في زيارة إلى الولايات المتحدة اكتفى البنك المركزي بإعلان نتائجها، يضع محافظه علي محسن العلاق اللمسات الأخيرة قبل إغلاق عمل المنصة الإلكترونية نهاية العام الحالي، حيث أكد اقتصاديون أن الزيارة ناقشت أعمال التدقيق المالي على المصارف العراقية وملاحقة أي شبهات تهريب بالعودة إلى 3 سنوات سابقة.
وفيما اعتقد خبير أن البنك المركزي نجح في الحد من تهريب العملة وتغطية 90 بالمئة من التجارة في العراق، لفت آخر إلى أن إجراءات البنك ساهمت في تهريب الدولار بصورة غير مباشرة عبر مزاد العملة.
ويقول الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، إن “زيارة وفد البنك المركزي إلى نيويورك كانت لمناقشة تقارير شركات التدقيق العالمية التي تولت تدقيق عمل المصارف العراقية لاسيما المعاقبة منها، إذ جرى تدقيق مدة ثلاث سنوات ماضية، للبحث في شبهات تهريب الدولار وغسل الأموال بحسب اتهامات البنك الفيدرالي الأمريكي”.
ويضيف المشهداني، أن “البنك المركزي تعاقد مع شركتين إحداهما تدقق على المصارف خلال السنوات الثلاث الماضية، أما الشركة الجديدة فهي تدقق في طلبات التحويل قبل أن ترسل إلى البنك المركزي الذي يرسلها بدوره للفيدرالي عن طريق المنصة”.
ويؤكد أن “البنك المركزي استعرض في الزيارة الإجراءات التي اتخذها بخصوص متابعة عمليات تهريب الأموال، وعمل هذين الشركتين خلال المدة الماضية، وذلك بغية أن ينتهي المركزي من قضية المنصة والمراقبة خاصة أن الشركتين اللتين تعاقد معهما عالميتان وكانتا تدققان على مصارف أبو ظبي في الإمارات”، لافتا إلى أن “الشركة الأولى من المؤمل أن تنهي مهمتها التدقيقية خلال ثلاثة أشهر والتوقعات أن تنتهي في منتصف تشرين الأول أو ما يليه”.
ويجد المشهداني أن “إلغاء المنصة أمر محسوم لأن البنك المركزي يؤكد أنها لا تدخل ضمن عمله أو واجباته لكنه تبنى الموضوع نيابة عن المصارف، والمطلوب الآن من المصارف أن تمتلك علاقات مع المصارف الأمريكية المراسلة وتقوم بالتحويل من دون الرجوع إلى المنصة والمرور بالبنك المركزي والفيدرالي الأمريكي”.
وأعلن البنك المركزي العراقي، أمس نتائج زيارة الوفد الذي ترأسه العلاق إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والتي استمرت للفترة من 26 إلى 29 آب، مؤكدا أنه أجرى اجتماعات مكثفة في نيويورك، شملت مباحثات مع وزارة الخزانة الأمريكية والبنك الاحتياطي الفيدرالي، بالإضافة إلى لقاءات مع مجموعة من الشركات (Visa، Mastercard وMoneyGram) فضلاً عن مصرفي (Citi Bank و JP Morgan) وكذلك شركات التدقيق الدولية (KPMG ، E&Y، K2i و Oliver Wyman).
كما أعلن البنك عن لقاء سيتم بين مسؤوليه مع شركائه الدوليين بنهاية هذا العام بشأن التحول في إنهاء العمل بالمنصة الإلكترونية للتحويلات الخارجية واستبدالها بالعلاقات المصرفية المباشرة بين المصارف العراقية وشبكة المصارف المراسلة الدولية.
من جهته، يرى الخبير المالي نبيل جبار، أن “بيان البنك المركزي استعرض الإيجابيات المتحققة من الزيارة لاسيما قضية إيقاف المنصة نهاية العام الحالي والشروع ببدء عملية التحويل الطبيعية التي تجري بين المصارف العراقية الخاصة والمصارف الأجنبية المراسلة بعيدا عن المنصة”.
