حين يمر المرء في ناحية الحسينية وسط غابات النخيل فان الطريق سيأخذه حتما الى منطقة العطيشي التي تبعد 12 كم عن كربلاء. هناك يصطدم بصره بأثر عاند الزمن وبقي شامخا بهيكله المغطى بالغبار وكأنه يعلن نفسه انه احدى علامات التاريخ التي مرت في العراق.
خان العطيشي هو الاسم الذي يطلق عليه هناك تستذكر كل الخانات التي كانت فندقا او دار استراحة للمسافرين يوم لم تكن هناك وسائل نقل حديثة فكان الطريق طويلا ومتعبا وكانت الخانات وسيلة استراحة ولكنها في الوقت نفسه كانت اماكن للمراقبة ايام العهد العثماني، خان العطيشي بشكله المربع يعطي الناظر اليه لمحة بصرية عن الفن المعماري مثلما يعطي آهة حرى لان الاهمال قد شقق جدرانه وجعل ابوابه تطالها يد السراق وبدا طابوقه الملبوخ وسمك جدرانه وكأنه بني لكي يبقى الى الابد.تدور به الريح والعاب الاطفال الذين يمرحون امام وداخل الخان دون ان يعرفوا ان هذا الاثر عمره اكثر من مئتين و25 عاما ويقال انه بني في عهد الوالي العثماني سليمان في العام 1774 كمحطة استراحة للزوار.
خان العطيشي له شكل مربع وساحة تتوسط الايوانات المقوسة وفي الساحة بئر ماء يشرب منها المسافرون جدرانه سميكة تزيد على خمسة امتار وفي كل ركن من اركانه الاربعة قاعات دائرية وله بابان.. الباب الاول باتجاه الغرب حيث مدخل المدينة من اتجاه الحلة والباب الثاني باتجاه الشمال حيث مدخل المدينة من بغداد.. لا اثر للأبواب التي يقول عنها كبار السن انها اثرية صنعت من الخشب المقاوم للماء والريح والشمس.. اما الغرف فهي تمتد على الجانبين ويوحي بناؤها بأنه بناء بغدادي قديم وله ساحة مستطيلة الشكل تتوسط الغرف المربعة بمساحة 6×6م اضافة الى احتواء الخان على اسطبل لتربية الخيول او لمنام خيول الجندرمة.
ويقول (ماجد جياد الخزاعي) الموظف في هيئة السياحة في كربلاء ان الخان شيد في القرن السابع عشر ليكون حدود البلدية العثمانية الادارية لمدينة كربلاء.. وهو يقع بين قصر الموقدة الاثري والكوفة ويبعد بمسافة 30كم الى الجنوب الغربي من كربلاء..
وقد وصفه احد الرحالة بأنه بناء قديم مبني من الاجر وما زالت الكثير من جدرانه واقواسه وبعض (عكادته) ترى الى يومنا هذا وان هي تعرضت الى التصدع والتشقق بسبب الاهمال الذي طال الكثير من المواقع الاثرية في العراق.. مضيفا انه لم يكن ثكنة عسكرية فحسب بل كان نقطة حراسة واستراحة في الطريق بين بغداد وكربلاء حين كانت القوافل تمر من بين البساتين كونها اقصر الطرق الموصلة بين المدينتين.. فهو يجمع ما بين كونه ثكنة ونقطة حراسة للمسافرين وحمايتهم من قطاع الطرق وبين كونه دارا للاستراحة من تعب الطريق وطوله قبل ان تتحول الطرق وتنفذ شكلها الحالي في القرن العشرين.
- الخان كان بادارة عريف في الجيش العثماني وكانت هذه الرتبة اعلى سلطة ادارية وتنفيذية من الناحية الامنية وكانت بيده السلطات في المنطقة وهو الآمر الناهي وتحت امرته مجموعة من الجندرمة.
حين اقيم هذا الخان، ومهما تكن اهداف انشائه فلابد ان يكون بينها استخدامه فندقا في طريق طويلة يحتاج فيها الزائر الى الراحة والتوقف عن مسيره ليلاً.
