء الحسين عليه السلام، على الظلم والظالمين.
لذلك كان بنو أميّة وبنو العباس والطواغيت في كل زمان ومكان امثال الوهابية واسلافها يحظرون ويحرمون ويحاربون زيارة قبر الحسين وقبور الشهداء الآخرين. ولكن.. فرغماً عن سعي الأعداء والظالمين، فقد ارتفع على أرض كربلاء مشهد عظيم، وأقيمت على تربة الشهداء بيوتا لله، وبقي نور الشهادة مشعّاً على مدى الدهور، وبقي عهد الشهادة نشيداً خالدا يتردّد في الأسماع.
والى ذلك تشير بطلة كربلاء زينب عليها السلام حينما خاطبت يزيد (عليه اللعنة): فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فو الله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا يرحض عنك عارها، وهل رأيك الا فند وأيامك الا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادى المنادي ألا لعنة الله على الظالمين. وعن الامام الصادق عليه السلام قال:قال الحسين عليه السلام للنبي صلى الله عليه واله وسلم: يا رسول الله ما لمن زارنا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه: من زارني حيا وميتا أو زار أباك حيا وميتا أو زار أخاك حيا وميتا كان حقيقا على الله أن يستنقذه يوم القيامة
خلود الثورة الحسينية وتطبيقاتها
ان عظمة الثورة الحسينية وامتيازها في التاريخ لها ثلاثة اسرار وراء خلودها الزماني والمكاني. الاول هو عظمة صاحبها وامتيازه لكونه اماما معصوما وسيد شباب اهل الجنة باتفاق المسلمين. وثانيا ظروف الثورة. لقد ثار الحسين في وقت كانت ارادة الامة ميتة فاراد الحسين بثورته المباركة احياء هذه الامة الميتة التي تقبلت الظالمين كقدر مقدور وارتضت الخنوع علاجا لهذا المرض. فجاءت ثورة الحسين كالزلزال الذي ايقظ الامة وعلمها ان العزة ضرورة كضرورة الهواء الماء وان الميت العزيز افضل من الحي الذليل.
وثالثها هو احياء الاسلام ذاته. حيث حاول المخطط الاموي القضاء على الاسلام ابتداءا من معاوية وتوجت الجهود بيزيد. وحيث ان الامة مبتليه بالخنوع والذل وفقدان الارادة، لذا لوهدم يزيد الاسلام المحمدي الاصيل لما تجرا احد على فعل اي شئ. لذلك احتاجت الامة والاسلام لدم بعظمة الحسين للحفاظ على الاسلام المحمدي الاصيل. هذه الخصائص الثلاث هي التي ميزت الثورة الحسينية المباركة عن باقي الثورات في التاريخ. ان ثورة الحسين (عليه السلام) لم تكن ثورة آنية لتموت بعد زمان او مكانية في كربلاء، لانها كانت ثورة الحق ضد الباطل، وثورة العدالة ضد الظلم، وثورة الحرية ضد العبودية وثورة الإنسانية ضد الوحشية، وثورة الهداية ضد الضلال، فجولة الباطل ساعة وجولة الحق الى قيام الساعة.
ولذا كان من الضروري، امتداد هذه الثورة الى يوم القيامة، ومادام الحق والباطل موجودان. وهذا هو سرّ تحريض الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله الطيبين الطاهرين المسلمين علىاحياء ذكرى عاشوراء طول الدهر، ومنه اتخذ المسلمون مجالس العزاء والمئاتم بمختلف أشكالها،وعلى مدى القرون. وهذا المعنى هو الذي يشير اليه الحديث: (كل يوم عاشوراء، وكل أرض كربلاء).
فثورة الأمام الحسين ثورة نادرة الحدوث، امتازت بها الأمة الاسلامية دون سائر الأمم. وعليها ان تستفاد من طاقاتها الخلاقة لبناء المجتمع الفاضل الحر الكريم لو انها احسنت توظيفها مثلما اراد ائمة اهل البيت عليهم السلام. وللاسف فان الأمة الاسلامية تبخسها حقها لهبوط مستوى الوعي في قياداتها ولجعل الحسين مجرد عبرة وعاطفة وليس عبرة (بفتح اللام) وعقل ونظام فكري متكامل، فلا تستفيد منها بالمقدار الممكن والصحيح.
وفي هذا الشان يقول المفكر المسيحي انطوان بار: لو كان الحسين منا لنشرنا له في كل أرض راية، ولأقمنا له في كل أرض منبر، ولدعونا الناس إلى المسيحية بإسم الحسين. المشكلة ان هناك مسافة كبيرة بين فكر الحسين ومنهج الحسين وقيم الحسين وعطاء الحسين وبيننا. مثلا ان الفكر الوهابي السلفي مثل الفكر الاموي خطر على الاسلام وكل مصائب الاسلام في العصر الحديث انما حدثت بسببه.وعليه يجب فضح ومحاربة الفكر السلفي امام العالم عبر كتابة الدراسات والبحوث وهدم اسس هذا الفكر السلفي الارهابي حتى لايتورط المسلمون باعتناقه. والقيام بالاعتصامات والتظاهرات الخ. فهذا العمل يمثل خطوة في طريق الحسين وهو احدى تطبيقات الثورة الحسينية. فالفكر الحسيني ليس نظرية فحسب وانما عمل وتطبيق وعناء.