ويشير جبار إلى أن “البنك المركزي حاول خلال الفترة الماضية توسيع قاعدة المصارف التي تتعامل بشكل مباشر مع المصارف المراسلة الأمريكية، لذا فالأمور إيجابية في ما يخص المصارف غير المعاقبة، لكن في ما يخص المعاقبة لا جديد بشأن عودتها إلى العمل”.
ويجد أن “إجراءات البنك المركزي نجحت إلى حد ما إذ استطاع أن يجري الحوالات للمصارف بنسبة كبيرة قد تغطي 90 بالمئة من حجم التجارة في العراق، أما المتبقي من التجارة التي لم يستطع تغطيتها، فهي المرتبطة بالدول المعاقبة من قبل الولايات المتحدة كإيران وهي التي تتسبب بوجود السوق الموازي وزيادة الأسعار”.
ويعتقد جبار، أن “البنك المركزي خلال الأشهر الماضية استطاع أن يسيطر على الأزمة إلى حد ما وأهم ما في ذلك استقرار الأسعار، وهذا يأتي من أن أغلب السلع تدخل بسعر الصرف الرسمي وهذا ينعكس إيجابا على أسعارها، عدا مجموعة محدودة من الاستيرادات متأثرة بالسوق الموازي”.
ومنذ مطلع العام 2023، تدخلت واشنطن للحد من تهريب الدولار من العراق، ما أدى إلى ارتفاع سعر الدولار في السوق المحلية لمستوى قياسي بلغ 170 ألف دينار لكل 100 دولار، بسبب تراجع مبيعات البنك المركزي من الدولار، نظرا لخضوعه إلى نظام “سويفت” المالي الدولي.
ويخطط البنك المركزي العراقي، منذ أشهر لإلغاء المنصة الإلكترونية للتحويلات الخارجية بشكل تدريجي خلال عام 2024 الحالي، وصولاً إلى إلغائها بالكامل مع نهاية العام، والإبقاء عليها لأغراض تدقيقية وإحصائية، وذلك في إطار سعيه لتمكين المصارف العراقية من إنشاء وتأسيس علاقات مع القطاع المصرفي العالمي والإقليمي.
لكن الباحث في الشأن الاقتصادي همام الشماع، يعتقد من جهته، أن “البنك المركزي لم ينجح في ضبط تهريب الدولار، بل أسهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة في هذا التهريب”.
ويشير الشماع إلى أن “طرح نحو 270 مليون دولار يوميا في مزاد العملة، أمر خطير، فهو رقم كبير خاصة أن مصير هذه المبالغ مجهول، مع أن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أكد سابقا أن 50 مليون دولار تكفي لسد حاجة السوق”.
ويلفت إلى أن “هذه الحوالات إذا كانت تذهب للتجارة والاستيراد، فأين الحصيلة الكمركية وهل تتطابق هذه الأرقام مع المواد التي تدخل إلى العراق”، متابعا أن “موضوع الدولار غامض وإجراءات البنك المركزي صعبت من الأمر ولم تسهل، خاصة مع تعدد هذه الإجراءات والتغيير المستمر فيها”.
وتحدث خبراء في تقارير سابقة عن استمرار تهريب العملة، على الرغم من الضوابط على المصارف، ويتم عبر حقائب تنقل براً إلى تركيا وإيران، بعد سحب الدولار من السوق المحلية وليس عبر نافذة بيع الدولار الرسمية، وأطلق عليها متخصصون آنذاك بـ”الحوالات السود”.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- هل تطيح "أزمة الدولار" بمحافظ البنك المركزي؟
- هل يقترب العراق من إنهاء الحظر الأوروبي على طائره الأخضر؟
- كيف ستتأثر الصناعة النفطية العراقية بتحويلها إلى التمويل المركزي؟