أكثر من أربعة أشهر مضت من العام الحالي وما زالت الموازنة الاتحادية تراوح بين وزارة المالية ومجلس الوزراء فيما ينتظر مجلس النواب وصول الجداول إليه بغية الاطلاع عليها وإجراء ما يراه من تعديلات للتصويت عليها ومن ثم إعادتها مجددا إلى الحكومة للمضي بنتفيذها، ويعزو مختصون هذا التأخير في إقرار الموازنة إلى عدم إنجاز المالية لجداول النفقات التشغيلية وأن هذا الأمر سينعكس على المشاريع الاستثمارية، فيما يؤكد آخرون أن الموازنة تم إقرارها لكن الحكومة لم تصدر تعليمات تنفيذها لغاية الآن.
وكان وزير الثقافة أحمد فكاك البدران، قد قال يوم السبت الماضي، إن مجلس الوزراء بانتظار وصول الجداول من وزارة المالية لغرض مناقشتها وتمريرها إلى البرلمان لغرض التصويت عليها، لافتا إلى أنه متى ما وصلت الجداول سيقوم المجلس بالتصويت عليها.
وبهذا الصدد، يقول الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، إن “هناك عدة أسباب لتأخر إقرار جداول الموازنة للعام 2024 أحدها هي أن وزارة المالية لم تنجز جداول النفقات التشغيلية لغاية الآن والتي كان من المفترض إنجازها في أيلول أو تشرين الأول 2023”.
ويضيف “وزارة المالية سبق وأن عممت كتابا بتاريخ 16 كانون الثاني الماضي على جميع دوائر ومؤسسات وهيئات الدولة بما فيها وزارات إقليم كردستان ومؤوسساتها مطالبة إياها بتزويدها بجداول تفصيلية عن الموظفين تضم الأعداد والأسماء والرواتب وكذلك المخصصات المستحقة والاستقطاعات المفروضة”.
ويتابع المشهداني “كان من المفترض أن تتم الإجابة على كتاب وزارة المالية من قبل مؤسسات الدولة في نهاية شهر آذار الماضي إلا أن ارتفاع تخصيصات رواتب موظفي إقليم كردستان في الموازنة العامة والتي تقدر بتسعة تريليونات دينار، دعا وزارة المالية إلى إجراء تعديلات على الجداول، لكن أيضا هذا لا يعتبر مبررا لتأخر الوزارة”.
ويلفت إلى أن “الموازنة الاستثمارية في المحافظات قد ساهمت بتأخير الإقرار نتيجة انتخابات مجالس المحافظات، حيث أن فسحة الوقت التي منُحت لمجالس المحافظات لمناقشة المشاريع الاستثمارية وما صدر عنها من قرارات جرى إدراجها في جداول الموازنة، ساهمت هي الأخرى بالتأخير بعد أن كان الأمر يقتصر على المحافظين فقط في السابق”.
وينبه إلى أن “التأثير السلبي لتأخر إقرار الجداول قد ينعكس على المشاريع الاستثمارية الجديدة غير المدرجة سابقا ضمن الموازنة الثلاثية (2023 – 2024 – 2025) إذ أن هذه المشاريع تحتاج إلى مصادقة جديدة من البرلمان لكن تأثيرها غير بالغ الضرر على سريان الموازنة لاسيما أن الموازنة التشغيلية مُقرة وأن فقرتها الأساسية المتعلقة بالرواتب والأجور والحماية الاجتماعية والمتقاعدين بالإضافة إلى النفقات الحاكمة مثل البطاقة التموينية وشراء القمح والأدوية، كذلك فوائد وأقساط الدين العام جميعها سارية وواجبة الدفع، حتى وإن لم يتم إقرار الجداول كما حصل في العامين 2020 و2022”.
ويؤكد المشهداني أن “الحكومة تسير حاليا ضمن قانون الموازنة العامة الثلاثية التي صادق عليها البرلمان العراقي بمعنى أن المصادقة على موازنة العام 2024 أمر ضمني، والموازنة حاليا ضمن المعدلات الطبيعية سارية وفق نظام 1/12 من موازنة العام الماضي”.