الشعائر الحسينية المباركة
اقول من اهم طرق بقاء الثورة الحسينية هي اقامة الشعائر كما وردت عن الائمة عليهم السلام بشكل يتناسب مع ظروف العصر الذي تقم فيه وبشكل لايؤدي الى هتك حرمة مذهب اهل البيت عليهم السلام وتشويه الاسلام او تشويه مبادئ الثورة الحسينية الذي خطه بكل عناية مسددة من قبل الله جل وعلا الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله).
الشعائر الحسينية المباركة تخاطب عقل الانسان وعاطفته.
فالجانب العاطفي ايضا مهم في هذا المجال. الشعائر الحسينية المباركة هي مقدمة لنتيجة وهي ان يتعلم الانسان من عطاء الحسين ومنهج الحسين واخلاق الحسين وحب الحسين لله وتوكله عليه وتضحية الحسين للاسلام. ولذا يفترض ان تنقى من كل مايسئ الى قضية الحسين والاسلام. ولسماحة الشيخ احمد الوائلي رحمه الله كلام مهم في هذا الشان فليراجع. اذن يجب ان تهدف الشعائر الحسينية الى ابراز مظلومية الحسين واهل البيت عليهم الصلاة والسلام وشيعتهم وتعليم الناس الفكر الاسلامي الحسيني. فالانسان الحسيني يطيع الله ويخشاه و يتبع منهج الحسين (عليه السلام) وتعاليم اهل البيت (عليهم السلام) ويتحلى بمكارم الاخلاق ومعالي الصفات الانسانية، ابي الضيم، كريما، حرا، وعزيزا. وعن الامام الصادق (عليه السلام): (انما شيعة جعفر من عف بطنه وفرجه، واشتد جهاده، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، وخاف عقابه، فاإذا رأيت اولئك فأولئك شيعة جعفر).ان اهمية اتباع الحسين (عليهم السلام) والمشي على خطاه والتسنن بسننه تتجلى في زيارات ائمة اهل البيت (عليهم السلام).
مثلافي زيارة الناحية المقدسة المنسوبة للامام المهدي (عليه السلام) يقول:
أشْهَدُ أنَّكَ قَدْ أقَمْتَ الصَّلاةَ، وَآتَيْتَ الزَّكَاةَ، وَأَمَرْتَ بِالمَعرُوفِ، وَنَهَيْتَ عَنِ المُنْكَرِ والعُدْوَانِ، وأطَعْتَ اللهَ وَمَا عَصَيْتَهُ، وتَمَسَّكْتَ بِهِ وَبِحَبلِهِ، فأرضَيتَهُ وَخَشيْتَهُ، وَرَاقبتَهُ واسْتَجَبْتَهُ، وَسَنَنْتَ السُّنَنَ، وأطفَأْتَ الفِتَنَ.وَدَعَوْتَ إلَى الرَّشَادِ، وَأوْضَحْتَ سُبُل السَّدَادِ، وجَاهَدْتَ فِي اللهِ حَقَّ الجِّهَادِ، وكُنْتَ لله طَائِعاً، وَلِجَدِّك مُحمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِه) تَابِعاً، وَلِقُولِ أبِيكَ سَامِعاً، وَإِلَى وَصِيَّةِ أخيكَ مُسَارِعاً، وَلِعِمَادِ الدِّينِ رَافِعاً، وَللطُّغْيَانِ قَامِعاً، وَللطُّغَاةِ مُقَارِعاً، وللأمَّة نَاصِحاً، وفِي غَمَرَاتِ المَوتِ سَابِحاً، ولِلفُسَّاقِ مُكَافِحاً، وبِحُجَجِ اللهِ قَائِماً، وللإِسْلاَمِ وَالمُسْلِمِينَ رَاحِماً، وَلِلحَقِّ نَاصِراً، وَعِنْدَ البَلاءِ صَابِراً، وَلِلدِّينِ كَالِئاً، وَعَنْ حَوزَتِه مُرامِياً. تَحُوطُ الهُدَى وَتَنْصُرُهُ، وَتَبْسُطُ العَدْلَ وَتنْشُرُهُ، وتنْصُرُ الدِّينَ وتُظْهِرُهُ، وَتَكُفُّ العَابِثَ وتَزجُرُهُ، وتأخُذُ للدَّنيِّ مِنَ الشَّريفِ، وتُسَاوي فِي الحُكْم بَينَ القَويِّ والضَّعِيفِ.
وهذا النص الشريف يشير الى بعضا من صفات الحسين (عليه السلام). فعلى شيعته ومحبيه اتباعه في هذه الصفات من امثال طاعة الله والتمسك بحبله والتوكل عليه والاعتصام به والنصيحة للناس والرحمة بهم والصبر والعدالة ومخافة الله وطاعته والتسنن بسننه والغيره على الاسلام ونبيه (صلى الله عليه وآله) واهل بيته (عليهم السلام) ومقارعة الظالمين والطغاة وفضحهم، الى اخره مما دلت عليه الزيارة. فلانمر على الزيارة والدعاء مرور الكرام دون ان نستفيد منها في تهذيب نفوسنا والتخلق باخلاقهم عليهم السلام.
والا لاصبحت قلقلة لسان لاتغني ولاتسمن من جوع! نسال الله تعالى السداد والتاييد.
والحمد لله رب العالمين.
أقرأ ايضاً
- تكامل ادوار النهضة الحسينية
- النوايا الحسنة للعتبة الحسينية المقدسة
- الرسالة المحمدية تتألق في القضية الحسينية