في إطار لقاء تاريخي جمعه بالرئيس الأمريكي جو بايدن في البيت الأبيض، أهمل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ملف انسحاب القوات الأمريكية من العراق، أكثر الملفات أهمية وجدلا في الآونة الأخيرة.
وفيما وصف مراقب سياسي أن حديث السوداني أمام بايدن نمّ عن "ضعف سياسي" ومسايرة للرغبات الأمريكية، تحدث مراقب ثانٍ رافق الوفد العراقي في واشنطن، عن أهمية الزيارة في ظرف استثنائي يشهده الشرق الأوسط، فيما أكد آخر أن السوداني كان واضحا منذ البداية بأنه لا يريد خروج القوات الأجنبية كغيره من رؤساء الحكومات السابقة.
ويقول المحلل السياسي المقيم في واشنطن نزار حيدر، إن "السوداني لم يأت بجديد في هذا اللقاء، إذ ينطبق عليه المثل القائل (وفسر الماء بعد الجهد بالماء)، فكل ما قاله في البيت الأبيض كان قد كرّره في بغداد عشرات المرات".
ويضيف أن "من الملاحظ جدا أن السوداني كان يسعى إلى أن يتطابق كلامه مع رغبات الإدارة الأمريكية في موضوع الالتزام بالقانون الدولي وحماية المنشآت الأجنبية في العراق والشراكة وبقية القضايا التي تنطبق مع آراء وتوجهات الولايات المتحدة في الشأن العراقي".
ضعف سياسي
ويتابع حيدر أن "السوداني أهمل، ولم يتحدث مطلقاً، عن مفردة انسحاب القوات الأجنبية مع الرئيس الأمريكي بايدن في هذا اللقاء، إنما أحاله على اللجنة المشتركة"، لافتا إلى أن "قوله بأن العراق مصمم على الالتزام بنتائج اللجنة المشتركة، هو كلام ينم عن ضعف سياسي، فما جدوى التفاوض لأشهر حول هذا الموضوع ثم العودة إلى مخرجات اللجنة المشتركة والالتزام به، وهو الشيء الطبيعي، فما الجديد؟".
والتقى السوداني، أمس الاثنين، الرئيس الأمريكي جو بايدن في إطار زيارة رسمية طال انتظارها إلى واشنطن، وأكد رئيس الحكومة العراقية خلال اللقاء: "نعمل على الانتقال من العلاقة العسكرية إلى الشراكة الكاملة مع أمريكا"، وفيما أوضح أن "العلاقات الأمريكية العراقية وصلت لمنعطف مهم ونهدف إلى بحث الشراكة"، لفت إلى أن "زيارة أمريكا تأتي في وقت حساس وتظهر أهمية العلاقات بين الجانبين"، موضحاً أن "وجهات النظر الأميركية والعراقية قد تكون متباينة بشأن ما يحدث في المنطقة، ونريد وقف اتساع الصراع".
وبخصوص الوجود الأمريكي في العراق، أشار السوداني إلى أن العراق ملتزم بنتائج اللجان المشتركة لتقييم موقف القوات، فيما أكد الرئيس الأمريكي من جهته، أن بلاده ملتزمة بحماية مصالح أمريكا وشركائها في المنطقة بما في ذلك العراق.
حفاوة
من جهته، يشير المحلل السياسي المقرّب من الإطار التنسيقي عائد الهلالي، إلى أن "هذه الزيارة تكتسب أهمية كبيرة كونها تتزامن مع ظروف استثنائية تمر بها منطقة الشرق الأوسط لاسيما مع التداعيات التي حصلت نتيجة الضربة الإيرانية على إسرائيل، فالمنطقة اليوم تحتاج إلى من يقوم بعملية تهدئة، والعراق مهيأ لتأدية هذا الدور في الوقت الحاضر".
وردت إيران، ليلة السبت، على الاستهداف الإسرائيلي لقنصليتها في دمشق، عبر عشرات الصواريخ والطائرات المسيرة الموجهة نحو إسرائيل، وأثار هذا التطور قلقا كبيرا من توسع رقعة الحرب ودخول الفصائل العراقية المسلحة فيها.
ويضيف الهلالي، الذي يرافق الوفد العراقي إلى واشنطن، أن "تواجد السوداني في الوفد والحفاوة التي قوبل بها من قبل حكومة الولايات المتحدة تدلل على أن هناك رغبة مشتركة بين الطرفين لعقد اتفاق كما أراد العراق، وهذا الاتفاق يؤسس لوضع جدولة للانسحاب الأمريكي من العراق، فقد عقدت اللجان اجتماعاتها ولقاءاتها بشكل مكثف جدا للوصول إلى هذا الاتفاق".
وفي وقت سابق من أمس الاثنين، أعرب ائتلاف إدارة الدولة المشكل لحكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، عن أمله في أن تشهد زيارة السوداني إلى واشنطن "تفعيلاً لاتفاقية الإطار الاستراتيجي ولاسيما ما يتعلق منها بالطاقة والتنمية والتبادل العلمي والاستثمارات".