يضيف (الخزاعي): صحيح.. فان الامر لم يقتصر على كونه دار استراحة كما اريد له ان يكون.. بل ولان العثمانيين كانوا يحتلون ارض العراق فقد كانت بعض اهم اسباب بنائه تكمن في جعله نقطة تجسس عندها تلتقي الفائدتان معا، فقد كان يؤم الخان مسافرون من كل مناطق العراق يريدون زيارة العتبات المقدسة في كربلاء او في رحلاتهم التجارية لذلك فقد احتوى البناء على غرف نوم وغرف للحراسة وغرف للسجن لمن يلقى القبض عليهم من قبل الجندرمة وهو على العموم بناء بسيط يعبر عن المرحلة التي شيد فيها متأثرا بامكانيات المهندسين والعاملين القائمين على تشييده.. وأستطيع ان اجزم بأن طريقة البناء كانت بلا هوية تنسب الى عصر معين كما هو واضح للكثير من المعالم الاثرية العراقية الاخرى ويبدو هذا الحال مع اغلب الخانات الاخرى.. فهو خليط من معماريات كثيرة.. فالباب الرئيس من الطراز البغدادي صنع من الخشب وعليه بعض النقوش.. وقد فقد هذا الباب في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي لكن امام هذا البناء الشاسع والكبير عليك ان تقف وتتخيل العاملين فيه.. وهم يتكبدون مشاق العمل وعناءه والمدة التي امضوها لكي ينجزوا هذا البناء الشامخ وجعله مؤهلا لاستقبال المسافرين.. فما بين الاف القطع من الاجر والطابوق والايوانات والاقواس تتساءل كم عاملا اشترك فيه وكم مهندسا اشرف عليه وكم (اسطة) سطر آجره وطابوقه.. يقول مدير هيئة السياحة ان العمل في هذا الخان استغرق زهاء العام وكان عدد العمال قد وصل الى المائة.. اما (الاسطوات) فكان واحدا ويعتقد ان اهمية هذا الاثر تعود الى كونه اثرا ماديا يحكي مرحلة من مراحل الزمن العراقي وطريقة الحياة فيه.
خان العطيشي هو واحد من 99 خانا تبدأ من مدينة طوس الايرانية وتنتهي في مدينة النجف الاشرف عند خان النخيلة الذي تعرض للهدم.
وخان ”الربع“ وخان ”النص“ اثناء قمع انتفاضة آذار عام 1991 بالاضافة الى اربعين خانا منها خان بني سعد وخان المحمودية حتى الحدود الايرانية. ارتبط خان العطيشي بالثورات التي فجرها الشعب العراقي في بدايات القرن الماضي وكان واحدا من الخانات التي وحدت صفوف الشعب، وتقول المصادر التاريخية ان الشيخ ضاري في ايام ثورة العشرين انتقل شخصيا الى منطقة خان العطيشي ليتخذ من الخان مقرا ومركزا لقيادة ثورة العشرين بالتنسيق مع الثوار وقياداتهم، وكان خان العطيشي في تلك الثورة العظيمة قد اصبح مأوى للعوائل النازحة من اثر القصف المدفعي، وهناك حكاية يتداولها الناس وذكرها احمد فوزي في كتابه (الاغتيال السياسي في العراق) على انها وقعت في عام 1941م الذي شهد انتفاضة عارمة ضد الاحتلال الانكليزي ما جعل من تلك القوات ان تغير على الخان وعلى المنطقة وتقصف رجال المقاومة.. وتضيف الحكاية ان احد ابطال تلك الانتفاضة واسمه (مزاحم تومان الخفاجي) قد اسقط طائرة وقتل احد طياريها وأسر الاخر بعد ان واجهه بالسلاح، اما في انتفاضة عام 1991 ضد النظام المباد فان خان العطيشي عادت له الروح من جديد واصبح مكانا لرجال الانتفاضة لمقاومة جيش البعث قبل ان يصل الى مدينة كربلاء ويذكر الاهالي ان الخان شهد معارك كبيرة في تلك الايام.
موقع نون
أقرأ ايضاً
- تصل الى (29) تخصص في اربع فروع العتبة الحسينية: الاعدادية المهنية للبنات تدرس (5) اقسام الكترونية علمية
- تستقبل طلابها في العام المقبل :العتبة الحسينية تُشـّيد جامعة تقنية تضم معاهد واقسام نادرة في العراق
- شاهد عيان: جيش الكيان الاسرا..ئيلي قصف الانسان والحيوان والشجر والحجر