وكان رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني قد بحث مع رئيس مجلس النواب بالنيابة محسن المندلاوي، في 30 نيسان الماضي، استكمال جداول موازنة 2024 وإرسالها إلى مجلس النواب للتصويت عليها.
من جانبه، يشير الخبير الاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش، إلى أن “موازنة 2024 تم إقرارها لكن الحكومة لم تصدر تعليمات تنفيذها بسبب زيادة مبلغ الموازنة لهذه السنة إلى 228 تريليون دينار، هناك مناقلات كثيرة في أبوابها وبالتالي اتجهت الحكومة إلى باتجاه آخر حيث أصبحت هناك جداول جديدة للموازنة بدلا أن تنفذ موازنة 2024 المقرة مسبقا وهذا يعد سببا في تأخر الإقرار”.
ويوضح أنه “في حالة غياب جداول الموازنة فإن الحكومة تدخل ضمن قانون الإدارة المالية رقم 6 للعام 2019 وتعمل بنظام 1/12 أي تتبع نظام الإنفاق ذاته الذي تم في سنة 2023، لكن المشكلة أن هذا التأخير سينعكس على المشاريع الجديدة وكذلك رواتب الموظفين والمشمولين بالرعاية الاجتماعية الجدد حيث يتطلب الأمر المصادقة على الزيادة في مبلغ الموازنة لتغطية هذه الرواتب”.
يشار إلى أن مجلس النواب صوّت في 12 حزيران 2023، على قانون الموازنة الاتحادية للأعوام 2023 و2024 و2025، في بادرة هي الأولى من نوعها في تاريخ البلاد من حيث حجم الموازنة وكذلك عدد السنوات المالية، بقيمة 197 تريليونا و828 مليار دينار، بعجز مالي قدره 63 تريليون دينار، أي ما يقارب ثلث الموازنة.
من جهته، يحمل الخبير الاقتصادي همام الشماع، رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني مسؤولية تأخير إقرار الموازنة بسبب اتباع نظام الموازنة العامة الثلاثية “غير المألوف”.
ويبين أن “سبب اتباع خطة الإنفاق 1/12 هو أن جداول الموازنة وضعت عجزا كبيرا وهائلا غير مسبوق في تاريخ الموازنات أجمع، مما أدى إلى حدوث مشكلات قد يصعب حلها بشأن توفير السيولة لتغطية الإنفاق”.
ويختم بالقول إن “حكومة السوداني الآن تعول على أسلوب الإنفاق عن طريق باقات الدفع الإلكتروني لكي تقلل الحاجة إلى السيولة النقدية، لكنها فشلت في ذلك، وتأخير إقرار الجداول لا يُحدث تأثيرا بقدر ما جعل الحكومة تتحكم بالإنفاق حسب مشيئتها ورغبتها”.
وفي 1 شباط الماضي، كشفت اللجنة المالية النيابية، عن آخر تطورات الموازنة المالية لعام 2024، مبينة أنها سترتفع إلى 206 تريليونات دينار بدلا من 199 تريليون دينار، وأواخر شهر آذار الماضي، أقدمت الحكومة على خطوة مفاجئة حيث رفعت من حجم موازنة العام الحالي، إلى 228 تريليون دينار.
وانتقد أعضاء بمجلس النواب تأخر الحكومة بإرسال جداول موازنة العام الحالي 2024 المعدّلة من أجل دراستها وإقرارها، رغم التسهيلات التي تحظى بها كونها ضمن موازنة ثلاثية لثلاثة أعوام ولا تحتاج إلا إلى بعض التعديلات في أرقام أبواب الصرف والإيرادات، عادين أن خرق التوقيتات القانونية بما يخص الموازنة وفي غيرها بات عُرفا في البلد.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- سعر النفط بموازنة 2025.. طبيعي أم يؤدي لأزمة؟
- موازنة 2024 دون تنفيذ.. ما مصير موازنة العام المقبل؟
- إخفاقات "الطائر الأخضر".. هل يكفي "الإقرار بالذنب"؟