واتفاقية الإطار الاستراتيجي هي اتفاقية أمنية وقعت بين حكومة العراق والولايات المتحدة، عام 2008، وتتضمن هذه الاتفاقية تحديد الأحكام والمتطلبات الرئيسة التي تنظم الوجود المؤقت للقوات العسكرية الأميركية في العراق وأنشطتها فيه وانسحابها من العراق.
إلى ذلك، يرى المحلل السياسي ماهر جودة، أن "السوداني فور تسلمه رئاسة الحكومة كان واضحا بموضوع وجود القوات الأمريكية، إذ قال في رد على وسائل إعلام أجنبية إن هذه القوات مرحب بها ونحن بحاجة لهم لتقديم الاستشارة والتدريب وهم شركاء في مقاتلة الإرهاب".
ويضيف جودة، أن "من يريد خروج القوات الأمريكية هم فصيلان فقط من ضمن مجموعة من الفصائل المسلحة التي تنضوي في تحالف إدارة الدولة الذي شكل الحكومة، ومعظم هذه القوى تلتقي بالسفيرة الأمريكية، وهم يعرفون جيدا أن خروج الأمريكان ليس بالأمر الهين، وهو ما أعلنه زعيم عصائب أهل الحق الشيخ قيس الخزعلي"، لافتا إلى أن "وجود القوات الأجنبية يجب أن يحدده قادة عسكريون وخبراء لتقييم مدى حاجة العراق لهذه القوات".
لا نقاش عن الانسحاب
ويتابع أن "الشراكة مع الولايات المتحدة في الوقت الراهن مهمة، لاسيما في مسألة دخول العملة الصعبة إلى البلاد التي يشرف عليها البنك الفيدرالي الأمريكي"، مشيرا إلى أن "الأمريكان أكدوا مؤخرا أنهم لن يناقشوا جدولة الانسحاب، وهذا الأمر معروف، حتى أن السوداني أبلغ به الإطار التنسيقي والأخير يدرك أن العراق يحتاج إلى وقت طويل للإقدام على هكذا خطوة".
وكان مقرب من الإطار التنسيقي، أكد أمس، أن زيارة السوداني إلى واشنطن ستكون فيصلا في الهدوء أو التصعيد ضد القوات الأمريكية من قبل الفصائل المسلحة التي تطالب بخروج هذه القوات.
من جانبه، يؤكد مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل، أن "العلاقات العراقية الأمريكية محكومة باتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقعة في 2008 والمصادق عليها من مجلس النواب في 2009، إذ تشكل هذه الاتفاقية قاعدة أساسية للتحالف الاستراتيجي على الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية ومختلف المجالات بين البلدين".
الوضع كما هو
ويلفت إلى أن "هذه الزيارة جاءت لتعزيز هذه الاتفاقية وتفعيل بنودها التي تتعلق بآفاق عديدة كالتربية والتعليم والصحة والانتقال نحو شراكة اقتصادية مستدامة كما أكد السوداني والانفتاح على الاستثمارات وإعادة بناء القاعدة الصناعية وتطوير الزراعة عبر التنسيق مع الشركات الأمريكية".
وعن مطلب انسحاب القوات الأمريكية، يفيد فيصل بأن "الوضع سيبقى كما هو، فالتحالف الدولي وجد لوجود داعش وعندما تنتفي الحاجة لوجود هذه القوات يتم إجلاؤها تدريجيا وتتم عودتها إلى دولها، أما في ما يتعلق بالاستمرار مع الشركات الأمريكية للأسلحة والتدريب فهذا مهم وهو ضمن الاتفاقية".
وتجري بغداد وواشنطن جولات من المحادثات المشتركة لإخراج قوات التحالف الدولي من العراق، إذ عقدت الجولة الأولى، في 27 كانون الثاني الماضي، فيما أفضت الجولة الأولى إلى اتفاق على تشكيل لجنة عسكرية مشتركة لمراجعة مهمة التحالف وإنهائها، إلى جانب الانتقال إلى علاقات أمنية ثنائية وقد بدأت اللجنة أعمالها في 11 شباط الماضي.
ويرأس السوداني وفدا عراقيا كبيرا بدأ زيارة إلى العاصمة الأميركية واشنطن يوم الأحد، وإضافة إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن التقى السوداني أمس الاثنين على هامش الزيارة وزير الخارجية أنتوتي بلينكن، ووزير الدفاع لويد أوستن.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
أقرأ ايضاً
- انتخاب المشهداني "أحرجه".. هل ينفذ السوداني التعديل الوزاري؟
- الألغام.. عشرات الآلاف من الضحايا وملف التطهير مازال عصيا
- تحالف السوداني والصدر.. "جس نبض" أم تهديد لـ"الإطار"؟